أنهت أم ماجد يوم عملها المعتاد الشاق والمرهق في إحدى الدوائر الحكومية بقلب العاصمة وقررت أن تقصد مكان تجمع حافلات النقل أو كما تسمى شعبياً ” الميكروباصات أو السرافيس ” سيراً على قدميها رغم برودة الطقس الشديدة وتساقط خفيف لحبات المطر وبينما كانت تسارع الخطى للوصول بأسرع وقت ممكن إلى أول ” ميكروباص ” يقلّها إلى بيتها البعيد عن العاصمة نسبياً كان العديد من سائقي السيارات ” التكاسي العمومية ” يطلقون العنان لزمامير سياراتهم كتعبير عن وجودهم بالخدمة متى شاءت هي أو غيرها ذلك ..
أم ماجد لم تكن تعير هذه الفكرة أي انتباه كونها تعلم جيداً أن كل ما تحتفظ به في حقيبتها لا يسمح لها بالإقدام على هذه الخطوة رغم ما تتضمنه من إيجابيات ومنافع ليس أقلّها الوصول بسرعة ويسر إلى البيت.
وبعد قرابة العشر دقائق وصلت إلى مكان تجمع الميكرو باصات وككل يوم ناجت ربها في سرّها أن تكون من أصحاب الحظوظ الكبيرة لتتمكن من ركوب أي حافلة توصلها إلى بيتها فوجود المئات من الأشخاص في ذات المكان مع العدد المحدود من ” السرافيس ” يجعل هذه المهمة تبلغ من المشقة والتعقيد درجة شبه مستحيلة .
أخذت مكانها وسط هذا الزحام الشديد وراحت ترتب أفكارها المتعلقة بالبيت والأولاد وطبخة اليوم.. عيناها راحت تجول عن غير قصد يمنة ويسرى لكنها لم تجد أي أثر إلا لوجوه متعبة مرهقة وحزينة !؟
وفجأة بدأ العشرات يتدافعون ويتراكضون دون رحمة باتجاه أحد السرافيس القادمة لكنها فضلت الانتظار فمعركة الصعود الى “السرفيس” ليست سهلة كما قد يعتقد البعض.
عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال كانت هي الأخرى ممن ركضوا نحو “السرفيس ” لكنهم فشلوا جميعاً بالوصول إلى النهاية السعيدة ليس ذلك فحسب بل إن “ربطات” الخبز التي كان يحملها الأب تناثرت بين أقدام المتدافعين لتذهب معها ساعات العناء التي كابدها الرجل للحصول على تلك “الربطات” .
وربما لأن الله استجاب لدعائها ولدعاء غيرها استطاعت أن تحجز مكان لها في الحافلة الصغيرة وما إن تحركت العجلات حتى بدأ السائق يصيح بصوته الأجش المرتفع ” يكون بعلم الجميع إجرة الراكب صارت الضعف واللي ما معو ينزل والله معو ” فتجاسر أحد الركاب وسأله عن السبب ليجيبه بصوت أكثر حدة وخشونة ” مازوت ما في بالبلد وعم ندفع زيادة لنأمن كم ليتر ” ليسكت الجميع ويدفعوا الأجرة التي حددها لهم السائق !؟
أخيراً وبعد قرابة الساعة وصلت ام ماجد إلى حارتها وتذكرت بأن عليها أن تقصد ” الخضري ” لشراء ما تحتاجه طبختها لهذا اليوم .. لكنها واجهت مشكلة لم تكن تضعها بالحسبان أسعار الخضار قد ارتفعت هي الأخرى بسبب ارتفاع أجور النقل كما أخبرها ” الخضري ” نفسه ما جعلها تبعد الفكرة عن رأسها لان المجازفة ستكلفها أكثر من قدراتها المالية فقررت التوجه فوراً إلى البيت وقد أنهكها التعب والبرد لتغط في نوم عميق لم تستيقظ بعده إلا على أصوات طرق الباب من قبل الأولاد العائدين من مدارسهم وعلى الفور اتخذت قرارها بأن تكون الطبخة “مجدرة” رغم ما ستواجهه من اعتراضات .
أثناء تناول وجبة الغداء حكت ام ماجد لزوجها كم كانت الطريق إلى البيت صعبة وشاقة ومرهقة , لكنه اكتفى بالصمت تاركاً لعينيه المغادرة بعيداً عن البيت من خلال زجاج النافذة !؟.
خاتمة : الأسماء كثيرة ومتعددة .. وكذلك هي الطرق والمنعطفات والأزقة .. لكن الهموم والمتاعب والآلام واحدة لا تتبدل ولا تتغير؟.
هاشتاغ سيريا