في مقابلة مع إذاعة محلية، وُجّه لي سؤال مفاجئ عن أهم ثلاثة قرارات أتمنى صدورها في سورية لتحدث فرقاً على الاقتصاد والتنمية؟؟
عشرات أو مئات المواضيع التي أتمنى حدوثها لتتمكن بلدنا من النهوض ووضع نفسها على خارطة العالم بجدارة … الحقيقة أن السؤال كان محيّراً والإجابة التلقائية هي:
القرار الأول: أن يُتخذ قرار واحد مهم على مستوى الدولة، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في سورية على مستوى التنمية والنهوض الاقتصادي، هو تشكيل مجلس وطني اقتصادي، مَهمة هذا المجلس الأساسية هي التخطيط والعمل على تنفيذ رحلة إصلاح اقتصادي للخروج من عنق الزجاجة، ومعالجة المشاكل العميقة للمجتمع السوري وخصوصا الفقر والبطالة وانخفاض مستوى التنافسية للاقتصاد الوطني، وقضايا التعليم وكذلك الإصلاح المؤسساتي ومعالجة الترهل الإداري في مفاصل الدولة ومؤسساتها، مشروع النهوض الاقتصادي هذا يمتد لعشرين عاماً، أهمّ ميزةٍ لهذا المجلس المقترح، أنّه يمثّل توافقا وطنيا وتمثّل فيه الأحزاب السياسية ومجلس الشعب والنقابات والاتحادات وجمعيات المجتمع الأهلي والجامعات، والفائدة الأساسية من هذا المجلس هي الانتقال من العمل بالإعتماد على الفرد، مسؤول، وزير، أو مدير عام، أو محافظ، أو نائب في البرلمان، إلى العمل بشكل جماعي وبشكل مؤسساتي على مستوى الدولة، فقد تمّ تجريب العمل الفردي على مستوى الوزارات ورئاسة الوزارة ولم نلحظ أي نجاح لعشرات السنوات، مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ العمل في دول العالم هو عمل مؤسساتي وله عدة مستويات، ولا يملك أحدٌ أن يعبث بخطة اقتصادية استراتيجية حصلت على توافق وطني بين مختلف شرائح المجتمع.
من غير المنطقي أن يقود اقتصاد البلد مجموعة من الآراء المتضاربة التي تستند إلى مرجعيات مختلفة، واحد ليبرالي وآخر اشتراكي وثالث لاهوية له غير أهواءه الشخصية ومصالحه، ثم يتم تبادل الإتهامات عند أي مفترق طرق يواجه البلد، كما حصل في بداية الأزمة في سورية حيث اتُّهم اقتصاد السوق بأنّه السبب الرئيسي وراء تدني الدخل والبطالة لدى الشباب خصوصاً، مع أنّ الخطة الخمسية العاشرة أُقرّت في المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الإشتراكي في عام 2005 ، ووافق عليها مجلس الشعب، وعمل على تنفيذها مجلس الوزراء مجتمعا.
إنّ برنامج التحول الاقتصادي الذي تم إقراره ضمن الخطة الخمسية العاشرة، لم يكن برنامج إصلاح اقتصادي متكامل بل هو أقرب لبرنامج تحرير تجاري، وتخفيض مبالغ فيه على الرسوم الجمركية، مما أسفر عن تحول معظم الأنشطة الاقتصادية في البلد من الإنتاج إلى الإستيراد، ومعروف أنّ مثل هذا التحرير غير المدروس سينجم عنه الكثير من الآلام، والتي تجلّت في إغلاق ورشات وشركات الإنتاج، وزيادة نسب العاطلين عن العمل، كما أنّ هذه الخطة لم تقترب من الخطوط الحمر في الاقتصاد السوري، وأولها إصلاح أو خصخصة شركات ومؤسسات القطاع العام الصناعي ….وفي هذا الإطار لابد من الحديث عن نقطتيتن:
أولاً: إنّ اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا كانت غير متوازنة وغير منصفة وتعتبر سبباً رئيسياً لإغلاق معظم الورش والشركات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي زيادة أعداد المتعطلين عن العمل.
ثانياً: إنّ إتفاقية التجارة الحرة العربية والتي دخلت حيّز التنفيذ منذ 2005 سببت الكثير من المنافسة غير العادلة للمنتجين السوريين، لأنّ التجار باتوا يستوردون البضائع الصينية والآسيوية عموماً، ويضعون عليها لصاقة صنع في دولة عربية للاستفادة من الإعفاءات من الرسوم الجمركية.
القرار الثاني: الذي كنت أتمنى صدوره، هو صدور قرار يتعلق بإدارة وتنظيم أملاك الدولة في مؤسسة واحدة تجمع وتدير أملاك الدولة، فكما هو معروف أنّ الدولة لديها الكثير من الممتلكات العقارية والأراضي والمؤسسات، ولكنّها لا تدار بشكل كفؤ، ولا تدرّ أي إيرادات مناسبة للخزينة العامة، لأنّ ممتلكات الدولة موزعة بين عددٍ من الوزارات، وتدار بطريقة محكومة بالبيروقراطية والمعوقات الإدارية، كذلك الأموال الناجمة عن إدارة أموال وعقارات الأوقاف، فلا أحد يعرف ما هو مصير تلك الملكيات وما هي إيراداتها، ومعروف أنّ الفساد هو المحور الرئيسي في عمل هذه الإدارات.
آلاف الأمثلة يمكن ذكرها عن سوء إدارة أملاك الدولة والفساد الذي يكتنفها، وخصوصاً أنّ الكثير من أملاك الدولة إمّا أن تكتشف بالصدفة أو تبقى طيّ الإهمال والنسيان، أو الكتمان المقصود.
القرار الثالث: إحداث إصلاح مؤسساتي جذري لعدد مختار من المؤسسات الاقتصادية المحورية في البلد واعتبارها بؤراً إيجابية، مثل مصرف سورية المركزي، الهيئة العامة للضرائب، المصرف التجاري السوري… وغيرها من المؤسسات الهامة، وأن يتم إعلانها كمؤسسات الجيل الرابع، وتحديث نظام العمل وإدارة الموارد البشرية، وسلك المدراء وقضايا أخرى مختلفة تقوم بتوصيفها وتحديدها شركات استشارية ، هذه المؤسسات يجب أن تكون خارج قانون العاملين الموحد، ويحل محله نظام الوظيفة العامة الخاصة بهذه المؤسسات، أيضاً أن يكون لها قانون مشتريات خاص ليس له علاقة بقانون العقود، وكذلك نظم العمليات الداخلي لكل مؤسسة أن تتم صياغتها من قبل شركات استشارية متوافقة مع النظم العالمية.
ربما هذه القرارات، ليست الأهم، ولكنّها بالتأكيد تؤدي إلى بداية طريق في مجال النهوض الاقتصادي، من خلال وضع رؤية وطنية استراتيجية عليها توافق بين مختلف شرائح المجتمع، إنشاء مجلس اقتصادي سيكفل وضع الرؤية وتأمين توافق حولها، بينما يؤمّن القرار الثاني إيرادات أفضل للخزينة العامة للدولة، والثالث هو بداية إصلاح مؤسساتي، ربما تكون بداية تجعلنا نرى بعض الضوء في نهاية النفق.