"هذا السوق وُجد لراحة النساء. فأنا لا أجد ضرورة في تضييع وقتي بحفر الكوسا وتقشير الثوم، وبرغم ارتفاع ثمنها، أجدها مناسبة لوضعي وأفضل أن أشتريها شبه محضرة للطهو. وكثيراً ما أفكر أن وجود سيدات مثلي كفيل بإيجاد فرص عمل ودخل لبعض الأسر السورية الفقيرة"
ربما لا يعرف الكثيرون "سوق التنابل" الذي هو محطة جذب لعدد كبير من السوريين على اختلاف أحوالهم المعيشية. فالفقير يجد فيه مصدراً للرزق، والغني يجد راحة له. في حي الشعلان الدمشقي العريق والمميز بطابعه العمراني، يقع هذا السوق الذي يعود تاريخه إلى عام 1989، عندما ابتكر فكرته بائع خُضر، وسرعان ما أصبح مركزاً للعديد من التجار، ولنساء يهيئن الخضر في بيوتهن ويجهزنها للبيع في متاجره.
عندما نريد التكلم عن "سوق التنابل" بدمشق ، فإننا نتكلم عن تجاوز أسعار الخضار والفواكه فيه بنسبة 60 % أو 70% و حتى أحياناً 100% مقارنة مع الأسواق الأخرى في دمشق لبعض المنتجات.
وربما ارتفاع أسعار المنتجات الجاهزة والمغلفة بأكياس شفافة يبرر تحليق أسعارها مثل الكوسكا والباذنجان المحفور إلى الملوخية المجففة مروراً بالبقدونس المفروم والثوم المقشر والبامية المقمعة والفاصيوليا بأنواعها.
وبنظرة سريعة على الأسعار فإن سعر كيلو العنب يصل لـ500-550 ليرة، أما كيلو شورة الخضار المقطعة فيصل السعر إلى 200-250 ليرة، وكيلو الجزر المقطع والمقشر 150-200 ليرة، اما كيلو الفاصولياء الخضراء المقطعة والمفرزة بـ400-450 ليرة والفاصولياء كلاوي بـ350-400 ليرة، اما كيلو الباذنجان المحفور فيصل الكيلو لنحو 150-200 ليرة ونفس الشيء للكوسا
ولكن ليس هنالك ما يبرر ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه المتوفرة في بقية الأسواق و بأسعار تقل عن الضعف او الضعفين عن سوق التنابل مما يجعل هذا السوق مقصد أناس الطبقات الراقية والغنية فقط.
لا شك أن سوق التنابل يقوم بدور فعال في الحياة الاقتصادية والمعيشية لسكان العاصمة دمشق بإعتبارها المقصد الأول للنساء العاملات كما أنه يوفر مصدر دخل للنساء اللواتي لا يمكن شهادات علمية ويبحثون عن فرصة عمل مناسبة لهم.
ورغم تضاعف الأسعار والصراع الاقتصادي الذي ألقى ظلاله السوداء حتى على ميسوري الحال لم يغير زبائن السوق عاداتهم الشرائية وبقي السوق وجهتهم الأولى للشراء، علماً ان مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك تتلقي شكاوي عن هذه المنطقة وهذ السوق وترسل دوريات بشكل دائم .
يعيد معظم الباعة في سوق التنابل الفضل في نجاح هذا السوق إلى ورشات كفرسوسة. فقد أفرزت الأزمة السورية عدداً كبيراً من الحالات الاجتماعية الصعبة، نتيجة سوء الوضع الاقتصادي وخسارة الكثير من العائلات لمنازلها في الريف الدمشقي، مما دفع ببعض السيدات إلى طرق أبواب هذا السوق بحثاً عن فرصة عمل من خلال إعداد الخضر. من جهة أخرى، يقول أحد العاملين في إحدى محال الشعلان: "يقصد يومياً هذا المكان ليلاً المئات من المحتاجين باحثين عن البضائع التي باتت على وشك الفساد، إذ أصبحت أي وجبة مرهقة مادياً بالنسبة للأسر المتوسطة الدخل والفقيرة”.
معظم محتويات سوق التنابل مستوردة، حسب أحد التجار، والسبب؟ يجيب: " لأن الخضر والفواكه التي نجنيها من بلدنا أصبحت قليلة، واعتمادنا الكلي على الاستيراد". تخضع أسعار الخضر للرقابة والتفتيش، وغلاؤها نجم عن اختلاف كل مقومات الحياة السورية. يقول التاجر: “استيراد الخضر من محافظة إلى أخرى أصبح مرهقاً، وكذلك ضريبة الدخل التي تعادل 450 دولاراً شهرياً، وأجرة إشغال رصيف، التي باتت تقارب 200 دولار”.
على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون، لا يزال للشعلان وسوق تنابلها صيت ذائع وأهمية كبيرة لدى الكثير من المواطنين، إذ يبقى هذا السوق مرتبطاً بذكريات جميلة، وبحاضر يحاولون جاهدين أن يبقوه جميلاً.