منذ بدء عمل جهاز الاستعلام الضريبي لم يصدر عن "وزارة المالية" ما يشير إلى أنه حقق نتائج على مستوى مكافحة التهرب، بل دائماً ما تصف عمله بالشامل والواسع.
وحتى تاريخه لا توجد معطيات دقيقة موثقة عن قيمة الأعمال المخفاة التي كشف عنها جهاز الاستعلام في مجمل نواحي عمله، سواء وفق القانون /60/ الخاص بتعديل الضريبة على الأرباح الحقيقية، أو قانون الدخل /24/ أو رسم الإنفاق الاستهلاكي، ربما لأنها سرية، إلا أن إظهارها قد يحدد مؤشر عمل الجهاز بأقسامه وشعبه ودوائره المنتشرة في جميع ماليات القطر في مكافحة التهرب الضريبي.
وعلى اعتبار أن جهاز الاستعلام الضريبي مسؤول عن إعادة الأموال الضالة إلى الخزينة، فمن المفترض أن يكون لديه رقم يدل على مؤشر مدى مكافحته للتهرب الضريبي، وهو ما حاولنا الحصول عليه، ولكننا لم نستطيع بعد محاولات عدة للاتصال بمدير الاستعلام الضريبي بوازرة المالية ياسر موازيني ولكنها باءت جمعيها بالفشل.
كانت قد نوشرت مؤخراً تفاصيل مهمة عن ضبوط بحق منشآت سياحية متهربة من تسديد رسم الانفاق لاستهلاكي ووصف العمل بأنه نوعي كونه كشف عن قيمة الأعمال المخفاة لتلك المنشآت السياحية والتي بلغت حوالي 12 مليار ليرة من قبل دائرة واحدة في مالية دمشق.
وبما أن عمل الاستعلام الضريبي شمولي وواسع، فهذا يحتم أن يكون انجازه في الكشف عن قيمة الأعمال المخفاة للمنشآت السياحية التي يتابعها أضعافاً مضاعفة عن الرقم المذكور خاصة بوجود أكثر من 400 منشأة سياحية .
ولو عدنا إلى الفقرة /أ/ من المادة الثالثة من قانون الاستعلام الضريبي رقم /25/ لعام 2003 لوجدنا أنها منحت مديرية الاستعلام بأقسامها ودوائرها وشعبها في جميع الماليات مهام عديدة وواسعه تتجلى بالقيام باستقصاء المعلومات الموثقة عن الأوضاع المالية للمكلفين وجمع البيانات والمعلومات والوثائق عن مطارح الضرائب والرسوم وضبط حالات التهرب منها.
أن هناك ثغرات عديدة في العمل الضريبي وتحصيل الواردات الضريبية بحاجة الى متابعة مستمرة وخاصة بالنسبة لمكلفي الدخل الذين يصل عددهم إلى 350 ألف مكلف يمثلون جميع الفعاليات الصناعية والتجارية والسياحية، والمهن العلمية وغيرهم، حيث إن واردات ضخمة تفقدها الخزينة من جراء قيام النسبة الأكبر من هؤلاء المكلفين بتقديم بيانات ضريبية لا تعكس نشاطهم الحقيقي، يقوم بإعدادها لهم محاسبون مؤهلون، ناهيك عن أن بطاقة الاستعلام التي تعدها المديرية والتي يفترض أن تحتوي على معلومات عن نشاطات المكلفين لتساعد المراقب في إعداد التكليف هي من المسائل المهمة على صعيد عمل الاستعلام ولكن بعض الاضابير لوحظ ان بطاقات الاستعلام الخاصة بها حملت عبارة «لا تتوفر أي معلومات».
ولا ننسى أيضاً أن بعض المكلفين غير مطالبين بتقديم بيانات ضريبية، حيث يقوم مراقبو الضرائب بزياراتهم ميدانياً (هكذا يفترض) والتعرف على حجم نشاطاتهم بمختلف السبل لتقدير أرباحهم ومن ثم فرض الضريبة المناسبة، وفي الواقع فإن زيارات الاستطلاع نادراً ما تتم ويتم فرض ضريبة وفق أسس غير علمية وفقاً للفقرة /ج/ من المادة /18/ من قانون الدخل /24/ ما يخلق تمايزاً غير عادل بين المكلفين ويفسح المجال أمام تدخلات تساعد على التهرب الضريبي وهنا يجب ان يأخذ الاستعلام الضريبي دوره في التدقيق في أعمال المراقبين وخاصة للفعاليات الكبيرة.
صحيح أن جهاز الاستعلام الضريبي في وزارة المالية قام بضبط العديد من وقائع التهرب الضريبي التي تقدر بمئات ملايين الليرات ولكن هذا لا يعني أن كل إجراءاته تسير وفق القوانين والانظمة المالية والضريبية فهناك من يذهب لينتقد الطريقة التي يقوم بها عناصر الاستعلام بتنظيم ضبوط التهرب، ويؤكد أنها ليست واقعية ولا تقوم على أساس علمي وقانوني، فعضو مجلس المحاسبة والتدقيق، ورئيس جمعية المحاسبين القانونيين فؤاد بازرباشي علق على أعمال جهاز الاستعلام في مكافحة التهرب من وجهة نظره الشخصية، بأن جزءاً كبيراً من ضبوطه تعد بحكم الباطلة لانها لا تستند إلى أي وثائق أو إثباتات، فحتى نقوم بتثبيت واقعة تهرب ضريبي نحتاج إلى وثيقة تثبت تلك الواقعة.
ويضيف بازرباشي أن الآلية التي يعمل بموجبها جهاز الاستعلام الضريبي في وزارة المالية تفتقد إلى أدنى المعايير التي حددتها القوانين في تنظيم الضبوط، فالمكلفون الذين تنظم بحقهم ضبوط في حال تقدموا بطلبات اعتراض، لا تلتفت الدوائر المالية في معظم الأحيان إلى تلك الاعتراضات، ويكلف المكلف بطرق أشبه ما تكون إجبارية، وهذا أحد الأسباب التي دفعت المكلف إلى فقدان الثقة بالدوائر المالية.
ويعود بازرباشي للتأكيد أن أي ضبط قام الاستعلام بتنظيمه قابل للفسخ ما لم يستند إلى وثائق تثبت صحته، وذكر بازرباشي مثالاً عندما دهم عناصر الاستعلام مكتبه تحت ذريعة أنه متهرب ضريبياً واضطر للتوقيع على الضبط مكرهاً تحت طائلة مصادرة أجهزة الحاسب الخاصة به، متسائلاً: هل هذه هي الآلية التي نظمها القانون في تنظيم الضبوط..؟
ولتوضيح الآلية التي يعمل بموجبها الاستعلام الضريبي حاولنا أيضا التواصل مع مدير الاستعلام دون أي جدوى، كذلك لنتبين وجه نظره في الاتهامات الموجهة إلى عمل جهاز الاستعلام في الكشف عن وقائع التهرب الضريبي،وصولا ً إلى تحصيل الضريبة الحقيقية وهو ما يقلق "وزارة المالية" اليوم .
المصدر: سينسيريا