فشلت جهود الوساطة بين "المؤسسة العامة للأعلاف" و"الشركة العامة للمطاحن"، الرامية إلى عدول المطاحن عن قرارها الأخير الخاص ببيع كميات من مادة النخالة إلى القطاع الخاص، بعد أن أخلّت مؤسسة الأعلاف بالاتفاق الذي ينصّ على أن تستجرّ كامل الكميات لمادة النخالة من المطاحن مقابل التسديد المالي الفوري، حيث لم تلتزم الأخيرة بالدفع المالي، ما أجبر مؤسسة المطاحن على اتخاذ قرار يجيز لها البيع المباشر أو غير المباشر للمادة إلى القطاع الخاص.
وجاءت مبررات "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" لاتخاذ القرار المذكور من منطلق عدم التزام مؤسسة الأعلاف بالتسديد المالي، يضاف إلى ذلك ما يدور في كواليس الوزارة من معطيات تؤكد أن مؤسسة الأعلاف تبيع مادة النخالة للجمعيات الفلاحية وغيرها من الجهات في الأسواق المحلية وتستلم كامل قيمتها المالية بشكل فوري دون تأخير، مقابل عدم تسديدها ما يترتب عليها لشركة المطاحن، ما جعل وزارة حماية المستهلك تعيد ترتيب وتوزيع مادة النخالة بشكل يضمن حقوقها المالية.
وفي المقلب الآخر استغربت مؤسسة الأعلاف قرار شركة المطاحن وعملت على تقديم تعهّد بالتسديد الكامل وفق جدولة تم التوافق عليها مؤخراً بموجب اتفاق يقضي بأن تسدّد الأولى كامل المستحقات البالغة 20 مليار ليرة لمصلحة الثانية، يسدّد منها 4 مليارات ليرة بشكل فوري، وباقي المبلغ يقسّط على 12 شهراً بدءاً من الشهر الحالي.
وآخر ما حرّر في هذا السياق هو اتفاق الطرفين خلال الأيام الماضية على أن تستجرّ مؤسسة الأعلاف كميات العام الفائت نفسها المقدرة بـ230 ألف طن، وأن يكون تسديد القيمة المالية خلال أسبوع واحد من تاريخ استلام مؤسسة الأعلاف للكميات المقررة شهرياً، وأجاز الاتفاق السماح لشركة المطاحن ببيع الكميات الزائدة عن 230 ألفاً إلى القطاع الخاص.
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عبد الله الغربي اتهم المؤسسة العامة للأعلاف بالتقصير في تسديد مستحقات الوزارة من مادة النخالة المستجرّة من الشركة العامة للمطاحن، حيث وصلت ديون الوزارة عليها إلى 20 مليار ليرة قيمة الكميات المستجرّة حتى نهاية العام الفائت، مشيراً في تصريح خاص لـ”البعث” إلى وجود حالات فساد في هذا الملف لابدّ من معالجتها، ولافتاً إلى أن الكميات المستجرة من مؤسسة المطاحن عبر مؤسسة الأعلاف يكون مصيرها السوق السوداء حتى إنها تهرّب إلى السوق العراقية.
وأوضح الغربي أن الشركة العامة للمطاحن اعتمدت آلية تسعير جديدة بناء على الأسعار الرائجة في الأسواق، حيث بلغت قيمة الطن الواحد 75 ألف ليرة، في حين تبيعه مؤسسة الأعلاف إلى الجمعيات بـ92 ألف ليرة، ويصل سعره في فصل الشتاء إلى 125 ألف ليرة، وصيفاً إلى 150 ألف ليرة، مشيراً إلى أن الوزارة تسعى إلى تغطية العجز في التكلفة الناتجة عن زيادة كمية القمح المطلوبة للطحين والمقدّرة بـ18 مليار ليرة، حيث أوضح أنه وبموجب الآلية التي اقترحتها الوزارة لتغطية هذه القيمة على اللجنة الاقتصادية، أوصت الأخيرة برفع سعر مبيع مادة النخالة العلفية للطن الواحد من 55 ألف ليرة إلى 75 ألف ليرة، والسماح للشركة العامة للمطاحن بإنتاج النخالة السكرية وبيعها لمصلحة المخابز السياحية الخاصة المرخّصة على أن يتم تحديد سعر مبيع الطن من هذه المادة بما يتناسب مع الأسعار الرائجة في الأسواق.
وبيّن التقرير الصادر عن مؤسسة الأعلاف أنها استجرّت من شركة المطاحن منذ بداية العام حتى تاريخه حوالي 35 ألف طن من أصل الكمية المحددة بـ230 ألف طن لكامل العام الحالي، وأنها قامت بتسديد قيمتها المالية المقدرة بـ 2.6 مليار ليرة. ويوضح التقرير –الذي حصلت “البعث” على نسخة منه- أن الأعلاف قامت خلال الفترة الماضية بتسديد ما يقارب 7 مليارات ليرة منها 6 مليارات ليرة قيمة مسحوبات العام الفائت، ومليار ليرة عن ديون سابقة، ولم يغفل التقرير الصادر عن مؤسسة الأعلاف حجم الأضرار التي ستقع نتيجة قرار وزارة حماية المستهلك بيع جزء من النخالة للقطاع الخاص، حيث أوضح التقرير أنه بناء على ما تقدم ونظراً لأهمية مادة النخالة لقطيع الثروة الحيوانية ودعماً لهذا القطاع الاقتصادي المهم، وللحفاظ عليه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع الحيواني، من الطبيعي أن يتم الاستمرار بحصر بيع مادة النخالة لمؤسسة الأعلاف مع التعهد الكامل منها بتسديد كامل قيمة الأعلاف المستجرة وبشكل فوري، مع جدولة الديون السابقة التي تقع ضمن التشابكات المالية، وخاصة أن قيام شركة المطاحن ببيع القطاع الخاص يؤدّي إلى حرمان المربي من الحصول على هذه المادة وفي حال حصوله عليها تكون بأسعار مرتفعة.
الخبير الزراعي المهندس صلاح الأقرع أكد أن مادة النخالة كانت متوفرة قبل الأزمة، ويُعتمد عليها من المربّين لتغذية قطيعهم من الثروة الحيوانية، إلا أنه وخلال سنوات الحرب الماضية تم الاعتماد على هذه المادة بشكل كبير، وذلك لعدم توفر مصادر علفية أخرى متاحة في ظل الانخفاض الكبير بالمساحات المزروعة بالمحاصيل العلفية، مثل مادة الشعير والذرة، وقلة مساحات الرعي الطبيعي المتاحة، إضافة إلى الحصار الجائر، وبالتالي صعوبة تأمين المواد العلفية من الأسواق العالمية، وفي حال الحصول عليها يكون ذلك بأسعار مرتفعة تثقل كاهل المربي، وتؤثر بشكل سلبي في قطيع الثروة الحيوانية، الذي يعتبر من القطاعات الاقتصادية المهمة، التي تشكّل رافداً مهماً للاقتصاد الوطني، إضافة إلى اعتماد شريحة كبيرة من المواطنين على العمل في هذا القطاع لتأمين سبل عيشهم، ما يشكّل بالنتيجة حسب رأيه نزيفاً للدعم المقدّم للأعلاف من جهة، وإحجام كثير من المربّين الفعليين عن التربية من جهة ثانية، وانعكاس ذلك بالنهاية على تقلّص أعداد الثروة الحيوانية، ما يفضي في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار منتجات الثروة الحيوانية، لافتاً إلى استمرار معاناة المربين في تأمين المادة التي تزداد سوءاً، وبالتالي خروج عدد كبير منهم عن تربية المواشي لغلاء الأعلاف في السوق السوداء، وعدم توافرها، وحتى في حال توافرها فالكميات المخصصة غير كافية، مبيّناً أن المؤسسة هي عامل توازن أساسي في سوق الأعلاف، وأنّ تخلخل السوق النظامية وبروز السوق السوداء للأعلاف هو بسبب الحيازات الوهمية التي تذهب مخصصاتها إلى ذلك السّوق، ولهذا فالحاجة ملحّة جداً لإحصاء دقيق واقعي لعدد الأغنام.
ولابد من فتح صفحة جديدة بين الطرفين بحيث تؤدّي إلى ضبط وصول هذه المادة إلى المربين الفعليين للثروة الحيوانية بأسعار مقبولة من أجل الحفاظ على قطاع الثروة الحيوانية، ومعرفة وصول هذه المادة إلى هؤلاء المربين، بعيداً عن خروجها إلى السوق السوداء، مع ضرورة التزام مؤسسة الأعلاف بتسديد القيم المالية المترتبة عليها وبالتالي تكون القضية حلت بين الطرفين ضمن أسس واضحة.