حالة قلق شديدة تنتاب الأسرة السورية مع بداية موسم المدارس في كل عام سببها الارتفاع الجنوني في أسعار مستلزمات المدرسية من الكتب والقرطاسية والزي المدرسي الذي أصبح يرهق كاهل كل بيت نظراً لميزانيته المادية المتواضعة
أسواق دمشق وريفها شهدت استعداداً لـ(موسم المدارس) وفق المصطلح التجاري، ولكنها أيضاً قابلت المستهلك بأسعار مخيفة ومتضاعفة عن السنوات الماضية، فقد ارتفعت أكثر من 30% أسعار بعض المستلزمات مثل الدفاتر والأقلام، وتصل النسبة إلى 35% للألبسة والأحذية والحقائب المدرسية، بحسب جولة أجريناها على أسواق دمشق.
ذوو الدخل المحدود وحتى أصحاب الدخل المرتفع باتوا يشكون من ارتفاع الأسعار بشكل عام، ولكن يبقى ذوو الدخل المحدود والعاطلون عن العمل هم الأكثر تأثراً، فالأسرة التي لديها أربعة طلاب في المدارس تحتاج لتجهيزهم مدرسياً إلى أكثر من 40 ألف ليرة كحد وسطي، أي إلى راتب ونصف الراتب للشخص الموظف، وهو رقم صعب جداً على العاطل عن العمل.
أسعار مستلزمات المدارس في الأسواق
وتبين بعد الوقوف على أسعار مستلزمات المدارس أن أسواق دمشق وريفها رفعت أسعار مستلزمات المدارس وترافق ذلك أيضاً بغياب العروض على الملابس والقرطاسية، فسعر لباس المدارس الابتدائية بلغ 1500 ليرة، في حين كانت أسعارها العام الماضي لا تتجاوز 1000 ليرة، وسعر البدلة المدرسية بلغ 1500 ليرة وهناك بـ 1000 ليرة ولكن ذات نوعية قماشية مختلفة، هذا بالنسبة لملابس الصفوف الابتدائية وأصبح الفولار بـ150 ليرة، أما بالنسبة للإعدادي فأصبحت البدلة المدرسية بأكثر من 6 آلاف ليرة وفق الكثير من البائعين، وأصبح الحذاء يتراوح ما بين 1500-2000 ليرة بالنسبة لطلاب الابتدائي.
و أما بالنسبة للقرطاسية فأصبح القلم الحبر العادي يتراوح سعره ما بين 50 -100 ليرة وهو الذي كان بـ5-10 ليرات حتى قلم الرصاص أصبح بـ50 ليرة والمبراة أصبحت بـ40 ليرة وكانت بـ5 ليرات وأصبح سعر الممحاة ـ40 ليرة أيضاً، مع وجود فوارق بين بائع وأخر في الأسعار الأمر الذي يؤكد وجود مزاجية في التسعير. أما الدفاتر فقد أصبح سعر الورقة الواحدة أكثر من ليرة واحدة، أي أن دفتراً حجمه مئة ورقة سعره 150 ليرة وهكذا، في حين كان سعره لا يتجاوز 30 ليرة.
لهذه الأسباب
والتقينا ببعض تجار المفرق فأكد أغلبهم أن ارتفاع أسعار مستلزمات المدارس عائد بالدرجة الأولى إلى الظروف الراهنة التي تمر على سورية، وانعكاس ذلك على جميع السلع والخدمات.
وأشاروا أيضاً أن الأسعار يحددها تاجر الجملة والمصنع، في حين يضع تاجر المفرق هامش ربح لا يزيد عن 25% على السلعة، فمثلاً سعر حقيبة المدرسة بالجملة مابين 600 إلى 1500 ليرة، لذا فهي تباع بسعر يترواح ما بين 1000و2000 ليرة وذلك حسب نوعية القماش المصنعة منه وحسب البائع أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة لملابس الدراسة والقرطاسية.
ولفت أغلب من التقيناهم إلى أن انحسار الإنتاج ضمن معامل معينة في السوق أفقد السوق عنصراً هاماً وهو المنافسة، لذا فإن الأسعار أصبحت شبه موحدة وكلها تندرج تحت خانة الارتفاع، فمعظم الملابس مصنعة محلياً وبمعامل صغيرة ومتوسطة في ريف دمشق، ومعظم القرطاسية يستوردها تجار محددون، الأمر الذي قلل مصادر الحصول على السلعة وبالتالي أصبح من الصعب تحقيق منافسة بين بائعي المفرق والجملة.
وعن ارتفاع أسعار الدفاتر أوضح بعض التجار أن هناك صعوبة في الحصول على الورق مع ارتفاع أسعاره وأجور نقل المواد الأولية وفقدانها بشكل مفاجئ في الأسواق وتذبذب أسعار الصرف، إذ إن جزءاً لا يستهان به من القرطاسية مستورد، وبالتالي سعر الصرف تضاعف أكثر من ضعفين، لذا نجد أن أسعارها أيضاً تأثرت وتضاعفت مع دخول عناصر أخرى مثل ارتفاع تكاليف النقل والتصنيع محلياً نتيجة ارتفاع أسعار المازوت والكهرباء والفيول على المطابع والمعامل وفقدان بعض القطع التبديلية لبعض المكانات الخاصة بالطباعة على اعتبار أنها مستوردة.
وأكد بعض التجار أن الكثير من المعامل الخاصة بالألبسة أُغلقت نتيجة الظروف الراهنة وبالتالي قلة الإنتاج أثرت على العرض في السوق، كما أن حركة البيع والشراء في السوق ضعيفة بعض الشيء بشكل عام نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.
15 ألف ليرة فقط.. مستلزمات الطالب
عضو جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها محمد بسام درويش لفت إلى أن أسعار مستلزمات المدارس ارتفعت 35% مقارنة مع العام السابق، مشيراً إلى أن هذه الارتفاعات أثقلت كاهل الأسر السورية وخاصة أنها حالياً تواجه موسم المونة لفصل الشتاء من (ملوخية وبندورة وغيرها من المواد الغذائية الأساسية).
ونبه إلى أنه بالرغم من أن البنطال الأزرق يحل محل بنطال البدلة المدرسية إلا أن أسعار البنطال أيضاً مرتفعة، مشيراً إلى أن الأسرة تحتاج إلى 15 ألف ليرة لإكساء طالب واحد وتوفير مستلزمات المدرسة له.
هكذا تواجه الأسر الارتفاع
الكثير من الأسر السورية اتبعت منهجية جديدة في المواجهة وتوفير مستلزمات المدرسة لأبنائها، فقد بدأت بعض الأسر نظراً لارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية بإصلاح الملابس والحقائب المستخدمة في العام الدراسي السابق، واقتصرت مشترياتها على ما هو ضروري، للتخفيف من الأعباء.
وتوجهت الأسر إلى الأسواق الشعبية (البسطات) لتلبية احتياجاتهم لأن أسعارها أقل من أسعار المحلات إلا أن البسطات أيضاً أصيبت بعدوى ارتفاع الأسعار، فالسلعة باتت واحدة الأمر الذي يضع المستهلك بخانة اليك، ويجبره على شراء سلعة مرتفعة الثمن سواء من البسطات أو من المحلات في الأسواق النظامية.
كما لجأت الكثير من الأسر وخاصة الأسر التي تجمعهم قرابة، إلى أسلوب (الإعارة والمقايضة) فيما بينها، وخاصة ما يتعلق بألبسة المدرسة، وذلك كنوع من التوفير وعدم شراء الجديد.
المنتج المحلي
بالمقابل وجد باحث اقتصادي أنه من الضروري جداً أن تقوم مؤسسات التدخل الإيجابي بدور هام في تأمين مستلزمات المدرسة لجميع الأسر بسعر تدخّلي حقيقي، وأن تكون هذه الإجراءات أيضاً سريعة، فإلى الآن لم نسمع أن أي مؤسسة تدخل إيجابي قامت بالإعلان عن طرح مستلزمات المدرسة في صالاتها، إلا مؤسسة سندس.
لافتاً إلى أن الحكومة سمحت لهذه المؤسسات بالاستيراد المباشر وبجلب السلع لصالاتها دون أي وسيط، وهذه نقطة من شأنها أن تساهم في تخفيض التكلفة على هذه المؤسسات، مؤكداً أهمية أن تقوم هذه المؤسسات باستجرار منتجاتها من السوق المحلية وخاصة ما يتعلق بالألبسة المدرسية، وذلك لدعم المنتج المحلي وليس أن تقوم باستيرادها من الصين أو غيرها من البلدان، على اعتبار أن لدينا بديلاً محلياً لها، وهذا من شأنه دفع عجلة الإنتاج محلياً وتحريك السوق.
أما ما يخص القرطاسية فيجب أيضا التركيز على أهمية استجرارها محلياً إن وجدت واستيرادها بحال عدم توفرها محلياً، وذلك بسعر منافس وبجودة مرتفعة.
ولفت الباحث، إلى أهمية أن تقوم وزارة التربية بتوجيه إدارات المدارس في القطر إلى عدم إرهاق الأسر بالمتطلبات المدرسية، وأن تراعي الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر السورية حالياً، وأن تسعى قدر الإمكان إلى الاكتفاء بالضروريات بالنسبة للتلميذ والطالب.
“جريدة النور”