ارتفعت حرارة المراسلات العمودية بين رئاسة الوزراء و"المديرية العامة للجمارك" خلال الأسابيع الماضية على نيّة وضع الآليات اللازمة لضبط عمليات التهريب عبر المنافذ الحدودية كافة، ومع أن العمل والجهد لم يخرجا من عباءة "وزارة المالية" “الجهة المشرفة”، إلا أن الأهم اتخاذ القرار الحكومي بإنقاذ الاقتصاد من بؤرة التهريب، ولتكن الجمارك وضابطتها ذراعاً مؤسساتية وميدانية ضاربة في الحدّ من تدفق السلع المهرّبة إلى الأسواق المحلية، شريطة وضع الإجراءات المطلوبة لردع الظاهرة ومعالجة تداعياتها السلبية على الإنتاج الوطني وسعر صرف الليرة السورية.
ومع دخول رئيس الوزراء شخصياً على خط التنسيق الأعلى تتكثف الاجتماعات المدعّمة بالتحفيز والتنشيط على قاعدة الرهان على النزاهة والشفافية التي غازل بها المهندس "عماد خميس" مدير عام الجمارك في آخر اجتماع للتصدير، لتخرج النتائج والمقترحات المرفوعة إلى رئاسة الوزراء تحت لازمة “أن آليات مكافحة التهريب يجب أن تستهدف القضاء على أسبابه والحدّ منها”، وبالتالي كان المطلوب وفق محضر الاجتماع الذي حصلت “البعث” على نسخة منه السماح بالاستيراد ضمن سياسة هادفة لمعالجة أسباب ظاهرة التهريب، مع ضرورة إعادة النظر بنسبة الرسوم الجمركية المفروضة في التعرفة الجمركية النافذة على بعض السلع الضرورية التي ليس لها مثيل منتج محلياً كالشاي على سبيل المثال، ويطلب أولو الأمر في سياق المقترحات إعادة النظر بالقيم الاسترشادية للبضائع المسموح باستيرادها التي لها مثيل منتج محلياً في ضوء عدم كفاية المنتج المحلي منها لتلبية احتياجات المجتمع حالياً مثل السيراميك “20 دولاراً للمتر المربع” والألبسة الجاهزة “40 دولاراً للكغ”.
في المقلب الآخر كان المطلب الثاني هو التوسّط لدى الجهات المختصة لدعم احتياجات الضابطة الجمركية من الأسلحة والذخائر وخاصة بعد ندب خمسين ضابطاً جديداً من الجيش والقوات المسلحة، مع فتح سقف المخصصات من الوقود ونفقات إصلاح السيارات العائدة للضابطة وزيادتها باعتبار أن عمل عناصر الضابطة الجمركية لا يمكن أن ينجح دون تأمين هذه المقوّمات لتمكينها من القيام بعملها المتواصل على مدى 24 ساعة في مكافحة التهريب وبما يضمن تكثيف وجودها في الأماكن المحدّدة والأوقات المطلوبة.
وتقول التفاصيل التي جاءت بتصديق وتوقيع المعنيين وأصبحت بعهدة الحكومة: إن التصريح في البيانات الجمركية عن البضائع بشكل غير مطابق لواقعها سواء من حيث النوع أم الكمية أو القيمة أو المنشأ بقصد التخلص كلياً أو جزئياً من تأدية ما يتوجب من رسوم عليها، لا يعدّ تهريباً بل مخالفة جمركية تقمع وفق أحكام قانون الجمارك، أما التهريب المتمثل بإدخال البضائع أو إخراجها خلافاً لأحكام قانون الجمارك عن طريق غير المنافذ الحدودية النظامية فإن أسبابه تقليدية ومعروفة أولها التهرّب من تأدية ما يتوجب من رسوم، والسبب الثاني إدخال البضائع الممنوعة بالاستيراد أو المحصور استيرادها بجهات معنية أو المقيّد استيرادها بشروط.
ولأن الضابطة الجمركية كما “يقول” المحضر تعمل على مكافحة التهريب ضمن النطاق الجمركي، فإن وقوع جزء من أراضي النطاق تحت سيطرة العصابات المسلحة سبّب شبه استحالة السيطرة من الضابطة على أراضي النطاق، وبالتالي لابد من تعديل استراتيجيات الجمارك لمكافحة التهريب بآليات ذكية تستهدف ضبط البضائع المهربة بعد دخولها المدن من خلال ترصّدها من لحظة إدخالها وتعقّبها إلى حين إيداعها في المستودعات، وإن كان ذلك لا يخلو من الصعوبة إلا أنه يتم حالياً حيث تقوم الجمارك بتحليل المخاطر وتركيز الحراسة والمفارز لترصد البضائع المهرّبة وتتعقبها بدلاً من نشر المفارز الجمركية -لا على التعيين- بهدف تركيز الجهود وتفعيلها في مواجهة الهدف وخاصة مع وجود جهاز استخبارات يقوم على مكافأة المخبر بجزء مهم من الغرامة.
وبخصوص مكافحة التهرّب من تأدية الرسوم كلياً أو جزئياً تقول “الجمارك”: إن الأمانات الجمركية تعمل بأقصى طاقاتها للتحقق من صحة التصريح، ونظراً للعدد القليل من الأمانات الجمركية التي هي قيد العمل حالياً فإن الرقابة عليها شبه تامة وخاصة مع وجود الأتمتة التي تتيح للإدارة المركزية الاطلاع على البيانات بشكل مركزي ويومي والتحكّم بها عن بعد من حيث إيقاف تسيير البيان عند وجود شك أو شبهة أو إخبار، وتتيح الأتمتة تحليل المخاطر التي تستدعي تكثيف الرقابة والتفتيش الدقيق على البضائع المستوردة. ويعترف الفريق الجمركي بأنه رغم أهمية ما سبق لكنه ليس كافياً لمعالجة الأسباب الحقيقية للتهريب أو التهرّب من تأدية الرسوم التي تكمن في سياسة منع الاستيراد أو تقييده، وكذلك في النسب المرتفعة للرسوم المفروضة على الاستيراد التي تعادلها القيمة المرتفعة المحدّدة كحدود دنيا لقيم بعض المستوردات “الأسعار الاسترشادية” التي لها مثيل منتج محلياً كالألبسة أو الأصناف الكهربائية الجاهزة.
ويقول في إفادته: إن منع الاستيراد بهدف حماية الإنتاج الوطني يتطلب بالدرجة الأولى إجراء مسح ميداني للتحقق من كفاية الإنتاج الوطني لسدّ حاجات السوق المحلي، لأن عدداً كبيراً من المعامل توقف عن الإنتاج، علاوة على أن حالة الحرب الطويلة لا يستقيم معها وقف استيراد البضائع التي وإن كانت تعدّ مبدئياً كمالية إلا أنها من الناحية العملية ضرورية وتشكّل مادة أساسية للتهريب. ومع ذلك أكثر النقاط خطورة هي الإحصائيات التي خرجت بها الجمارك بهدف تحليل المخاطر حيث أثبتت أن أكثر البضائع تهريباً هي الممنوعة من الاستيراد والبضائع المقترنة برسوم مرتفعة وكذلك المقترنة بأسعار استرشادية مرتفعة.
المصدر: البعث