تسببت الظروف الاقتصادية التي تمر بها سورية في تغيير هوية وملامح سوق من أعرق أسواق دمشق (باب الجابية) المتخصص ببيع وصناعه الجلود والفراء فقد اضطر كثير من أصحاب هذه المهنة لتبديل مهنتهم الأساسية والعمل بأخرى أوجدتها الظروف الراهنة.
من يزر سوق باب الجابية الذي يعود تاريخه إلى سنوات موغله في القدم تصل إلى ٣٠٠ عام يفاجأ بأن اغلب أصحاب محال بيع وصناعة الجلود الطبيعية والصناعية والبالغ عددها ٥٠ محلاً قد غيروا مهنهم إلى مهن أخرى غلب عليها مهنة بيع الأحذية ولم يبق منها سوى سبعة محالٍ تصارع الظروف لمنع مهنه بيع الجلود وتصنيعها.
وأشار أصحاب المحال الذين التقيناهم إلى أن منذ حوالي ثلاثة أعوام خلت بدأ أصحاب المحال وبشكل تدريجي يتحولون إلى بيع الأحذية بمختلف أنواعها وذلك بسبب ضعف القوة الشرائية وارتفاع أسعار الجلود واختلاف الأولويات لدى المستهلكين إلى تأمين احتياجاتهم من المأكل والمشرب، والملبس واعتبار شراء الجلود والأرضيات الصناعية ضرباً من الرفاهية خاصة بالنسبة لأغلب الأسر من الوافدين من محافظات ومناطق أخرى.
واجمع عدد كبير من أصحاب مهنة صناعه الجلود إلى أن غياب المستهلك الخارجي المتمثل بالسائح الأجنبي، لعب دوراً كبيراً في تراجع هذه المهنة إضافة إلى محدودية التصدير إلى أسواق الخليج التي كانت تعد من أفضل الأسواق، إذ قال محمد الخيمي صاحب محل لبيع الجلود وعباءات الفرو: إن هناك تراجعاً كبيراً في بيع الجبة والعباءات والصدرية المصنوعة من الفرو، نتيجه ارتفاع أسعارها وهذه الأنواع استخدمت ومازالت تستخدم من قبل البدو لأنها تقي من البرد، فقد كان سعر الجبة الصوفية أو الصدرية المصنوعة من الجلد الطبيعي،والتي تعتبر من أكثر الأنواع المرغوبة من قبل البدو إضافة إلى السياح العرب والأجانب وخصوصاً أهل الخليج الذين يعتزّون بها ويعتبرونها لباسهم الأصلي، ارتفع سعرها من 1500 ليرة ليصبح اليوم ١٥ ألف ليرة في حين كان سعر الجبة الصناعية ٥٠٠ ليرة والتي بات سعرها ٥٠٠٠ ليرة، أما بالنسبة إلى سعر جلد الخروف والذي يستخدم للتدفئة في، فصل الشتاء فقد أصبح يباع الجلد صغير الحجم بـ١٥٠٠ ليرة والجلد كبير الحجم بـ٣٥٠٠ ليرة . هذه الصناعة تعد من أقدم الصناعات اليدوية الموجودة في دمشق القديمة، وينسب المؤرخون هذه الصناعة إلى عمر سوق الصباغين الذي يقدر بألف عام.
وأشار أحد حرفيي مهنة صناعه الجلود والفرو، إلى أن المهنة عمرها أكثر من مئة عام وقد نشأت هذه الحرفة قديما في محافظة حماة ومعرة النعمان وكانت بدائية حيث يتم أخذ جلد الخروف وتصنع منه عباءات للرعيان أو يستعمل لفرش الأرض به من أجل الدفء في البيوت القديمة ثم انتقلت هذه الحرفة إلى دمشق وأصبح لها سوق كبير تجمع فيه حرفيوها وسمي سوق السنانية في منطقة باب الجابية وذلك منذ 300 عام تقريباً فقد كانت تجلب جميع الجلود إلى سوق السنانية وتنظف ويتم تحضيرها بشكل كامل وكان ذلك قبل ظهور الجلد الصناعي الذي نافس الجلد الطبيعي من خلال ثمنه المعقول فهو يناسب الجميع، وأضاف نأمل من الجهات المعنية العمل على حماية هذه المهنة التي تسير في طريق الاندثار..!