أشار الأستاذ في جامعة دمشق، الدكتور الياس نجمة، إلى أنّ "الاقتصاد السوري يمر في أزمة تضخمية جامحة، تجاوزت كل التوقعات والحدود منذ عام وحتى الآن، إضافة إلى تآكل كبير في سعر صرف العملة الوطنية، وبالرغم من ذلك تقدمت الحكومة إلى مجلس الشعب بموازنة عامة للدولة لعام 2016 قاربت اعتمادات نفقاتها 2000 مليار ليرة سورية، في حين أن وراداتها أقل من ذلك بكثير وكثير. أي إنها موازنة تضخمية بامتياز».
ولا تتوقف المشكلة عند الفجوة الهائلة المتشكلة بين الإيرادات والنفقات في الموازنة العامة فقط، بل في طريقة إدارة الحكومة لملف الإيرادات وتقليص تلك الفجوة، فبدلاً - كما يرى نجمة - «من بذل الجهد والبحث من خلال أفكار خلاقة عن واردات إضافية عبر القروض والضرائب على أصحاب القدرات التكليفية العالية، والمؤسسات المالية والمصرفية، وكبار رجال الأعمال الذين يحققون الآن، وحققوا في السنوات العشر التي سبقت اندلاع الأحداث، ثروات فلكية، لجأت الحكومة مع الأسف إلى اعتماد الحلول السهلة، وذلك عبر الاقتراض من المصرف المركزي، أي التمويل بالعجز، أو زيادة الأسعار، وكلا هذين الأسلوبين في تمويل عجز الموازنة هما من طبيعة تضخمية، ولهما إسقاطات اقتصادية ومالية واجتماعية خطيرة جداً». وللأسف، لم تجد الحكومة الحالية أفضل من هذين الأسلوبين منذ ثلاث سنوات، إضافة إلى الضرائب والرسوم غير المباشرة التي تزيد من عدم العدالة الاجتماعية والاعتماد على المساعدات والقروض الخارجية، لتغطية العجز الحاصل بين إيرادات الخزينة العامة المتراجعة كثيراً، وبين النفقات المتزايدة بنحو هائل.
لا تتوافر إلى الآن أي بيانات رسمية يمكنها أن تحدد واقع مستويات الدين العام الداخلي المسجلة خلال سنوات الأزمة، فالحكومة لم تتقدم بأي بيان حول الحسابات الختامية لميزانيات الدولة عن الفترة الممتدة من عام 2012 ولغاية عام 2014، وهو أمر يجد له مصدر في الجهاز المركزي للرقابة المالية مبرراً، في ضوء عدم القدرة على حصر الأضرار والخسائر التي تعرضت لها مؤسسات الدولة ومشاريعها. إلا أن تقديرات باحثين مستقلين تؤكد أن «عجز الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بلغ في عام 2014 نحو 40,5%. وقد ألقى هذا العجز عبئاً إضافياً على الدين العام، الذي استمر في الارتفاع إلى مستويات قياسية، فقد ازدادت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الجاري ازدياداً هائلاً من 104% في 2013، إلى 147% بنهاية عام 2014».
لا يرتبط تراجع إيرادات الدولة فقط بالأضرار التي لحقت بالقطاعات الإنتاجية والثروات الوطنية، بل بضعف الأداء الاقتصادي للحكومة، الذي يحدده باحث اقتصادي بأربع نقاط رئيسية: أُولاها تطبيق سياسات نيوليبرالية غير مدروسة تسعى إلى تحصيل إيرادات للموازنة من غير القادرين أصلاً، وثانيتها تتعلق بضعف وفساد مؤسساتي لا يمكنه أن يحصّل إيرادات ضريبية من كبار التجار والأغنياء، والثالثة خاصة بواقع الإنفاق والتحصيل والإيراد في المناطق خارج السيطرة، التي تؤثر كثيراً بالاقتصاد في المناطق داخل السيطرة، من حيث السيولة النقدية وتوافر السلع والاستيراد (التهريب)... إلخ، ورابعاً بمدى جدية الوزارات وخاصة المالية في التحضير للموازنة لجهة أولوية الإنفاق وطرق تحصيل الإيرادات.
في ضوء ذلك، لم يتردد اقتصاديون من القول إنه كان من الأفضل للحكومة عدم تقديمها لمشروع موازنة للعام القادم، والتحول للعمل بنظام الموازنة «الاثنا عشرية» أي السير بموجب موازنة العام الحالي، ومبررهم أن ذلك سيحد من زيادة النفقات، وتالياً سيحد من زيادة العجز وكتلة الدين الداخلي. إلا أن الدكتور نجمة يفضل طرح سؤال مباشر هو: «كيف تتقدم الحكومة بموازنة تضخمية بهذا المستوى، في الوقت الذي يعصف فيه التضخم بكل جوانب الاقتصاد الوطني؟! وهل هي مدركة آثار هذه السياسات غير المتبصرة على الفئات الاجتماعية الضعيفة اقتصادياً؟ وهل تعلم الحكومة أن التضخم يأكل موارد الدولة أكثر مما يأكل موارد الأفراد لكون جميع مواردها نقدية، وأن القوة الشرائية لموازنتها القادمة، ستتناقص وتتآكل تدريجاً إلى أكثر من النصف خلال فترة إنفاقها فقط، أي في عام 2016 بسبب التضخم القائم وما ستحدثه هذه الموازنة بالذات من تضخم إضافي؟ هل نحن بحاجة إلى علماء اقتصاد لتفسير ما يجري؟».