لا تجد حياً من أحياء العاصمة، يخلو منها، ويبدو ذلك واضحاً من طريقة توزيع محال بيعها في ثنايا الأزقة، وزوايا الحارات، ونواصي الشوارع، ومن الحشد أمامها في أوقات مختلفة من النهار والليل، حتى كبار الشخصيات بعد أن يتحدثوا عن أشغالهم، وربما طالعهم وأبراجهم، يتطرقون لأكلتهم المحببة على قلوبهم، وفي الغالب تكون الشاورما.
وإذا سألت معظم السوريين عن وجبتهم المفضلة، التي يتم تناولها “عالماشي” أو في المطاعم الشعبية، فستكون الإجابة “الشاورما”.
عمرها السوري 150 عاماً
اشتهرت سورية بتقديم أطباق مميزة من الشاورما على مستوى العالم بمذاقٍ مميز، ويعود تاريخ الشاورما إلى 1867، عندما ابتكرها لأول مرة التركي محمد إسكندر أفندي، وهي مشتقة من كلمة “شاه اروما” أي اللحم المشوي بطريقة خاصة، إما بالفحم أو الحرارة، أو الإشعاع الناتج عنها.
أما دخولها لأول مرة إلى دمشق فكان خلال 1906، عندما أنشأ الطاهي السوري “صدّيق الخباز” أول مطعم شاورما في ساحة المرجة بدمشق، ثم تعاقب افتتاح مطاعم الشاورما في دمشق، حتى يومنا هذا.
طبق يستهلكه الجميع
لا يكاد يخلو شارعاً دمشقياً، إلا وفيه مطعماً أو اثنين من الشاورما، حتى باتت الطبق المفضل للجميع بلا منازع، ورغم اكتظاظ الشوارع والأزقة والحارات بها، إلا أن ذلك لا يلغي تواجد أسواق رئيسية لها، وأهمها مناطق الشعلان، والشيخ سعد، والجسر الأبيض والميدان.
ويعود هذا الاقبال الكبير عليها لكونها وجبة سريعة وسهلة التحضير، إذ تحتل الصدارة في اهتمام المواطنين، رغم وجود مطاعم كثيرة تقدم وجبات أخرى، كالدجاج الموشي، والهمبرغر، والبيتزا، والمعكرونة الإيطالية
رياح الأزمة تعصف بها
ولم تكن هذه الوجبة الشعبية بمنأى عن السلع، والمواد الأخرى التي تأثرت بشكل مباشر بالأزمة، إما بانقطاع بعض موادها وشحها، أو بالارتفاع الكبير لأسعارها.
“الاقتصادي” أجرى جولة على الأسواق، يقارن أسعارها اليوم مع ثمنها قبلقبل العام ٢٠١١ وما تبعها من أزمة اقتصادية على المواطنين، حيث بلغ ثمن الصندويشة العادية 250 ليرة، بعد أن كانت بـ 35 ليرة، أما الصندويشة الاكسترا، فبلغ ثمنها 350 ليرة بعد أن كانت لا تتجاوز 60 ليرة في أحسن الحالات، في حين بلغ ثمن وجبة الشاورما العربي بين 400- 600 ليرة، بعد أن كانت تتراوح بين 75- 100 ليرة في أحسن الحالات، أما ثمن ا كغ من الشاورما الجاهزة فارتفع من 350 ليرة قبل حوالي أربعة أعوام، إلى 2400 ليرة اليوم.
الأسعار الجديدة، نزعت عن الشاورما صفة “الشعبية” لأنها لم تعد في متناول الجميع، ولا سيما مع الانخفاض الكبير في دخل المواطنين، وأصبحت “لمن استطاع إليها سبيلا”.
الكلفة هي السبب
هذا الارتفاع الكبير يعزيه مالك أحد مطاعم الصغيرة محمد الحسن، بمنطقة الشيخ سعد لارتفاع جميع مستلزماته.
وعليه قال: “ثمن لحم الدجاج تضاعف خمسة مرات، فيما ارتفع ثمن المقبلات والزيت والغاز واجرة المحل وأجور العمال، فلا يوجد أي مكون يدخل في تركيبة الشاورما، إلا وطاله الارتفاع وتضاعفت أسعاره مرات عدة”.
موضحاً أن أسعارها السابقة، على الرغم من كونها رخيصة، إلا أن فائض ربحها أكبر لأصحاب المطاعم، أي أن أصحاب مطاعم هذه الوجبة الشعبية لم يستفيدوا نهائياً من هذا الارتفاع، لكن بالمقابل فإنه رغم قفز أسعارها إلا أن الإقبال عليها لايزال جيداً.
أدوات بسيطة بنكهة دمشقية
تتميز الشاورما بسهولة تحضيرها وبساطة أدواتها، فلا تحتاج إلى لآلة الشوي، التي يركب عليها سيخ اللحم، وبجانبها المقبلات التي توضع على الوجبة، بداية من الشطة الحارة مروراً بالمخللات والثوم، وليس نهاية عند الكميات الكبيرة من الزيوت الدهون التي يتم إغراق الوجبة بها قبل شويها، بهدف منحها نكهة خاصة ينفرد بها الدمشقيون، إضافة لذلك تحتاج إلى سكين لتقطيع اللحم، ووجود معلم شاورما ماهر يستطيع استقطاب الزبائن بخبرته وكرمه ولباسه النظيف، بهدف تحقيق عنصر المنافسة ولا سيما في الأسواق الكبيرة، التي يتواجد بها مطاعم شاورما كثيرة ملاصقة لبعضها البعض.ل