لم تنل موجة الحر الأخيرة التي نشبت في الأسبوع الأول من الشهر الماضي من أجساد المواطنين فحسب، وإنما نالت من غاباتنا وحراجنا وأراضينا الزراعية في أربع محافظات سورية: /حماة وحمص ومصياف/، وكانت لطرطوس حصة منها، ففي الوقت الذي كانت تستغيث فيه الحراج والأشجار والغابات من حريق أهلك جسدها وأفنى الحياة فيها فأرداها أرضاً، تحركت الجهات المعنية بعد نشوب /284/ حريقاً زراعياً وحراجياً، وحدوث أضرار وخسائر كبيرة بيئياً وصحياً، وأمام هذا، ما واقع الحرائق في محافظة طرطوس؟ وما هي الأضرار الجسيمة التي خلّفتها؟ وما الإجراءات المتخذة حيال هذا الأمر، ولدرء مخاطر حرائق أخرى؟!.
وسائل وأدوات لازمة
تأتي أهمية المحافظة على الأشجار والغطاء النباتي من خلال قيمتها البيئية والسياحية والترفيهية والاقتصادية والصحية، بالإضافة إلى حفظ المياه الجوفية، ومنع التربة من الانجراف، ولها أهمية كبيرة في الحفاظ على الرئة الطبيعية للبلد، وعلى المخزون الاقتصادي والبيئي الذي تمثّله الشجرة بأنواعها، حيث يرى الكثير من المواطنين ممن التقتهم البعث أن إخماد الحرائق بحاجة إلى دراسة موسعة تبدأ من نشر الثقافة البيئية، وتنتهي بدورات تدريب على كيفية التعامل مع الحريق بعد حدوثه.
ويرى ياسر محرز أن وجود السيارات المختصة بإطفاء الحرائق، وعدم التأخر في الحضور إلى مكان الحريق، وتوفر طائرات مختصة للوصول إلى المناطق الحراجية التي لا توجد فيها شبكة طرق، ضرورة لمنع توسع دائرة الحريق وزيادة الأضرار والخسائر التي نحن بغنى عنها، متابعاً: للأسف في الفترة الأخيرة، وبسبب حرارة الجو التي لمسنا تداعياتها، نشبت عدة حرائق، كان آخرها حريق مرمريتا، والحريق الذي نشب في قريتنا بيت ناعسة، وقضى على مساحة واسعة من الثروة الحراجية، منوهاً بأنه لولا تكاتف أهالي القرية وشبابها وتعاونهم لكان الحريق وصل للمنازل، مقترحاًً ضرورة تخصيص سيارات للإطفاء، ورجال إطفاء في المناطق الحراجية.
الجدير ذكره، وأثناء إعدادنا لهذا التحقيق، نشبت وفي أسبوع واحد عدة حرائق، منها سبعة حرائق حراجية كان أكبرها وأخطرها في قرية حابا التابعة لمشتى الحلو /صافيتا/، ونالت الأضرار من /13/ دونماً حراجياً، كما نشب 12 حريقاً زراعياً.
آثار سلبية خطيرة
تدمر الحرائق الغطاء النباتي، وتعري التربة تمهيداً لتصحرها وانجرافها في مراحل لاحقة، بالإضافة إلى ما تحمله من تأثيرات على جمالية المواقع السياحية والطبيعية، هذا ما أكده المهندس حسن ناصيف، رئيس دائرة الحراج في زراعة طرطوس، مضيفاً: تبلغ مساحة محافظة طرطوس /189620/ هكتاراً، تشغل الحراج منها مساحة /31206/ هكتارات، أي 17%، نجد أكبرها رقعة في منطقة القدموس تقريباً 40,8% من مجمل حراج المحافظة، وتشغل المرتبة السادسة على مستوى القطر، وتبلغ مساحة الحراج الطبيعية /7729/ هكتاراً، في حين تبلغ الحراج الاصطناعية/23477/ هكتاراً، وتعد السنديانيات والصنوبريات الأنواع الرئيسية المتواجدة في مناطقنا الحراجية.
265 حريقاً
وبيّن ناصيف أن موسم الحرائق يبدأ في كل عام بتاريخ 1/5 وينتهي مع بدء تساقط الأمطار الذي ينتهي غالباً في 30/11/2015، وسجل لدينا هذا العام أكثر من خمسين حريقاً حراجياً، و215 حريقاً زراعياً قمنا بإطفائها جميعاً، كما شاركنا في إطفاء تسعة حرائق خارجية في حماة، وحمص، ومصياف، والغاب، أكبرها على مستوى المحافظة كان حريق النشير، وأخطرها كان في عين عفان، وعلل ناصيف أسباب اندلاعها بالإهمال، وارتفاع درجات الحرارة، والنشاط البشري الخاطىء!.
ولكن، كيف يتم العمل على درء مخاطر الحرائق؟.. يبيّن رئيس دائرة الحراج بأنه تم وضع خطة لمكافحة الحرائق الحراجية لهذا العام، وضعت فيها إمكانيات المحافظة جميعها في تصرف العاملين على مكافحة الحرائق بأنواعها الحراجية والزراعية، وبناء عليها رفعت الجاهزية للدرجة القصوى من خلال تزويد مراكز الحماية لدينا بالمعدات والآليات اللازمة للإطفاء ضمن الإمكانيات المتوفرة، ورفد هذه المراكز بفرق راجلة أخرى على المناطق الحراجية الأكثر أهمية، تتم الاستعانة فيها بالعمالة الموسمية.
أضرار كبيرة جداً
وحول الأضرار الجسيمة التي تلحقها الحرائق، أوضح ناصيف بأن الضرر الحاصل على الأراضي الزراعية والحراجية بسبب الحرائق، يعد كبيراً جداً، ويتناسب مع سرعة الإبلاغ عن الحريق، ووعي الأهالي والفلاحين خصوصاً لهذا الضرر، وآلية المعالجة، ونسعى من خلال عناصر الضابطة الحراجية للكشف عن المسبب الحقيقي للحريق من خلال استمرار التحقيقات السرية والعلنية، والتعاون مع عناصر الشرطة في المناطق.
وبالانتقال للحديث عن الآليات والمعدات والعاملين، قال رئيس دائرة الحراج: لدينا في دائرة الحراج عشرون مخفراً حراجياً، واثنا عشر برجاً للمراقبة مزودة بمناظير وتحت إشراف كادر من الضابطة الحراجية المتمرن، بالإضافة إلى خمسة مراكز حماية: /القدموس وعين عفان وبوردة وبهرمين ودير الجرد/ مزودة بصهاريج إطفاء، وسيارات نقل عمال، وكادر من العمال والمعدات اللازمة للإطفاء، وتتم الاستعانة بالعمال الموسميين لاستكمال جاهزيتها خلال موسم الحرائق من كل عام، أما بالنسبة للآليات المتواجدة فهي غير كافية، ولكن للظروف الحالية التي نمر بها دورها أيضاً، ويتم تنفيذ جميع الأعمال لدينا بما هو متوفر رغم الإمكانيات المتواضعة، مضيفاً: تم تشكيل خمس وعشرين فرقة إطفاء في محافظة طرطوس، عشرون منها ضمن مراكز الإطفاء، وخمس فرق ضمن المواقع التالية: /التون الجرد وسرستان والنبي صالح/، بالإضافة إلى النبي متى والدريكيش/،وذلك نظراً لأهمية المواقع التي توجد في هذه المناطق، وسرعة الوصول إلى الحرائق، ونسعى لدعم هذه الفرق بالآليات والمعدات، لقد حصلت بعض الحالات البسيطة للعمال مثل: كسور، وحالات اختناق مؤقت.
التعاون بين جميع الفعاليات
ورداً على سؤالنا حول مدى التعاون بين جميع فعاليات المحافظة مع دائرة الحراج لمواجهة خطر الحرائق، سواء بالآليات أو المعدات أو الأفراد، أوضح ناصيف بأن خطة الحرائق تشكّل بمضمونها أهم القرارات المتخذة في مجال مكافحة الحرائق، بالإضافة إلى عقد اجتماع للحملة الوطنية لمكافحة الحرائق في المحافظة برئاسة المحافظ، وعضوية فعاليات المحافظة، تم من خلاله توضيح دور كل مؤسسة أو جهة في هذا المجال، وفتح الطرق الحراجية وتعزيلها، وكذلك تجهيز مراكز الإطفاء بالمعدات اللازمة، وزيادة عدد المناهل اللازمة لتعبئة صهاريج الإطفاء، والتعاون مع فعاليات المحافظة في مجال مكافحة الحرائق من نشر الوعي، وسرعة الإبلاغ، والوصول إلى موقع الحريق، والآليات اللازمة للتدخل، والتحقيقات التي يجب إجراؤها لكشف الفاعل، ودعم عمال وفرق الإطفاء، مبيّناً أن عدد الحرائق الخارجية التي تم تقديم المؤازرة فيها بلغ تسعة في حماة، وحمص، ومصياف.
التبليغ على /188/
ويرى رئيس دائرة الحراج ضرورة نشر الوعي بين المواطنين بعواقب ما يحصل بعد نشوب الحرائق، والضرر الكبير الناجم عنها، والأهم من ذلك آلية العمل لمكافحة الحرائق من خلال سرعة التبليغ على الرقم المجاني /188/، والابتعاد عن حرق المخلفات الزراعية العشوائي، خاصة في أوقات ارتفاع الحرارة.
وحول الإجراءات القادمة لتعزيز التأهب استعداداً لمواجهة أي حريق قد يحصل، قال ناصيف: نسعى بشكل دائم لتذليل جميع العقبات التي تعترض قيامنا بواجبنا، والعمل على رفع جاهزية مراكزنا، ورفدها بالمعدات والآليات اللازمة لإطفاء الحرائق، وتفعيل التعاون مع الجهات الأخرى في المحافظة، بالإضافة إلى تفعيل دور الإرشاد الحراجي من خلال اللقاءات المستمرة مع المواطنين، وتوضيح دورنا في هذا المجال، وما يجب اتخاذه.
وختم بالقول: لابد من تضافر جميع الجهود الشعبية والمؤسساتية، وتقدير هذا الأمر يتطلب نشر الوعي والثقافة الحراجية والبيئية، لأن الجميع مسؤولون، فالضرر الحاصل يؤثر على الجميع وليس على جهة أو شخص محدد.
تجاهل الرد
ولاكتمال معلومات التحقيق وإغنائه، وجهنا كتاباً إلى المهندس حسان حسن، عضو المكتب التنفيذي، المختص بقطاع الزراعة في المحافظة لمعرفة الدور الذي يقومون به تجاه الحرائق، إلا أنه لم يأل كتابنا أي اهتمام يذكر، وبعد انتظار دام أسبوعين، تخللته عدة اتصالات، ولكن، كمن ينادي في الصحراء، فلا أذن تسمع ولا من مجيب؟!.
الخلاصة
ولأن الحراج ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها، لابد من تكاتف وتعاون جميع الفعاليات في المحافظة، ونشر الثقافة البيئية من خلال وسائل الإعلام، وبالأخص التلفاز كونه الأكثر مشاهدة، ولابد من جاهزية الآليات والأفراد، بالإضافة إلى تحرك الجهات المعنية بإخماد الحرائق بالسرعة المطلوبة على أن تكون على أهبة استعدادها قبل أن تأكل النيران ما تبقى من أراضينا وغطائنا النباتي؟!.