أصبحت تكاليف سعر المتر على الهيكل بحدود 40000 ل.س ووصل سعر إكساء المتر متوسط الجودة إلى ما يقارب 100000 ليرة سورية فالأسعار تضاعفت بحدود 1000% عن الأسعار القديمة!
وفي نظرة سريعة على واقع قطاع التشييد والبناء، وسبر الأسعار التي تتداخل العديد من الأسباب في ارتفاعها، والنتيجة ارتفاع جنوني وغير مسبوق في سوق العقارات، حتى وصل سعر المتر الواحد في تنظيم كفرسوسة، مثلاً، إلى مليون ليرة سورية، فما الذي يحصل في هذه السوق؟! ومن يراقب أعمالها التجارية والتسعيرية؟!.
فوضى الغلاء
وصلت إلى مستويات قياسية، بهذه العبارة بدأ أبو الوليد، (متعهد)، كلماته العاجلة للرد على سؤالنا المتعلق بمواد البناء بعد أن انتهى من توقيع عقد مشروع بناء جديد، وللصدفة كنا شهوداً على هذا العقد الذي التزم من خلاله بدفع حوالي 10 ملايين لصاحب الأرض، وبعدد من الشروط الخاصة بالإكساء مقابل نصف البناء الذي سيتم تشييده!.
وطبعاً كانت تساؤلاتنا حول الأرباح والكلف تجبر أصابع أبي الوليد على ملامسة أزرار الآلة الحاسبة لمرات عديدة ليقدم لنا جردة حساب عن التكاليف التي يتكبدها المتعهد كمادة الحديد التي يصل سعر الطن الواحد إلى 300 ألف ليرة سورية، وفي فترات سابقة وصل إلى 400 ألف، وكذلك بالنسبة لمواد البحص والرمل وغيرها التي نالت نصيبها من الارتفاع بعد غلاء مادة المازوت في الفترة الأخيرة، وتبقى الأسعار متفاوتة بين سوق وآخر، وبين منطقة ومنطقة، ولكن طلاقة لسان أبي الوليد التي كانت تتكلم عن التكاليف خانته عند سؤالنا عن الأرباح، حيث بدأ يتلعثم محاولاً إخفاء الأرقام الحقيقية، وعندما واجهناه بنسبة أرباح المتعهدين التي تصل إلى 300 و400%، أنهى الحديث بعبارة: “الحمد لله، بس الرقم مبالغ فيه”، دون أن يبيّن حقيقة الأرقام!.
هموم ومنغصات
بعد هذه الجلسة النابضة بالملايين، توجهنا إلى مركز لبيع مواد البناء وصناعة البلوك، حيث كان أصحابها يغطون في نوم عميق عندما دخلنا، ، وضعف التسويق بشكل أدى إلى جمود تجاوزت نسبته 75% من إجمالي الإنتاج، وبالتالي تسبب في تجميد كتل مالية ضخمة، وقلل الأرباح نسبة للفترة الزمنية التي يتم فيها البيع بسبب تصاعد أسعار المواد الأولية بشكل كبير، حتى تجاوز منذ بداية الأزمة إلى يومنا الحالي بحدود الخمسة أضعاف، ما رفع بالتالي أجور اليد العاملة بالنسبة نفسها تقريباً، ليتمكن العمال والحرفيون من مجاراة الغلاء الموجود!.
وأشار ناهي المكاكي إلى أن سعر طن الاسمنت في السوق اليوم هو 30000 ليرة سورية، وارتفع سعر البلوكة بمختلف القياسات ليتراوح ما بين 115– 120 ل.س من النوع الجيد، وبالنسبة لنقل الرمل والبحص، فقد وصل سعر المتر إلى 6500 ليرة سورية للزبون، وللمركز 5000 ل.س، وهنا كرر عبارته أكثر من مرة: “أرباحنا بسيطة ولا تتجاوز 1500 ل.س في المتر”، وبالنسبة للاسمنت فسعر الطن حوالي 42.500 في أرض المركز، وللزبون بـ 47 ألف ل.س، وأعاد المكاكي ارتفاع أسعار مواد البناء إلى غلاء المحروقات، والنقل، واليد العاملة، مستشهداً برأي العمال الموجودين، فقد أكد العامل سمير نعيم على كلامه بقوله: “أجرة العامل تتراوح ما بين 5و6 آلاف ليرة سورية، وبالكاد تكون كافية لكي يتمكن من العيش في هذا الزمن الصعب، ونحن نعمل من مشرق الشمس إلى مغيبها للحصول على هذه الأجرة”!.
وللأسف فشلت اتصالاتنا مع أصحاب الكسارات الذين كانوا يتهربون ويدعون أنهم عمال فقط بمجرد معرفتهم لهويتنا الصحفية، ولكن هذا الفشل قابله نجاح مقبول في إمكانية الحصول على معلومات عن سعر المتر في الكسارات من بعض سائقي الشاحنات الذين كانوا يخافون من قطع أرزاقهم في حال التصريح لنا، ولكن بعضهم غامر بحذر ليكشف لنا أن سعر المتر في الكسارة يتراوح ما بين 900 و1200 للمتر الواحد، وتضاف إليه أجور النقل والحواجز التي باتت من أسباب ارتفاع التكاليف، وغلاء مواد البناء!.
حسب المواصفات
في منشأة أخرى لصناعة البلاط وبيع مواد البناء قدمنا أنفسنا على أننا زبائن نريد شراء بعض المواد، وذلك لإزاحة احتمال إخفاء حقيقة الأسعار، فقد تكون الأسعار التي يصرحون بها للصحافة غير حقيقية، ولكن يبدو أن فطنة صاحب هذه المنشأة وخبرته الطويلة في السوق وفي التعامل مع الناس كانت أسرع من محاولتنا، ورغم ذلك لم يتردد منصور كرامي صاحب معمل بلاط على التأكيد على تجاوز سعر المتر المربع من البلاط قياس 30سم مبلغ 2500ليرة سورية، ويزداد السعر بحسب مواصفات البحص والنقشة الموجودة واللون، وارتفع سعر الرخام والحجر أيضاً كما زاد سعر التركيب، وأصبح وسطي تكلفة متر البلاط العادي مع الأجور بحدود 3500 ليرة سورية، وهو ما أثر على هذه السوق، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، حسب ماقاله نوفل حمود، وهو بلاط شاركنا الحديث مع كرامي والذي يؤكد على أن ارتفاع الأسعار دفعهم إلى رفع أجورهم أيضاً، ليتمكنوا من مواكبة ارتفاع الأسعار في كل مناحي الحياة، ولكن هذا الارتفاع لم يفدهم، بل أثر عليهم سلباً نظراً لتوقفهم لفترات طويلة واقتصار عملهم على بعض الأعمال الترميمية والإنشائية البسيطة، وزاد بالتالي من بطالتهم وانتقال عدد كبير من العاملين في هذا القطاع إلى أعمال أخرى، يؤكد على هذا الكلام يامن الصباغ، وهو معلم صحية، حيث يشير إلى نفس المعاناة في استلام الورشات وتسليمها وارتفاع الأسعار وعدم الثبات في سوق العمل.
أما راتب السيوفي صاحب منشأة للحديد المبروم، فقد أشار إلى تجاوز سعر طن الحديد المبروم المستخدم في البناء لعتبة 295 ألف ليرة سورية، ما شكل عبئاً إضافياً على المنشآت في حالة الكساد، والتي أفرزتها حالة الجنون العقارية غير المبررة التي تعيشها سورية والتناقض الغريب بين عدد المساكن الفارغة المشيدة، إن كان بشكل كامل أو على الهيكل، وبين عدد العائلات التي لا تجد مأوى يقيها برد الشتاء وحر الصيف، وخصوصاً بعد تركزها في المناطق الآمنة.
أرقام فلكية
كعادته تجاوب الدكتور عمار يوسف مع اتصالنا للسؤال عن واقع سوق مواد البناء، وكان حريصاً على وضع النقاط على الحروف في هذا القطاع وبيان الأسباب الحقيقية وراء هذه الفورة السعرية.
والتي وصلت برأيه إلى أرقام فلكية نسبة إلى ما قبل الحرب في سورية، فقد تضاعفت بحدود 1000 بالمائة عن الأسعار القديمة، فأصبحت تكاليف سعر المتر على الهيكل تصل إلى حدود 40000 ل.س، فيما كان قبل الحرب بحدود 4000ل.س، وكذلك وصل سعر إكساء المتر المتوسط الجودة إلى ما يقارب 100000 ليرة سورية.
وأعاد أسباب ارتفاع الأسعار إلى عوامل متعددة، في مقدمتها ارتفاع أسعار القطع الأجنبي إلى مستويات غير مسبوقة، كون غالبية مواد البناء تعتمد على مواد مستوردة من الخارج، وارتفاع أجور اليد العاملة في مجال البناء، في ظل انخفاض مستوى المعيشة وهجرة العدد الأكبر من العاملين في مجال البناء إلى خارج سورية، نتيجة الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة، وغياب أي إجراء من قبل الحكومة لدعم هذا القطاع، والعقوبات الاقتصادية الخارجية التي تضيق على المواطنين السوريين سبل العيش بشكل عام، والمضاربات التي يقوم بها تجار الأزمة، وخاصة مافيا العقارات في سورية على حساب المواطنين السوريين، إضافة إلى مجموعة أخرى من الأسباب، بعضها واضح والبعض الآخر عبارة عن منعكس من منعكسات الحرب في سورية، والحالة النفسية والمعيشية والاقتصادية التي يمر فيها المواطن السوري.
عدم التناسب
وكان للدكتور يوسف وجهة نظر في مدى تناسب ارتفاع أسعار العقارات مع الكلفة، كاشفاً أن سعر العقار غير مرتبط بتكاليف مواد البناء، وأن منعكس ارتفاع أسعار المواد مهما بلغت على سعر العقار مهملة ضمن حساب الأسعار، والسعر العالي للعقار مرجعه إلى منطقة العقار، فنلاحظ أن العقار في مناطق المخالفات يباع بأسعار زهيدة نسبة إلى أسعار العقار في مناطق دمشق الراقية، كحي أبو رمانة والمالكي، مع أن مواد البناء هي نفسها في كلا المنطقتين، لكن سعر العقار يتضاعف حتى 500 خمسمئة ضعف، وهنا نعود إلى المشكلة الأزلية للعقار في سورية، وهي ارتفاع سعر هذا العقار نسبة لدخل المواطن السوري، ونرى أن السبب الأساسي لهذا الارتفاع هو عدم وجود الأراضي الصالحة للبناء والتي لم تقم أي حكومة في سورية، وعلى مدى خمسين عاماً بطرح هذه العقارات لتساهم في تخفيض سعر العقار بشكل عام، ولا يمكن بأي حال من الأحوال معالجة مشكلة ارتفاع أسعار العقار، خاصة في الوقت الراهن بعد ما حصل من دمار غير مسبوق في البنية العقارية السورية …إلا من خلال إيجاد منظومة جديدة للمعالجة العقارية، وتتمثل بإحداث هيئة عليا لإعادة الإعمار تابعة لرئاسة الجمهورية حصراً، تقوم بمعالجة الحالة العقارية المتردية، سواء نتيجة دمار الحرب في سورية، أو لجهة تأمين السكن للمواطن، ويأتي في أولوية تأمين السكن عوائل الشهداء، وعناصر الجيش العربي السوري، إضافة للمهجرين من المواطنين الذين دمرت منازلهم، وتأتي تبعية هذه الهيئة لرئاسة الجمهورية لتحقيق أمرين:
أولهما.. السرعة في الإنجاز، من خلال تأمين البيئة القانونية والإدارية اللازمة لمثل هذا المشروع في ظل هذه الظروف.
وثانيهما.. تأمين الأراضي اللازمة للقيام بهذه المشاريع، بعيداً عن الفساد الإداري، وتحكم تجار البناء ومافيا العقار برقاب المواطنين لتحقيق مصالحهم الشخصية.
في المحصلة
ارتفاع الأسعار بشكل جنوني جعل من حلم امتلاك الشقة هدفاً صعباً، بل مستحيلاً أمام ذوي الدخل المحدود، فأزمة ارتفاع أسعار مواد البناء زادت من فاتورة التكاليف، وكانت لها تداعيات على السوق العقارية التي تضاعفت أسعارها مرات عديدة لتواكب حالة الفوضى السعرية الموجودة في جميع الأسواق.. فهل في جعبة الجهات المعنية المزيد من الحلول، أم أن الأسعار في قطاع البناء والتشييد دخلت مرحلة المرض العضال، وباتت من المؤشرات الأساسية في البورصة العقارية التي يتشارك في إدارة سوقها المتعهدون و………؟!.
المصدر: صحيفة البعث المحلية