بعد انفراج دام عدة أيام، وهي فترة ما تسمى شنططة الحصول على البطاقة، وبهدلة الانتظار على الدور الذي نظمته الشركة المتعاقد معها والتي استبشر بها المواطنون خيراً، ..
علها تنهي صورة المشهد، ها هو يعود اليوم بقوة، ويطرح العديد من التساؤلات، أهمها إلى متى سيبقى المواطن حقل تجارب لأفكار مسؤولين غابت عنهم حقيقة الواقع أو غيّبوه لغاية في نفس يعقوب،
وهل نقص الكميات الواردة للمحافظة هي السبب أو تحريك بوصلة الحل باتجاه خاطئ، وهل هناك أيادٍ تعمل في الخفاء لإبقاء الحال على وضعه لجهة انتعاش السوق السوداء.
بطاقة ذكية وشيفرة سرية
بعد فشل تجربة القسائم أو فضيحتها، إن صح التعبير والتي لم تنكشف ملابساتها، ويبدو أنها لن تنكشف، وذهبت ضحية التغيرات الأخيرة، وباتت في أدراج المفتشيين الذين طال انتظار تقريرهم التفتيشي والذي من المفترض أن يكشف تفاصيل الجريمة كاملة.
طبعاً هنا لا نتحدث عن جريمة قتل إنسان لأخيه الإنسان، بل جريمة قتل الأخلاق والقيم عند المتورطين في هذه الفضيحة، وهم في الغالب من أصحاب القرار في المحافظة وما فوقها من تسلسل هرمي مترابط في اتخاذ مثل هذا النوع من قرارات السرقة لجهة العمل التكتيكي سواء بحماية الظهر أو التغطية القانونية،
وبعيداً عن القسائم وحديثها الذي بات من الذكريات المؤلمة عند أبناء المحافظة باستثناء قلة قليلة هي المستفيدة من تلك اللعبة التي يصفها كثيرون بأنها كانت قذرة، أنعم علينا مسؤولونا بمبادرة أخرى أخذت في سجلات المبادرين لاحقاً اسم البطاقة الذكية،
وهي بطاقة تحمل كميات شهرية من البنزين، حسب قدرة محرك السيارة لضمان عدالة التوزيع، وهي محسوبة بدقة متناهية، حسب ما يقوله مسؤولونا، ولكن خلال الشهر الأول من التنفيذ، تبيّن غباء البطاقة وذكاء أصحاب المحطات
شيفرة سرية
والأرقام تقول:
إنه تم توزيع نحو 3،8 ملايين لتر، وزعت خلال عشرين يوماً، وزع منها على البطاقة الذكية نحو 3،4 ملايين لتر، أما الباقي والذي يصل الى نحو أربعمئة ألف لتر لم يدخل في حسابات البطاقة.
حاميها حراميها
ضبط سيارة محملة بنحو 1300 لتر من مادة البنزين متجهة نحو الريف الشرقي للسويداء إلى البادية.
خبر شكّل نقطة هامة سواء لجهة إيصال المادة، وهي المرة الأولى، حيث كانت معظم المواد المهربة تتجه غرباً أو لجهة القائمين على عملية التهريب، وهما الشرطيان ر.أ.م – وأ.م،
والمشكلة الأهم التي تصادف مثل هذا النوع من الحالات وجود من يدعم ويحمي تلك العناصر، في حال تم ضبط إحدى تلك الحمولات، فغالباً ما يخرج الحاملون والمرافقرن لها مثل (الشعرة من العجينة).
طبعاً هنا تبرز مشكلة أكثر أهمية وهي التكاليف التي تمنحها التجارة الداخلية ولجنة المحروقات لبعض الجهات بتعبئة البنزين دون وجود البطاقة الذكية، وهذه التكاليف تجاوزت كمياتها مئة ألف لتر في إحدى المحطات.
شيفرة سرية وسوق سوداء
أحد المواطنين فضّل عدم الكشف عن اسمه، فبيّن أن صاحب إحدى المحطات دفع له 18 ألف ليرة شهرياً ثمناً لبطاقته الذكية.
مواطن آخر بيّن أنه من أحد البازارات التي تتم أن يطلب موظف الشركة المسؤولة عن قطع الكميات المراد تعبئتها من الشخص قطع كميات إضافية عن المطلوبة من قبل صاحب البطاقة بحيث يكون الباقي لصالح صاحب المحطة أفضل من أن تعود للدولة على حد تعبيره.
إذاً الحالة ترشدنا إلى وجود صفقات عقدت بين أصحاب المحطات والموظفين التابعين لشركة تكامل، طبعاً هنا لا نعمم القضية، ولكن يبدو أنها تشمل عدد كبير من المحطات،
وهذا بطبيعة الحال سيزيد من زحف الأسواق السوداء الآخذة بالتزايد، ولاسيما في قرى المحافظة الشمالية والشرقية، وهذه الأسواق مردها وحسبما ذكر مهتمون بهذا الشأن إلى قيام عدد من أصحاب السيارات العاملة على البنزين بالتوجه إلى محطات المحروقات لاستجرار هذه المادة عبر الخزانات الكائنة في سياراتهم والمعدة لهذا الغرض، وتالياً بيع اللتر الواحد من مادة البنزين بـ 400 ل.س ليصل ثمن صفيحة البنزين إلى 8000 ل.س،
والمتتبع لعمل هؤلاء سيلحظ أن بيوتهم قد تحوّلت إلى محطات وقود متنقلة لتباع هذه المادة إلى أناس مجهولين ومعروفين حتى باتت هذه التجارة الربحية وغير الشرعية بالنسبة لهم بمنزلة /الدجاجة البياضة/، والمثير للاستغراب أن معظم القرى الحدودية للمحافظة أصبحت مراكز للسوق السوداء.
"مديرية التجارة الداخلية"، قالت: من غير الممكن ضبط هذه التجارة غير المشروعة لكون معظمها يتم ضمن القرى البعيدة عن مركز المدينة، ومعظم هؤلاء ينقلون المادة ضمن خزانات سياراتهم،
وهذا غير مخالف للأنظمة والقوانين، ومن يقوم بشراء هذه المادة بسعر 400 ل.س للتر الواحد لا يمكن له أن يتقدّم بشكوى إلينا لكونه هو من يسعى لشرائها مهما كان سعرها،
وبيّن مديرها أن حاجة المحافظة بناء على البطاقات الممنوحة 6 ملايين لتر شهرياً يصل منها 4 ملايين لتر، وهذا هو السبب الرئيسي لحالة الازدحام.
أما عودة أزمة البنزين يختصرها المهندس طيفور مدير فرع المحروقات بالاتجار غير مشروع بالمادة بمطابقة عدد السيارات التي حصلت على البطاقة والتي وصل عددها إلى 50 ألف بطاقة، تحتاج إلى كمية 250 ألف لتر يومياً إذا استجر المواطنون كامل مخصصاتهم،
وبالتالي نحتاج إلى طلبين إضافيين يومياً، ولكن السبب الرئيسي حسب طيفور، ليس نقص الكميات بقدر ما هو التلاعب من قبل أصحاب المحطات.
تحركات على الضرورة
تصريحات شركة محروقات أشادت بتجربة البطاقة الذكية والتي حققت وفراً بنحو 25% . طبعاً المشهد الموجود لا يوحي بوجود أي وفر، فالكميات هي ذاتها، وهناك مطالب بزيادتها،
والمعادلة الأعقد أنه عندما كان عدد السيارات، حسب الطبعة الأولى من القسائم 80 ألفاً، كانت الحاجة 12 طلب بنزين يومياً، وحسب الطبعة الثانية وصل عدد الآليات العاملة على البنزين نحو 60 ألفاً بقيت الحاجة نفسها، واليوم عدد الآليات قلصه ذكاء البطاقة إلى 50 ألفاً، إلّا أن الكميات المطلوبة بقيت ذاتها.
في جولة على إحدى المحطات سألنا المواطنين هناك عن الكميات التي يستهلكونها شهرياً ، فقال ضياء: إنه لا يستهلك الكمية المخصصة له لعدة أسباب،
أهمها غلاء المادة الذي خفف من استهلاكه كثيراً بعد رفع سعر المادة الأخير، واقتصرت تحركاته على الضروريات، ويشاطره الرأي أبو يوسف، وهو سائق تكسي الذي بيّن أن حركة العمل قليلة جداً، فكل شيء غال، أجور النقل باتت مكلفة، وبالتالي العمل خفيف.
موظف على إحدى محطات الوقود فضّل عدم ذكر اسمه، بيّن أن نسبة كبيرة من السيارات لا تستهلك كامل مخصصاتها، ومنهم من يقوم بإعطاء الباقي لصاحب المحطة سواء بيعاً أو مجاناً، ومنهم من يعطي مخصصاته لسيارة أخرى. الحالتان موجودتان يومياً، وهذا دليل أن النسبة العظمى من أصحاب السيارات لا تستهلك كامل مخصصاتها.
شيفرة سرية
ما الحل؟
مشكلة البنزين والتي حوّلت السويداء إلى حقل تجارب، كما يقول كثيرون، تحتاج إلى حل مكون من نقاط، طبعاً قد لا يعجب الكلام بعض المطالبين بالزيادة، ولكن طالما أن إمكانية الزيادة غير ممكنة حكومياً،
فلا بد من تحديد مخصصات السيارات بناء على الكميات التي توفرها "وزارة النفط" وبشكل شهري وبشكل دقيق، وكذلك تحديد الكميات التي يجب تعبئتها أسبوعياً بحيث لا تزيد عن 25 لتراً للسيارات الخاصة مهما كان نوعها وسعة محركها و60 لتراً للسيارات العامة أيضاً مهما كان نوعها وسعة محركها،
والنقطة الثانية والأهم التزام كل أبناء المحافظة من مواطنيها ومسؤوليها ومن لجانها الشعبية وعناصرها الأمنية ووافديها بالبطاقة الذكية ومنع التكاليف منعاً باتاً، كونه أحد مسببات المشكلة،
وجعل عملية مراقبة حركة محطات الوقود عبر البرنامج الذي وفرته شركة تكامل موجود عند أكثر من جهة وعدم حصره بجهة واحدة، وأن تكون هناك عمليات متابعة دقيقة،
فالبرنامج يوفر فرصة كشف الكثير من حالات التلاعب التي تظهر، ومثال ذلك سيارة تقوم بتعبئة 100 لتر دفعة واحدة، يعني هناك تلاعب وسيارة تقوم بالتعبئة خلال فترة قصيرة من عدة محطات، هناك عمليات تهريب، وتبقى النقطة الأهم، وهي تشديد العقوبات على أصحاب المحطات المخالفة طالما لجنة المحروقات مخولة باتخاذ العقوبة التي تراها مناسبة،
وباعتبار أن أرباح أصحاب المحطات الشهرية تعادل أرباحهم المتوقعة عند دراسة إقامة مثل هذا المشروع لمدة عشرة أعوام على الأقل، فيجب إغلاق أي محطة يثبت تهريبها أو تلاعبها بلتر واحد بمادة البنزين ووضعها تحت تصرف الدولة لمدة عام على الأقل مع غرامة مالية تصل لمليون ليرة،
وتطبيق مثل هذه العقوبة على محطة واحدة كفيل بإنهاء المشكلة، فلا أصحاب المحطات قادرون على تحملها، ولا من يقف خلفهم قادر على مشاركتهم عمليات الدفع، فعقد الشراكة بينهم على الربح لا على الخسارة، هكذا يعملون.
“جريدة البعث”