خاص B2B-SY
أصبح المواطن السوري يعتبر الرشوة والمحسوبيات أصل كل القوانين، وإنه لا يمكن الحصول على حقه إلا بهذه الطرق، وبات الناس يتندرون في التحدّث عن الرشاوي والمبالغ الطائلة التي يطلبها موظفون في القطاعات الخاصة والعامة على حد سواء.
دمشق | فاطمة عمراني
إعفاءات "بالجملة" بكافة مؤسسات الدولة
الإعفاءات الحكومية "بالجملة"، وقد طالت كافة مؤسسات الدولة بدءاً من إعفاء معاون وزير المالية في أواخر 2016، وفي وزارة الصحة حيث أعفيت معاونة وزير الصحة لأسباب تتعلق بالفساد، كما أقالت وزارة النفط عدد من المديرين والموظفين في شركة المحروقات بدمشق جراء مخالفات وتجاوزات، كما أقالت وزارة التجارة الداخلية مدراء التجارة الداخلية في كل من درعا وحلب، بالإضافة لمديري المخابز الآلية والاحتياطية في حماة وطرطوس.
كما طالت هذه الإعفاءات أيضاً عدداً من الوزراء كوزير التجارة الخارجية والاقتصاد، ووزير التنمية الإدارية، ووزير العدل.
وتأتي هذه التغييرات الإدارية المتسارعة في مؤسسات الدولة ومفاصلها الإدارية لتثير الكثير من التساؤلات حول ماهية هذه التغييرات والأسباب المرتبطة بها سواء لجهة إعادة الهيكلية الإدارية وإجراء تغييرات تتجاوب مع ظروف المرحلة الحالية أم إن هناك قضايا فساد وهدر للمال العام؟!
والسؤال الأهم إذا كانت التغييرات متعلقة بقضايا الفساد لماذا لا تتم محاسبة أصحابها حيث لم يصدر أي قرار بإحالة مدير إلى المحاسبة من كل الذين طالتهم قرارات الإعفاء،أم إن قرارات الإعفاء من أجل الاعفاء فحسب والتغيير ضرورة شكلية؟
الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تجهز مفاجآت من العيار الثقيل
وكانت مصادر من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش قد كشفت عن استعداد الهيئة قريباً لفتح ملفات تفتيشية عالية المستوى قريباً وأن التفتيش سيكون بحق عدد من الشخصيات الهامة من وزراء ومحافظين ومدراء عامين.
وأشار المصدر إلى أن الإجراءات التي ستتخذها الهيئة ستكون وللمرة الأولى متاحة لوسائل الإعلام الذين سيتم وضعهم في صورة كل جديد.
واعتبرت الهيئة أن المراسيم التشريعية والقرارات التنظيمية وغيرها كافية لأداء العمل بشكل جيد، إلّا أن التطبيق العملي لها دون المستوى المطلوب.
وعلى اعتبار أنّ من يطالب بمكافحة الفساد هم الأكثر فساداً بحسب تعبير الأمين القطري المساعد لحزب البعث هلال الهلال في تصريح سابق له، فكيف ستبنى الثقة بين الدولة والمواطن، في ظل عدم المحاسبة؟
سوريا تتصدر قوائم الفساد عالمياً
جاءت سورية لثلاثة أعوام، في مؤخرة دول العالم لجهة الفساد، وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية حول الفساد في العالم. وصنّفت سورية ضمن الدول الأكثر فساداً على الصعيد العربي والعالمي، حيث احتلت المرتبة 159 عالمياً والخامسة عربياً، حسب تقرير منظمة الشفافية العالمية، العام الماضي، الذي أكد أن الفساد اتخذ أشكالاً متعددة في ظل الحرب الدائرة.
ومع دخول الحرب في سورية عامها السابع ظهرت أنواع جديدة وغريبة من الجرائم على المجتمع السوري، لعل من أبرزها تلك الجرائم الاقتصادية، وكأن سوريا لا يكفيها هذا الكم الهائل من الفساد لتضيف إليه جرائم أخرى.
الجرائم الاقتصادية أثقلت كاهل سوريا
فإن الحرب أدت إلى زيادة الوزن النوعي لجرائم اقتصادية جديدة قديمة في مقدمتها المضاربات الكبيرة التي تحدث في أسعار صرف الدولار، الغلاء الفاحش في أسعار مستلزمات معيشة المواطن، الذي خرج عن السيطرة، الغش في تصنيع المواد الغذائية، التزوير في وثائق رسمية، تهريب مخصصات التموين من مراكز التوزيع لبيعها في السوق السوداء".
ولكن هذا لا يعني أن الرشوة والعمولات والمحسوبيات والمزاودات قد انقرضت، بل أصبحت شبه متوارية عن الأنظار في ظل طغيان باقي الجرائم الاقتصادية، فالمضاربات على سعر صرف الدولار مثلاً أدت إلى "تراكم ثروات رجال الأزمات، كما أن الغلاء أدى إلى زيادة أعداد الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. وهذا بدوره أدى إلى عدة أثار منها: تحوَّل دولار السوق السوداء من عملة أجنبية يجب محاربتها رسمياً وشعبياً إلى عملة رسمية سرية يجري تسعير حاجات المواطن المعيشية على أساسها، فمن شبه المستحيل أن تجد بائعاً يلتزم التسعيرة الحكومية.
الانحلال الأخلاقي سبب الفساد والجرائم الاقتصادية
ويعد سبب انتشار كل من الفساد والجريمة الاقتصادية "الانحلال الأخلاقي"، الذي كان أحد أهم عوارض الحرب السورية فقد زاد عدد المعتدين على الأملاك العامة والخاصة، كتفكيك المعامل وبيعها في الأسواق، أو تهريبها لمناطق مجاورة، وتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وتجهيزاتها، بحيث انحسرت المساحات المستثمرة، وما بقي أصبح يحتاج الى كلف تشغيل عالية، هذا فضلاً عن نقص الأيدي العاملة وتبعثرها هجرةً وقتلاً وغير ذلك.
ومهما كان التباين في طبيعة وعدد الجرائم الاقتصادية فإن أثارها تبقى واحدة، إذ إنّ المتضرر المباشر هو المواطن والنشاط الاقتصادي العام، في الوقت الذي تتمركز فيه الثروة بأيدي شريحة اجتماعية جديدة، نشأت بفعل الفوضى والحرب، الأمر الذي من شأنه التأسيس لنزاعات مستقبلية طويلة الأمد، وضياع حقوق وممتلكات المواطنين.