لعل كلام أحد الوزراء -أثناء حديث غير رسمي- حول دور القطاع الخاص في عملية التنمية واتهامه بالطفيلية ومحاولته الكسب من المزايا والتسهيلات وخاصة تلك التي حصل عليها من الحكومة قبل سنوات الأزمة، يشخّص ماهية هذا القطاع إلى حدّ كبير، ليس هذا فحسب بل استطرد الوزير بقوله: إن بعض رجال الأعمال لم يسطُع نجمهم لولا الحكومة، فما أن اندلعت الأزمة حتى سارعوا إلى نقل أعمالهم إلى خارج البلاد..!.
خذلان..!
يبدو أن كلام الوزير يضع الأصبع على جرح معادلة المواءمة بين القطاعين العام والخاص التي لا تزال تعاني الكثير من الارتكاسات، فالأول أراد أن يكون الثاني رديفاً له في كثير من القطاعات، إلا أن النتيجة كانت الخذلان والانسياق ضمن متاهة المصلحة الخاصة وفق تعبير الوزير.
أواصر ولكن
تعليقاً على ما سبق نبيّن أنه يمكن لأي اقتصاد وطني أن يمتّن أواصره ويحقق أعلى معدّلات نموّه دون أن يتضافر جهد كل من قطاعيه العام والخاص في وحدة متكاملة لا يطغى فيها أو يتعدّى أحدهما على الآخر، ليستطيعا السير بتناغم وانسجام بما يحقق المصلحة العامة، وذلك من خلال أن يقوم الأول بالتخطيط الاستراتيجي ضمن رؤية واضحة تحدّد مسار الثاني ويشرف عليه ويضبط حركته ونشاطه الاستثماري والتجاري -ولاسيما بعد حصوله على الكثير من المزايا التشجيعية- حتى لا يخرج عن القوانين والأنظمة النافذة، ولا يقع -في الوقت نفسه- في مطبّ الطفل المدلل ويتحوّل تدريجياً إلى طفيلي جبان، وبذلك يكون عمل كلا القطاعين متوازناً بموجب معادلة تخوّل كل قطاع أن يقوم بدوره المنوط به.
تأرجح..!
لكن هذه المعادلة في سورية تفتقد في كثير من الأحيان توازنها واستقرار كفتي ميزانها المتأرجحتين يميناً ويساراً دون الأخذ بعين الاعتبار ما سيحققه كل طرف، ما يتمّخض عنه تجاوزات من العيار الثقيل، ليس أولها فتح أبواب الرشاوى والدفع من تحت الطاولة وفوقها، وليس آخرها حالات الاحتكار الكبرى وما جلبته من أرباح تقدّر بالمليارات وليس بمئات الملايين حسبما أكده بعض العارفين بخفايا الصفقات المشبوهة.
ضياع..!
هذا الوضع غير الصحي الذي أضاع -وسيضيع في حال استمراره- أموالاً بأرقام فلكية على الخزينة العامة من جهة، وألحق الضرر بالمستهلك (وهو الضحية الكبرى) نتيجة ما اقترفه ويقترفه حيتان السوق المحلية، ما حدا ببعض الغيورين على المصلحة العامة إلى المناداة بإعادة النظر بالدور الذي حظي به القطاع الخاص ونتجت عنه أضرار لامست لقمة عيش المواطن من جهة استيراده للمواد الأساسية اليومية وخاصة الغذائية منها، ويرى هؤلاء الغيورون أن دواعي المصلحة العامة تقتضي أن تسحب الدولة البساط من تحت القطاع الخاص الذي لم يكن أهلاً في مهمّته وتكامله مع نظيره العام، وأن تأخذ الدولة دوره باستيراد المواد والسلع الأساسية، وإن كان ذلك على حساب نهج اقتصاد السوق الذي اعتمدناه سبيلاً لاقتصادنا الوطني، وخاصة أن الدولة لديها إمكانات كبيرة للقيام بذلك من خلال مؤسساتها العامة والمتخصصة، فبإمكان مؤسسة عمران أن تتولى تأمين مواد البناء بأسعار منافسة وجودة عالية، والمؤسسة الاستهلاكية قادرة على تأمين المواد الغذائية الأساسية اليومية بطريقة تراعي وضع المستهلك المادي والاجتماعي، وكذلك المؤسسة العامة للتجارة الخارجية تسدّ حاجة السوق من الأدوية الاستراتيجية التي لا تُصنّع محلياً وغير ذلك مما له علاقة بحياة المواطن وحاجاته الأساسية، وبذلك تكون قد راعت مصلحة المستهلك وحالت دون وقوع تجاوزات قطاع آثر مصلحته على المصلحة العامة.
في المقابل
لكن في المقابل يرى بعضهم أن القطاع العام له تجاوزاته التي لا تنتهي من تواطؤ ضعاف النفوس من المتنفذين مع الجشعين من التجار، وإن تقليص دور القطاع الخاص ليس حلاً يُستطاب به، ما يعني ضرورة التوصل إلى صيغة توافقية تضبط إيقاع العمل، فلا الخاص يتمرّد على القوانين والأنظمة، ولا العام يغرق في تعقيدات روتين وبيروقراطية معاملات وعقود الاستيراد.
أخيراً..
وجهتا نظر نعرضهما أمام راسمي سياساتنا الاقتصادية وأصحاب القرار، عسى أن تتم المواءمة بينهما، مع إقرارنا بأنهما واضحتان للكثيرين منهم، وهنا لا ندّعي الخبرة والكفاءة، وإنما المتابعة وطبيعة المهنة هما من أوضحتا هذه الصورة لدينا، فهذه المرحلة تستدعي بالفعل أن يعمل كلا القطاعين جنباً إلى جنب مع حفظ الحقوق والواجبات لكل منهما..!.
نقلا عن صحيفة البعث المحلية