اشارت مصدر مطلع فضل عدم ذكر أسمه، حول سرّ هيمنة سوق الهال وتفرده بتحديد أسعار الخضار والفواكه كيفما شاء رموزه وحيتانه، تبين لنا أن ما خفي كان أخطر، أن الدولة حاولت منذ سنوات إنشاء مركز تسويقي بجانب سوق الهال في دمشق، ومنافسا له بهدف ضبط الأسعار بشكل مناسب وإلزام سوق الهال بسعر مقارب يلائم المواطن، لكن كبار التجار حالوا دون إنجاز هذا المشروع، خشية ضياع المليارات التي يتقاضونها يوميا، وأشار المصدر إلى أنهم دفعوا مئات الملايين من الليرات لشراء ضعاف النفوس لإخماد المشروع.
وكذلك الأمر في طرطوس، حيث أكد المصدر أن تجار سوق الهال هناك أغلقوا ذات مرة الطريق المؤدي إلى السوق بالشاحنات للحيلولة دون الوصول إلى المركز التسويقي المنافس له، مشيراً إلى أن تجار سوق الهال أقوياء مادياً، وليس من الصعوبة عليهم القيام بهذه التصرفات.
إذ بات سعر الصرف هو الشماعة التي يعلق عليها تمرد أسعار المواد والسلع لاسيما الزراعية منها، والمرتبط ازدهارها وانتعاش أسواقها بالمتغيرات المناخية بالدرجة الأولى، وبمدى عدم تعرضها للأمراض والأوبئة واهتمام الفلاح بمحصوله بالدرجة الثانية.
لكن هناك قوانين أمر وأدهى تحاك وراء كواليس أسواق الهال، تلعب دوراً ليس بالقيل لتحديد أسعار المنتجات الزراعية دون مراعاة وضع الفلاح المورد لهذه الأسواق، والذي غالباً ما يكون ضحية ما يسمى – تجاوزا – بتجار سوق الهال، لأن كثيرين منهم في حقيقة الأمر مجرد سماسرة محترفين بوضع حسابات من نوع خاص يفبركونها ويبرمجونها حسب مصالحهم الخاصة ووفقا لمزاجياتهم التي تحقق لهم عالي المردود، معتمدين على مبادئ متعارف عليها تم وضعها فيما بينهم فقط - على اعتبار أنهم الطرف الأقوى - دون إشراك الفلاح كطرف آخر، علماً أنه هو الحلقة الأقوى عمليا كون انتفاء عمل الفلاح ينفي عملهم.
ربح وربح..!.
ولدى خوض في ثنايا سوق الهال بدمشق للوقوف على خفايا السوق، وما ينتابه من ملابسات أفضت لتكريس قاعدة "إن التجارة ربح وربح فقط.."، تبين أن ثمة أعراف ومبادئ ضلالية خطّها رموز السوق وحيتانه تضمن لهم وبشكل مستمر الربح الكثير، دونما تأثر بمعطيات الواقع الاقتصادي من تذبذب سعر الصرف، واختلال مبدأ العرض والطلب، وارتفاع أو انخفاض أجور النقل...الخ. وهنا يجمع معظم الفلاحين الموردين إلى السوق أن تجار السوق يحددون نسبة العمولة "السمسرة" بشكل ثابت في كل مواسم السنة بـ 6 % من قيمة المحصول المورد بالنسبة لبائعي نصف الجملة، و7% لبائعي الجملة، بغض النظر عن نوعية المنتج أو كميته أو حتى مدى استفادة الفلاح منه.
ليس هذا وحسب بل يقوم السماسرة أيضاً بخصم 1.5 كغ من كل صندوق كرتوني مهما كان نوع المنتج المعبأ فيه، بحجة أن هذا الخصم هو عن وزن الصندوق، علما أنه أقل من ذلك، إضافة إلى خصم ما نسبته 3% من وزن المنتجات المعبأة بصناديق مصنوعة من مادة الفليين لنفس السبب. كما أن السماسرة يجبرون الفلاح على التنازل عن 200 كغ مجاناً عند توريده حمولة تزن 3 طن، إضافة إلى التنازل عن 150 كغ بنصف القيمة من النفس الحمولة الموردة، وإذا كان وزن الحمولة 7 طن يصبح العطاء الإجباري 500 كغ، و كمية المبيع بنصف القيمة 200 كغ.
عرف قانوني
معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب أكد في تصريح خاص أن العرف القانوني يسمح بأن يتقاضى تاجر الجملة عمولة 7% فقط، وما عدا ذلك فهو غير قانوني على الإطلاق، مشيراً إلى الوزارة تسيير دوريات في السوق لمراقبة وضبط التجاوزات، وتتغير هذه الدوريات بين فترة وأخرى. وبين شعيب أن الوزارة تراقب أسعار الخضار والفواكه الموردة إلى السوق لمعرفة سعر كل صنف (الأول – الثاني – الثالث)، ليصار بالتالي إلى تحديد أسعار المفرق لهذه الأصناف من قبل لجنة مختصة في السوق التي ترفع بدورها الأسعار إلى مديرية التجارة الداخلية.
فيحاء الشام..!.
كلام هذا المصدر ربما يثير للوهلة الأولى كثير من الاستغراب والاستهجان وأحيانا التشكيك بصحته، لكن حديث أحد المفاصل التنفيذية لـ"صاحبة الجلالة" يبدد بشكل كبير هذه الشكوك عندما قال: هناك ومنذ سبع سنوات تقريبا شركة جاهزة اسمها "فيحاء الشام" تم تجهيزها بالآلات المناسبة، واختصاص هذه الشركة هو فرز الفواكه والخضار وتوضيبها لتكون صالحة للتصدير وبنفس الوقت للاستهلاك المحلي، ولكنها إلى الآن لم تبدأ عملها، مبيناً أنها شركة مساهمة خاصة تساهم فيها غرف التجارة والزراعة واتحاد الفلاحين، وهي الآن موجودة وآلاتها جاهزة وفيها مجلس إدارة، ولكنها غير قادرة على الإنتاج..!. مؤكداً أن هذه الشركة من شأنها أن تضع حدا لتمرد سوق الهال في حال عملها، لكن تجار السوق لا يريدون لها أن تبدأ بالعمل حتى لا يتوازن السوق ويتأثر بالتالي عملهم.
ولدى التقصي حول شركة فيحاء الشام رشحت معلومة مقتضبة أكدها مفصل تنفيذي في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مفادها أن رئيس مجلس الوزراء عماد خميس أعطى الاتحاد العام للفلاحين مهلة زمنية لا تتجاوز الشهر لدى لقائه أعضاء الاتحاد بتفعيل هذه الشركة وإلا سيتم مصادرتها، وأشار خميس وقتها إلى أن تكلفة إنشاء هذه الشركة 100 مليون ليرة سورية وفق سعر صرف 50 ليرة ..!.
رأي تجار السوق
في المقابل ورغم النظرة السائدة عن تجار سوق الهال التي تؤكد أنهم بعيدون كلياً عن الخسارة كونهم يعرفون كيفية تحصيل الأرباح بطرق مشروعة وغير مشروعة حسب بعض المراقبين، إلا أن التجار الذين التقينا بعضهم نفوا ذلك جملةً وتفصيلاً، معتبرين أنهم يدعمون الفلاح عبر تمويلهم له بلا فوائد على أمل أن يصرف بضاعته في محالهم، مؤكدين أن ذلك ليس شرطاً قطعياً على الفلاح، فبإمكانه تصريف البضاعة أينما كان على أن يسدد ما اقترضه منهم، ولولا السوق لما استطاع المزارعون تصريف منتجاتهم.
بل وطالب تجار السوق اتحاد المصدرين أن يدعمهم أسوة بنظرائهم في الدول المجاورة، حيث يدعم التاجر اللبناني بنسبة 75% من قيمة بضاعته المصدرة، ويصل دعم التاجر المصري إلى 2000 دولار عن كل حمولة، بينما التاجر السوري يدفع لاتحاد المصدرين 1300 ليرة سورية على كل بيان تصدير، ناهيك عن خساراتهم الفادحة التي تصل إلى 15 ألف دولار عندما يتم ردّ حمولاتهم من الدول المستوردة لها، كما حصل معهم عندما ردت السعودية عدد من شحنات البندورة منذ نحو ستة سنوات..!.
من الآخر
يبدو أن حلقات السلسة التجارية تحتاج إلى إعادة نظر بالمجمل بدءاً من الفلاح، مروراً بتاجر الجملة، ومن ثم تاجر المفرق، وانتهاءً بالمستهلك الذي يعتبر الأضعف بينها، فلكل منها همومه ومشاكله، لكن في المحصلة لكل منها نصيب من الربح ولو كان بسيطاً باستثناء المستهلك الذي يدفع ثمن تجاوزات غيره من الحلقات المذكورة، ويبقى الدور الأكبر لجهات المعنية وخاصة وزارة التجارة الداخلية وحماية، إضافة إلى هيئة المنافسة ومنع الاحتكار، المعنيتان بضبط إيقاع هذه الحلقات وتوازنها وتصحيح مسارها.
المصدر: صاحبة الجلالة