يجزم كثيرون أن ما حدث في السنوات الماضية من عمر الأزمة، على صعيد إدارة الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي، يرقى إلى مستوى هدر ثروة وطنية، جرى جمعها على مدار سنوات طويلة.
وما يدعم رأي هذه الشريحة الواسعة من الاقتصادين والمهتمين بالشأن النقدي، أن جميع الإجراءات والخطوات والقرارات النقدية التي أصدرها المصرف المركزي خلال السنوات الخمس الماضية تناقض المنطق، وكل مبادئ السياستين المالية والنقدية، لاسيما وأن جميع المؤشرات كانت تشي بأزمة طويلة.. لا بل أن السيد رئيس الجمهورية أعلن ذلك بوضوح منذ البداية.
ليس ثمة بيانات أو تقديرات إحصائية يمكن الركون إليها، لبيان ما آل إليه حال الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي، لكن يمكن القول، واستناداً لمصادر خاصة كانت في مواقع القرار الاقتصادي، إن البلاد دخلت الأزمة وبحوزتها ما لا يقل عن 23 مليار دولار.
جزء من هذا الاحتياطي ذهب إلى دعم مؤسسة الجيش وتأمين احتياجاته، وهذا أمر لم يعد سراً، أما الجزء الآخر، وهو الأكبر، فكان بتصرف الحكومة والمصرف المركزي، اللذين أنفقا مبلغاً ليس بالقليل على إجراءات وسياسات لم تحصد منها البلاد سوى النتائج "الكارثية"...
فمثلاً..
ما الغاية التي تحققت من قرار المركزي بيع المواطنين مبلغ عشرة آلاف دولار مع بداية الأزمة؟!.
ما هي النتائج الايجابية التي حصدتها البلاد جراء المزادات الخاصة التي طبقها المركزي لبيع مبالغ كبيرة القطع الأجنبي؟!.
ومن المستفيد جراء عمليات التدخل، التي كان ينفذها المصرف المركزي حتى وقت قريب وقطف ثمارها تجار السوق السوداء؟!.
ثم هل كان مجدياً أن تستمر البلاد عامين وثلاثة أعوام حتى تفطن إلى ضرورة ترشيد المستوردات، وحصرها بالسلع والمواد الرئيسية؟!.
باختصار...هناك رقم مخيف جرى هدره بحجج مختلفة، ومبررات غير موضوعية، بغض النظر أكان هذا الهدر قد تم بحسن أو سوء نية، فالأمر يفترض أن يترك للجنة تحقيق عليا تشكل من مجموعة خبراء ماليين ونقديين، وتقدم تقريراً، كما يحدث في كل دول العالم، يحدد المسؤوليات ويوجه أصابع الاتهام للمسؤولين، ليصار إلى محاكمتهم أمام القضاء.
لكن...هل هذا هو الهدر الوحيد الذي تعرض له الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي؟.
هناك هدر آخر حدث قبل الأزمة، وقلما يجري الحديث عنه.. لا بل يمكننا القول إن هدر اليوم شجعه هدر الأمس. وبحسب ما يؤكده الأستاذ الدكتور الياس نجمة فإن السياسات النقدية التي طبقت في السنوات العشر الأخيرة بحاجة لتقييم نتائجها الفعلية والحقيقية، والتي مع الأسف كان لها نتائج سلبية وأضرار ليس أقلها ثبات الاحتياط النقدي لدينا، بين عام 2005 وعام 2011، في حدود 18 إلى 20 مليار دولار، رغم التدفقات النقدية الهائلة التي وردت إلى القطر خلال الفترة نفسها، والناجمة عن ارتفاع إيرادات السياحة، والاستثمارات السياحية والبترولية والصناعية الوافدة في أغلبها من الخارج، ناهيك عن تحويلات المغتربين السوريين، التي ازدادت زيادة كبيرة خلال تلك الفترة بسبب ارتفاع أسعار البترول في بلدان الخليج، إضافة إلى التدفقات النقدية بالقطع الأجنبي الواردة إلى سورية، وذهبت للمضاربات العقارية وشراء الأراضي من قبل المغتربين وغير المغتربين من أبناء البلدان العربية.
ويستشهد الدكتور نجمة بما حدث في لبنان، الذي تضاعفت فيه، وخلال الفترة الزمنية نفسها، موجودات المصرف المركزي من العملات الاحتياطية النقدية بالعملات الأجنبية أكثر من أربع مرات، في حين لم تتغير لدينا، وكان بالإمكان في سورية، لو توفرت السياسات النقدية والاقتصادية الواعية تحقيق ما جرى في لبنان وأكثر.
إن محافظة الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي على حاله لمدة عشر سنوات، رغم الوفرة الكبيرة في إيرادات القطع الأجنبي، يمثل هدراً، لاسيما وأن البلاد تعرضت منذ العام 2001 لتهديدات كبيرة، كانت ذروتها في العام 2005 واتهامها باغتيال رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق.. أي أن الظروف كانت تحتم مزيداً من الحيطة والتحضر لأزمات أخرى، لم يكن أحد يتوقع أن تكون حرباً مدمرة بهذا الشكل.
فهل ما حدث بالأمس واليوم يصح تسميته بالهدر؟ وهل كان بحسن أو سوء نية؟..
أم أن الموضوع أخطر من ذلك، ويتعدى مفهوم الهدر ليصل إلى تحقيق مصالح شخصية على حساب ثروة وطنية، لكل مواطن سوري له الحق فيها..؟!.
المصدر: صاحبة الجلالة