لا تقتصر أهمية الذهب وقيمته على كونه أداة للتزيّن، بل على الدور الذي يضطلع به في تهدئة مخاوف المستثمرين في الأيام الأكثر تشاؤماً، باعتباره ملاذاً آمناً يقيهم شر التراجع في الأسواق المالية. وفي ظل تضافر العوامل التي يمكن أن تضغط على أسعاره صعوداً أو هبوطاً، يبقى مصير المعدن الأصفر رهن التطوارات المقبلة، تماشياً مع تراجع الاقتصاد الصيني والتوقعات باحتمال رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة مرتين هذه السنة.
يُعتبر الذهب أداة استثمار آمنة، خصوصاً أنَّه يتيح لحائزيه فرصة تركه معهم أو تخزينه في المصارف. وقد شهد هذا الأخير مضاربات كبيرة في السنوات التي لحقت الأزمة المالية العالمية في العام 2008، فظلّت أسعاره تترنّح بين هبوط وصعود من 800 و1800-2000 دولار للأونصة في 2015. في المقابل، أصبحت التساؤلات عن ما إذا كانت السنة الجديدة ستحل ضيفاً كريماً على هذا المعدن مترافقة مع توقعات أولية...
فما هي العوامل التي تؤثر في أسعاره وكيف ستكون في 2016 أسعار الذهب في الأسواق السورية واللبنانية والعالمية؟
قبل تفصيل الإجابة عن هذا السؤال، يشرح الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان أولاً بحسب صحيفة "النهار" اللبنانية أنَّ ثمّة ارتابطاً سلبياً بين الدولار الأميركي والذهب، إذ أدّى ارتفاع العملة الخضراء بنسبة 9% في العام الماضي، نتيجة زيادة الطلب عليها، إلى تصفية عقود الذهب الآجلة والفورية، فتراجع بدوره بالنسبة عينها. ويضيف "عزّز التراجع الذي طاول الاقتصاد الصيني في أوائل السنة الجارية، إلى الهبوط الحاد في البورصات العالمية، التهافت على الملاذات الآمنة، فتعزز الطلب عليه وزاد بنسبة 2.6%".
وتجتمع عوامل عدّة للتأثير إيجاباً على أسعار الذهب، كالتحفيز النقدي مثلاً الذي يعتمده حالياً كلٌّ من المصرف المركزي الأوروبي والمصرف المركزي الصيني، وتراجع أسعار النفط الذي ينشط عملية اللجوء إلى الملاذات الآمنة، لأنَّه يحضّ المستثمرين في العقود الآجلة للنفط على وضع حد لهذا الإستثمار، فضلاً عن أنَّ ارتفاع نسب الفوائد في الولايات المتحدة الأميركية وتالياً تعزيز الطلب على الدولار، يدفع أسعار المعدن الأصفر نزولاً. وفي هذا السياق، يشير بو سليمان إلى أنَّ حالات التضخم كفيلة هي أيضاً برفع أسعار الذهب، في حين أنَّ الانكماش يهبط بها.
وفي سياق آخر، تباينت توقعات اخرى لأسعار الذهب خلال العام 2016، حيث توقع المحللون في مؤسسة طومسون رويترز تراجع أسعار الذهب إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات هذا العام، مواصلة خسائر العامين الماضيين قبل أن تنتعش في 2016 بفعل تعافي الطلب في آسيا.
تخالفهم بيانات وكالة التوقع الاقتصادي والتي تفيد بانخفاض أسعار الذهب في عام 2016 إلى مستويات جديدة دون 1000 دولار للأونصة، وأن يسجل أدنى مستوى منظور عند 928 دولاراً للأونصة في نهاية عام 2017، دون أن يرتفع سعر الأونصة صوب 1000 دولار حتى عام 2020.
الحرب في سورية تنهي الذهب عامه الخامس على تراجع حاد وصل لنحو 70 بالمئة
ارتفعت أسعار المعدن الثمين في سورية بنحو 70% خلال عام 2015، إذ أنهت تعاملاتها خلال العام 2015 عند 11800 ليرة لغرام 21 قيراطاً، مقارنة مع سعره في نهاية العام 2014 6950 ليرة.
وخالف الذهب محلياً اتجاهه العالمي خلال عام 2015، إذ هبطت أسعار الذهب في السوق الفورية 9% مسجلة خسائر للعام الثالث لأسباب أهمها التوقعات بأن يرفع البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة وهو ما حدث بالفعل هذا الشهر.
ويعود سبب الارتفاع الكبير في أسعار الذهب محلياً بحسب ما نشرته صحيفة "الوطن" المحلية إلى ارتفاع سع صرف الدولار أمام الليرة السورية نحو 85.7% خلال عام 2015، وذلك في التعاملات غير النظامية، وبنسبة أقل في سعر الصرف المستخدم من جمعية الصاغة لتسعير الذهب. إذ تلجأ الجمعية لاعتماد سعر صرف وسطي للدولار بين السوقين النظامية وغير النظامية.
هذا وأظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي الصادرة أن سورية حافظت على احتياطياتها الذهبية حتى تاريخه دون تغيير، إذ يوجد لدى المصرف المركزي 25.8 طن ذهب، وهذه البيانات محدثة منذ شهرين.
السياسة تؤزم وضع الذهب في لبنان
ويمكن ارتفاع أسعار الذهب أن ينعكس إيجاباً على لبنان، خصوصاً أنَّ المصرف المركزي يضمُّ نحو 9 ملايين أونصة ذهب مكلّلة بمرسوم جمهوري لا يسمح بتسييل الذهب، وفق بو سليمان، بما يشكّل "ضمانة للبنان"، في حين أنَّ التجار قد يعانون جراء احتمال تراجع صادراتهم إلى الدول المستوردة، خصوصاً أوروبا التي قد تقلّص بعض الموديلات التي تطلبها عادة.
أخيراً، يتوقع بو سليمان أن ترواح أسعار الذهب خلال السنة الجارية بين 950 و1200 دولار نتيجة التضارب الحاصل في الأسواق العالمية، إذ إنَّ الإقتصاد الأميركي أظهر بوادر تعاف، في حين أنَّ نظيره الصيني تراجع، بما يضمن عدم سلك الأسعار مساراً انحدارياً وتالياً تحقيق التوازن في السوق.
لا ينفك لبنان يدفع ثمن الفشل السياسي المهيمن على أجوائه منذ زمن، وكأنّ الحلول لن تبرز إلى العلن قبل أن يتلاشى اقتصاده أكثر. ومن جملة القطاعات التي سقطت ضحية هذا العقم، قطاع تجارة الذهب الذي، لو كانت الأوضاع أفضل مما هي عليه اليوم، لتهافت اللبنانيون على شراء الذهب أكثر.
رئيس نقابة تجار الذهب في لبنان نعيم رزق يقول لـ"النهار" إنَّه "قبل سنة 2015 كان الدولار يُطبع من دون هوادة الأمر الذي أدى إلى هبوط قيمته، لكن بعد قرار فرض الرقابة على هذا الموضوع تعززت العملة الخضراء فتراجعت أسعار المعادن عموماً إلى أن وصلت أثمان الذهب إلى نحو 1300 دولار.
أما في العام الماضي، فوصل سعر أونصة الذهب إلى 1045 دولاراً تقريباً، وفق رزق الذي يرى أنَّ هذا التراجع كان يُفترض أن يحفز البيع لكن هذا لم يحصل نتيجة "الأجواء السياسية التي أرخت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية وقدرات المواطنين".
وعلى رغم أن الشراء تراجع 50- 60% مقارنة بالسنتين الماضيتين، يؤكّد أنَّ مبيعات الذهب غير المشغول، كالأونصة، الليرة والسبائك مثلاً ظلّت "جيدة نسبياً".