يشوب ظاهرة الإيفادات الخارجية التي تقوم بها المؤسسات الحكومية بغية الاطلاع على تجارب دول العالم في مختلف المناحي الاقتصادية والإدارية والتكنولوجية الكثير من المغالطات والمحسوبيات، ولاسيما أنها ذات بعد سياحي ومالي مغريين من جهة، ولا تأخذ بعين الاعتبار من لهم الأحقية بالإيفاد لأنهم بالفعل سيترجمون الإيفاد إلى واقع، وذلك بتطوير أنفسهم واستفادة المؤسسات الحكومية من هذا التطوير وبذلك تتحقق الغاية منها من جهة ثانية، لكن ما يحصل في معظم الأحيان هو حصر الإيفادات بأشخاص محدّدين لهم الحظوة الكبرى دون أدنى مراعاة للمعايير إلا من رحِم ربّي.
حيثيات
وآخر ما حرّر في هذا السياق أن "وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي" أعدّت مذكرة إلى رئاسة "مجلس الوزراء" تتضمّن ترشيحات الإيفاد لإجراء الفحص الظاهري على بذار البطاطا المستوردة من هولندا والدانمارك، وأغفلت هذه المذكرة حسب أحد المهندسين في إدارة وقاية وحماية النبات حق القائمين بالعمل في المخبر الحجري لتحليل العينات الحجرية الواردة إلى القطر للترشح للمهمات الخارجية بما فيها لجان الفحص الظاهري لاستيراد بذار البطاطا، وحسب رأيه أنه منذ سنوات يتم وضع أسماء مكرّرة للإيفاد وليس لها من الاختصاص شيء من قريب ولا من بعيد، حيث يتم ترشيحهم من بعض أصحاب النفوذ في وزارة الزراعة!.
غياب معايير
ويشير المهندس الزراعي فيصل الفرواتي من الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية -قسم بحوث النيماتودا- إلى أنه منذ سنوات تقوم الوزارة بإرسال بعثات إيفاد إلى كل من هولندا والدانمارك بما يقارب 36 اسماً لإجراء الكشف والفحص الظاهري على بذار البطاطا المستوردة من كلا البلدين المذكورين، لكن ما يشوب قوائم الأسماء المرشحة للإيفاد هو غياب المعايير الأساسية وخاصة المتعلق منها بالاختصاص، ويبقى السؤال هنا كيف يمكن أن يتم اختيار أسماء مكرّرة في بعثات سابقة مثل مدير الرقابة الداخلية في الوزارة وسكرتير وسكرتيرة الوزير وغيرهم من الأسماء غير المتخصصة في إيفادات العام الفائت والحالي؟.
وأوضح الفرواتي أن الوزارة تتجاهل تحديد المتخصص للإيفاد في هذا الموضوع لاعتبارات تتعلق بالمحسوبيات وغيرها، مبيّناً أنه تم في العام الحالي تخصيص 22 اسماً من المؤسسة العامة لإكثار البذار لإيفادهم ضمن قائمة تتضمّن 36 اسماً، إلا أن هذه الأسماء لم يتم اختيارها ضمن الاختصاص المحدّد والمعني بإجراء الفحص الظاهري لبذار البطاطا المستوردة التي تحمل أمراضاً وآفات حجرية خطيرة تمنع دخولها، منها مرض العفن البني والنيماتودا المتطفلة نباتياً وهي من اختصاص النيماتودا وليست من الاختصاصات الأخرى..!.
عدم الحديث
وأثناء اتصالنا هاتفياً أمس بمعاون وزير الزراعة الدكتور لؤي أصلان، فضّل عدم الحديث عن هذا الموضوع ريثما يأتي من سفره إلى حماة، مكتفياً بالقول: إن الترشيحات يجب أن تطبّق عليها تعليمات رئاسة مجلس الوزراء من عدم حصر الترشح في أسماء محدّدة وتطبيق معيار التخصص، مؤكداً وجوب المعالجة الفورية في حال كان هناك خلل في الترشيحات، ومبيّناً أنه يجب أخذ النسبة الأكبر من أسماء المرشحين من قسم النيماتودا وليس من أماكن أخرى.
مصدر في وزارة الزراعة أكد أن جميع الترشيحات للإيفاد يضعها مدير مديرية مكتب الوزير وبالتنسيق الكامل مع المدير المالي بالوزارة، وذلك بموجب القرابة العائلية التي تجمعهما دون مراعاة للمعايير المطلوبة للاختصاص الفني حتى دون استشارة الهيئة في تقديم أسماء الموفدين، وذلك بإيهام الوزير في أحقية الأسماء بالإيفاد من جوانب التخصص والمعايير الأخرى، وأضاف المصدر: إن جميع إيفادات الوزارة مخالفة لتعاميم رئاسة مجلس الوزراء التي تتضمّن الطلب إلى الجهات العامة كافة عند الإيفاد التقيّد التام واعتبار الاختصاص هو المعيار الوحيد والأساسي في تحديد العامل الذي سيتم إيفاده، كما تتضمّن هذه التعاميم عدم حصر الترشح في العاملين أنفسهم والعمل على تدقيق قرارات الإيفاد الخارجي التي ترفع من الوزارات والجهات التابعة لها.
محسوبيات
الخبير الإداري والقانوني الدكتور محمد الحسين بيّن أن الإيفاد هو من أجل الارتقاء بمستوى عمل المؤسسات وصقل بعض الخبرات الموجودة لديها من أجل الاستفادة منها مستقبلاً، ولكن للأسف ما يحصل في بعثات الإيفاد هو عكس ذلك تماماً حيث يظهر مبدأ المحسوبيات والواسطة في اعتماد الموفدين، الأمر الذي يترك واقعاً سلبياً من تراجع كبير في الأداء وتوسّع في الفساد واستنزاف للميزانية وهدر مئات الملايين من الليرات دون فائدة تذكر، فعلى الحكومة مراجعة نفسها أولاً في هذا الموضوع من خلال المتابعة والرقابة ومعاقبة المسؤولين بعقوبات شديدة دون محاباة لأحد، لأن الإيفادات أصبحت وباء ينخر المال العام وهدراً وإهمالاً للطاقات العلمية والإدارية، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة تقنين الأموال المخصصة للإيفادات الحكومية التي تنهك ميزانية الحكومة في الوقت الراهن، داعياً إلى تنظيمها من خلال وضع دراسات علمية وخطط رصينة، وأن الإيفادات الحكومية تمثل عبئاً مالياً كبيراً على الموازنة العامة للحكومة لما تحتويه من مخصصات ومصروفات هائلة. وأضاف: إن انقطاع الموظف عن عمله اليومي إضافة إلى أجور النقل الجوي ومخصصاته الليلية عند الإيفاد تعتبر هدراً كبيراً يجب وضع حدّ له عن طريق تقنينه إلى أدنى حدّ ممكن.
وأشار الحسين إلى أن العقلانية مهمة في عملية توزيع الإيفادات بين موظفي مختلف الوزارات والعمل بجدية على تقليلها، وذلك بإيجاد حاضنة علمية ووطنية جيدة يمكن لها إقامة دورات في مختلف التخصصات المؤسساتية.
فساد موجود
بدوره أحد الخبراء الاقتصاديين أكد أن الأموال التي تصرف عن طريق الإيفادات الحكومية لا تأتي بنتائج مثمرة على الإطلاق بسبب المحسوبية والفساد الموجود في عمليات ترشيح موظفي الدولة، مبيّناً أن الواجب تقنين إيفادات أصحاب الدرجات الخاصة وجعلها للضرورة الفائقة التي تحتاج إلى قرار مهم أو دراسة عملية على أرض الواقع، وواجب الحكومة الجديدة وضع ضوابط جديدة تساعد على تخفيض مخصصات الإيفادات بصورة كبيرة، مشيراً إلى أنها أصبحت ظاهرة لسرقة أموال الدولة تحت عنوان دورات تدريبية من خلال أشخاص ذوي درجات خاصة في بعض الوزارات، منذراً بوجود فساد إداري كبير في مسألة الإيفادات الخاصة بوزارة الزراعة بعد اكتشاف أسماء ليست لها علاقة “سكرتير وسكرتيرة ومدير مكتب الوزير ومدير الرقابة الداخلية”، وأسماء كثيرة ليست من أصحاب الاختصاص تناوب على وضعها أصحاب النفوذ في الوزارة.
المصدر: صحيفة "البعث"