دفعت حكومات، ما قبل الحرب، المواطن للتخلي عن الوجبة اليومية الثالثة. وأتت حكومات الحرب، وجعلت المواطن ينسى الوجبة الأولى. ولم يبق أمام هذا المقهور، المُسمى مواطناً، سوى أن ينسى نصف الوجبة الوحيدة المتبقية له.
فالدخل المنخفض، وفقدان الليرة 90% من قيمتها، وتجاوز الرقم القياسي لأسعار المستهلك نسبة 679% ارتفاعاً، يعني أن غالبية السوريين يتناولون وجبة واحدة يومياً، وربما أقل.
تبدو الحكومة إما عاجزة، أو أنها لاترى ولاتقرأ ولاتسمع. فالمؤشرات المثيرة للقلق، ناقوس خطر، وتنبيه أخير يسبق الغرق. ومنها إصدار المكتب المركزي للإحصاء الرقم القياسي المذكور آنفاً، عن آب الماضي، الذي يتضمن جانباً مظلماً، يكمن في التفاصيل الخطيرة، التي ترصد واقعاً معيشياً مآساوياً.
إذ ارتفعت أسعار الغذاء لأكثر من 823%، والخبز والحبوب إلى 775%، والزيوت والدهون إلى 883%، واللحوم إلى 759%، والأسماك إلى 1159%. وإذا تخلينا عن اللحوم، إلى ماذا يلجأ الناس؟ إلى طعام الفقراء، الذين يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع السوريين، ويتضمن اللبن والجبن والبيض، الذي ارتفع مؤشر أسعارها إلى فوق 992%.
هذه أرقام رسمية، فيما هللت الحكومة لإجرائها، باعفاء المداجن من الضرائب، وحصدنا توقعات نظرية بانخفاض سعر صحن البيض 10 ليرات، وعملياً الأسعار المضطردة الارتفاع للبيض وغيره من المواد الاستهلاكية (يا جبل مايهزك ريح).
عاد الجوع إلى سورية، نفرت هذه المشكلة العالمية، في الواقع السوري المؤلم. ظهرت الفاقة لتفتك بقيم مجتمعية نبيلة، وبأخلاق أساسها الترابط والرحمة. في رمضان 2015، شاهدت امرأتين تتعاركان من أجل كيلو لحمة، كانتا تنتظران الحصول عليه، ويوزعه على كل أسرة محتاجة، أو مستورة، صندوق العافية بدمشق.
لم تعد تصريحات المسؤولين في أنه لايوجد نقص في أي سلعة بأسواقنا ذات قيمة، صار هذا الكلام معيباً. السلع التي تملأ الأسواق تحتاج مالاً يشتريها، وقدرة شرائية تتيح لرب أسرة أن يعود لمنزله، ويحمل بين يديه مايسد أفواهاً جائعة، ويملأ بطوناً نسيت طعم الوجبة الثانية.
كان بإمكان حكومات الحرب، أن تعتمد أسلوباً بسيطاً، وتدخل فرحة منشودة لقلب كل أسرة جائعة، وتقيها خطر الفاقة، وشر السؤال، بأن تزودها بسلة غذائية من الرز والبرغل والسكر والشاي والزيت والسمن، بسعر التكلفة، ولتترك كل حيتان الأسواق يصولون ويجولون باحتكاراتهم وفسادهم. لم ترد الحكومة على هؤلاء الرد المناسب، تركتهم يعيثون فساداً، وتجاهلت المواطن، وخيبت آماله.
والحل كان مطروحاً، على طاولة الحكومة السابقة، التي طلب رئيسها من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في أيار الماضي، تحديد سلة سلعية بالمواد الأساسية وبأسعار مدعومة للأسر. ومضت تلك الحكومة لحال سبيلها، ولم يتغير شيء.
لاترى الحكومة الجياع، ولم يبت مسؤول وأبناؤه بلا عشاء، ولم تقل الحكومة يا للهول، رغم يقينها أن للجوع أسنانا حادة، وأن المستوى المعيشي على بعد خطوة من الانهيار. وعندما لاتحرك الإحصاءات الخطيرة ساكناً لدى الحكومة، فهذا يعني أنها تملك أذنا من طين وأخرى من عجين،
ولا ترأف بحال الناس الذين لم يعد ثمة قاع يحتويهم، عقب وصولهم إلى النهاية. إنهم يعيشون على وجبة واحدة، بغض النظر عن سعراتها الحرارية، وينتظرون الضربة القاضية، ليقولوا وداعاً، فارين من حرب لم تقتلهم، لكن الجوع يتربص بهم.
ثامر قرقوط
نقلا عن موقع هاشتاغ سيريا