منتصف العام 2015 تبنى مصرف HSBC البريطاني، وهو أكبر مصرف أوروبي في العالم وأكبر مصرف في أوروبا من حيث القيمة السوقية ومقره العاصمة لندن، خطة استراتيجية تشمل إعادة هيكلة طاقم موظفيه حول العالم، إضافة الى الانسحاب من عدد من الأسواق الناشئة الرئيسية.
وبالفعل، وبعد نحو 20 عاماً من التوسع الاستراتيجي في أنحاء العالم، وبعدما أصبح للمصرف البريطاني فروع في نحو 80 دولة، أعلن المصرف البريطاني "أنه سيخفض قاعدة أصوله بمقدار 290 مليار دولار وسيبيع وحداته في عدد من الدول ومنها البرازيل وتركيا وسيقلص عملياته للاستثمار المصرفي في مسعى لخفض التكاليف وتحسين أدائه الضعيف. فبحسب الارقام الرسمية، تراجعت أرباح بنك HSBC 18% في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي الى 4.3 مليارات دولار، نتيجة التقلبات الحادة للأسواق بالإضافة الى شهري كانون الثاني وشباط، خصوصاً الأسواق الآسيوية التي أثرت على أداء القطاع المصرفي. وأدت خطة إعادة الهيكلة التي اعتمدها المصرف الى الغاء آلاف الوظائف حول العالم ليصل إجمالي عدد موظفيه إلى 254 ألفاً و212 موظفاً في 71 دولة، وذلك ضمن جهود إدارة المصرف لتقليص عدد العاملين فيه وانهاء خدمات نحو 50 ألف موظف من الموظفين الدائمين بحلول 2017، أي ما يعادل تقريباً 19% من قوة العمل، لخفض النفقات بما قيمته خمسة مليارات دولار، ليرتفع عدد الوظائف التي ألغيت في المصرف منذ العام 2010 الى ما يقارب 87 الف وظيفة. واللافت ان الاستراتيجية الجديدة التي أقرها المصرف والتي تتضمن تقليص قسم العمليات المصرفية والأسواق فيه إلى أقل من ثلث ميزانيته العمومية البالغة 2.6 تريليون دولار من مستوى حالي يبلغ نحو 40 %، كما حدد HSBC مستوى مستهدفاً جديداً للعائد على السهم فوق 10 % بحلول 2017 انخفاضاً ما بين 12 و 15 % في العام 2015. وضمن الاجراءات التي قد يلجأ اليها المصرف ايضاً، إمكانية نقل مقره الرئيسي من العاصمة البرطانية لندن الى هونغ كونغ نتيجة الضرائب الكبيرة التي تفرضها السلطات المالية البريطانية على المصارف.
قضايا غسل اموال
وفضلاً عن عدم استقرار الاسواق العالمية بشكل عام، عانت ميزانية المصرف البريطاني أيضاً منذ مطلع العام 2013 من سلسلة ضغوطات، تمثلت بإبرام المصرف تسويات مع هيئات تنظمية لإنهاء قضايا "غسل أموال" حيث اتهم المصرف بالفشل في منع تحويل أموال من عصابات المخدرات المكسيكية، مما أجبر المصرف على دفع أكثر من 1.92 مليار دولار في العام 2012. كما غرمت السلطت السويسرية مصرف HSBC بما قيمته نحو 43 مليون دولار، في مزاعم بالقيام بعمليات غسيل أموال ايضاً عبر فرعه السويسري. وتعد تلك الغرامة هي الأكبر في تاريخ جنيف.
وفي سياق غير بعيد، كشفت فضيحة "أوراق بنما" أن مصرف HSBC ايضاً ضالع في عمليات نقل أموال وتهرب ضريبي ضمن الفضيحة الكبيرة التي كشفت عنها التسريبات. وبحسب البيانات التي سرّبت، المصرف خدم المقربين من بعض الانظمة العربية السابقة مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إضافة الى المقربين من الرئيس السوري بشار الاسد.
المصرف يغادر لبنان
عربياً، بالتأكيد عملية انسحاب مصرف HSBC من بعض الاسواق العالمية طالت وما زالت تطال عدداً من الاسواق العربية، حيث قرر المصرف حتى اليوم الانسحاب من ليبيا والعراق، وخفض عدد العاملين في الفروع التابعة له في المنطقة العربية عموماً، بما في ذلك فروعه في دول الخليج، كما شهدت المناصب القيادية للعاملين في المصرف البريطاني في الخليج تغيرات جذرية، سواء بإنهاء خدمات بعض كبار الموظفين لتقليص النفقات أو دمج بعض المناصب.
أما في لبنان، فقرر مصرف HSBC بالفعل مغادرة السوق المصرفية. إذ منذ العام 2011، بدأت إدارة المصرف في لندن دراسة إمكان الخروج من السوق اللبنانية حتى اتخذ القرار نتيجة عوامل عدة وعلى رأسها إعادة الهيكلة الداخلية التي شهدها المصرف بالاضافة الى تراجع الارباح التي يحققها من هذا السوق، مما دفعه لمغادرتها. ومنذ العام 2011، بدأت المفاوضات مع عدد من المصارف اللبنانية التي قد تكون متحمسة لشراء الفروع الثلاثة للمصرف الموجودة في رأس بيروت، والدورة ووسط بيروت قرب منتجع السان جورج، ويعمل فيها ما يقارب 200 موظف. والجديد في هذا الملف، تشير المعلومات شبه المؤكدة التي حصلت عليها "النهار"، الى ان التفاوض حالياً يتم بين إدارة HSBC في بريطانيا ومصرفين لبنانيين من فئة الفا، وهما بنك بيبلوس وبنك لبنان والمهجر، وهنا تؤكد مصادر متابعة لهذه الصفقة ان الكفة تميل نحو لبنان والمهجر، على ان يعلن على صفقة البيع النهائية في الاسابيع القليلة المقبلة بعد الحصول على موافقة مصرف لبنان والانتهاء من التفاوض مع الموظفين لضمان حقوقهم اضافة الى التفاوض على بنود البروتوكول الذي سيبحث مع هؤلاء الموظفين. مع الاشارة الى أن عملية بيع المصرف في لبنان تقتصر على محفظته اللبنانية وفروعه (أصول وعقارات) لكون المصرف ليس لبنانياً، وهذا الامر يختلف تماماً عن العملية التي تمت أخيراً بين مصرف فرعون وشيحا لمصلحة بنك بيبلوس، لكون المصرف الذي بيع هو مصرف لبناني.
المصدر: صحفية النهار اللبنانية