بعد أن اضطروا لمغادرة منازلهم إلى مجتمعاتٍ يجهلونها، وجد كثيرٌ من اللاجئين السوريين صعوبةً في تأمين ضروريات الحياة الأساسية، لكن مع معرفتهم الواسعة بثقافتهم ولغتهم، وجد السوريون الدعم والعمل من خلال تعليم الآخرين لغتهم الأم.
ملهم إبريق طالب ماجستير، يسعى للحصول على درجتين في هندسة الأطراف الصناعية والاتصالات التجارية بين الثقافات، بجامعتين في كل من فرنسا وسلوفينيا. ينام بين ساعتين وست ساعات يومياً، ويدرس اللغة الفرنسية بالإضافة لدراسته الجامعية. اضطر لفراق أهله وأصدقائة بسبب الأزمة في سورية.
ملهم هو واحدٌ من نحو خمسة ملايين سوري لجؤوا إلى دول أخرى بسبب الأزمة. وبعد خروجه من سورية خلال فبراير (شباط) 2015، أمضى ثمانية أشهر في تركيا، حيث يقطن حوالي مليوني لاجئ سوري.
يبلغ ملهم من العمر 27 عاماً، ويعيش حالياً في باريس، حيث يُدَرِّس اللغة العربية حول العالم خلال وقت فراغه عبر منصّة “نتكلّم” (NaTakallam)، وهي منصّة إلكترونية على الإنترنت، تصل الناطقين بالعربية بمُتعلّمي هذه اللغة، ويدُرِّس ملهم ما يتجاوز مهارات المحادثة.
يقول ملهم لموقع “The Daily Dot”: “بسبب أزمة اللاجئين الراهنة، بدأ الكثيرون يعتقدون أن السوريين مختلفون في طريقة تفكيرهم، وأنّنا متحفّظون جداً بحيث يمكن أن نتسبب بالمشكلات لجوئنا في أوروبا. لذا، أردت أن أتواصل مع أكبر عددٍ ممكن من الناس لأُريَهُم أن السوريين لا يختلفون عن الشعوب الأخرى حول العالم”.
“نتكلّم” ليست منصّةً تقليدية للتعليم عبر الإنترنت، إذ أن شركاء المحادثات ليسوا أساتذة يحملون شهاداتٍ في تعليم اللغة ويتبعون منهاجاً محدّداً، بل هم لاجؤون سوريون يجنون دخلاً صغيراً عبر التحدُّث مع أناسٍ يريدون ممارسة التحدّث باللغة العربية من خلال برنامج “سكايب” (Skype). وأحياناً، تمر أسابيع دون أن يكون لديهم اتصال جيّد بالإنترنت أو مكانٌ مناسب للسكن.
وتم تصميم هذه المنصة للطلاب الذين هم على علم باللغة العربية، أو يحضرون دروساً مكمّلة لدورات اللغة العربية عبر “نتكلّم”، حيث يتدرّبون على اللهجة الشاميّة، وهي إحدى اللهجات العربية. كما أن بعض شركاء المحادثات مستعدّون للعمل مع مبتدئين أيضاً.
وتشمل القائمة الحالية لشركاء المحادثات على “نتكلّم” بين 25 و30 شخصاً، معظمهم في لبنان، حيث يقطن أكثر من مليون لاجئٍ سوريّ. وتحالفت الشركة مع المنظمة غير الربحية “سوا للتنمية والمساعدة” والتي مقرّها في بيروت، للعثور على أفضل المدرِّبين في المنطقة، ومن ثمّ التوسّع لشمول مجتمعات لاجئين أخرى. وتتزايد أعداد مدرّسي “نتكلّم” في فرنسا وألمانيا، إضافةً لأفرادٍ في تركيا، ومصر، والبرازيل.
وتُبيّن الشريك المؤسس لـ”نتكلّم”، ألين سارة، أن المنصّة تساعدها في حل مشكلةٍ تواجهها. سارة لبنانية الأصل، وُلدت ونشأت في الولايات المتحدة. ونشأت في منزلٍ يتحدّث اللغة الفرنسية في المقام الأول، ويُهمّش اللغة العربية. وبصفتها مراسلة في لبنان، مارست سارة المحادثة بلهجةٍ عرية وأرادت أن تستمر بالتحدّث بالعربية عند عودتها إلى نيويورك، لكن وجدت أنّ الدروس والدورات باهظة الثمن.
وغالباً لا يُسمَح للسوريين بالعمل في لبنان، ويجاهدون للحصول على الفرص لإعالة أنفسهم وعائلاتهم. وعبر ربط السوريين بأفراد مستعدين لدفع المال بهدف تحسين لغتهم العربية، توفّر منصّة “نتكلّم” تبادلاً تعليمياً وثقافياً للمعلومات بتكلفة أرخص بكثير من المدرّسين الخصوصيين والدورات الجامعيّة.
وتقول سارة: “تخدم منصة نتكلّم أغراضاً مختلفة لأشخاصٍ مختلفين، وأعتقد أنها تساعد في كسر الصور النمطية وتخلق الوعي الثقافي. كما يتعلّم الطلاب من خلالها تحدّياتٍ يومية وتجارب مختلفة لم يسبق وأن يتعرضوا لها”.
يمكن للطلاب الاختيار بين 15، أو14، أو 13 دولاراً في الساعة، بناءً على عدد الدروس التي يودّون حضورها. إن النزوح والظروف الصعبة هي المعيار الوحيد للشركاء، إلا أنه عليهم أيضاً أن يكونوا قادرين على فهم الحد الأدنى من اللغة الإنجليزية وإتمام استبيانٍ للفرز.
يشير ملهم إلى أنّه غالباً ما يتعلّم أكثر مما يُدرِّس. وأصبح يلاحظ كيف تتغيّر تعبيرات الوجه استناداً إلى البلد التي يأتي منها الطالب، كما تعلّم تقاليد طلّابه وعاداتهم اليومية، وبدأ يفهم كيف تعامل الدول المختلفة الأجانب الذين يسكنون على أراضيهم.
ويقول ملهم: “عندما أتحدّث مع أناسٍ من الولايات المتحدة، أو أستراليا، أو بريطانيا، أو أي دولة على الإطلاق، أكتشف أننا جميعاً متشابهون من الداخل. الفروق في القشور فقط والسلوكيات التي نلاحظها، إلا أننا جميعاً نفكّر بطرقٍ متشابهة”.
ولأن ظروف الكثير من شركاء المحادثات غير مستقرّة، لا تسير الدروس أحياناً وفقاً للمخطط. لذا، يتبادل الطلاب والمدرسون أرقامهم على “واتس أب” بحيث ينسقون مع بعضهم في حال تعثّر على المدرّس تسجيل الدخول إلى “سكايب”.
ورغم أن البرنامج يستهدف من هم على علمٍ باللغة العربية، إلا أنّ “نتكلّم” تعتزم توفير برنامجٍ ذو هيكلٍ مدروس للمبتدئين. كما تخطط الشركة لتنفيذ مناهج عربية تقليدية وعامية من برامج اللغة العربية في “جامعة كورنيل”. وفي نهاية المطاف، سيتمكّن الطلاب من أن يصبحوا معتمدين ويحصلوا على شهادات لإتمامهم دروس اللغة العربية، ما يمكّنهم من الانتقال إلى برامج الكليات والجامعات بنصف تكلفة الجلوس في فصل دراسي تقليدي.
وحتى الآن، جرّب المنصة أكثر من 400 شخص. ويتزايد الاهتمام باللغة العربية مع تصاعد أزمة اللاجئين، وزيادة الوعي حول التحديات الي يواجهها اللاجؤون والرغبة في المساعدة.