تشي المعلومات الراشحة عن قيمة رواتب وتعويضات المدراء التنفيذيين للمصارف الخاصة ذوي الجنسيات العربية غير السورية، بأن "مزمار الحي لا يطرب"، ففي الوقت الذي يتم فيه إغفال تقارير الحوكمة الصادرة سنوياً عن هيئة الأوراق والأسواق المالية هذا الأمر، تفيد بعض المعلومات أن رواتب البعض تتجاوز الـ10 آلاف دولار شهراً..!.
صحيفة "صاحبة الجلالة" التي نشرت التقرير والذي حاولت التقصي عن حيثية عدم الإفصاح عن هذا الأمر بتقارير الحوكمة التي سبق وتم الإفصاح عنه لمرة واحدة فقط عام
2009، وما إذا ما كانت الرواتب والتعويضات التي وردت في التقرير لا تزال كما هي، أم أنها شهدت تطوراً ما في ظل تراجع سعر صرف
الليرة، إلا أن التحفظ كان سيد الموقف، ولم يرشح لدينا سوى بعض المعلومات التي تفيد بأن راتب مدير تنفيذي لأحد المصارف الخاصة
حالياً نحو 50 ألف دولار شهرياً، وآخر يتقاضى نحو 35 ألف دولار، عدا التعويضات والمكافآت والامتيازات الأخرى.
وأفادت بعض مصادر في المصارف الخاصة أن رواتب المدراء المركزيين فيها تختلف من مصرف لآخر وتتراوح ما في بعضها ما بين 2 –
3 مليون ليرة شهرياً، مشيرة إلى أن بعض المصارف توزع مكافآت لكل موظف من موظفيها سنوياً بقيم متفاوتة وحسب رؤية كل مصرف
منها، فبنك سورية والمهجر وزع العام الماضي لكل موظف مكافأة بقيمة تساوي 3.5 راتب، والبركة 3 رواتب، وسورية الدولي الإسلامي 1
راتب، وتتحفظ "صاحبة الجلالة" عن ذكر الأسماء لعدم امتلاك وثيقة تؤكد ذلك من جهة، ولعدم رغبة صاحب المعلومة ذكر اسمه الصريح وتحمل مسؤولية ما يدلي به من معلومات من جهة ثانية..!.
رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية الدكتور عابد فضلية وصف سر الفجوة الهائلة بين رواتب القطاع العام ونظيره الخاص عموماً بـ "انفصام
في الشخصية التشريعية للأجور"، ولم يعط فضلية خلال حديثه لـ"صاحبة الجلالة" أي مبرر لخلو تقارير الحوكمة السنوية اللاحقة من إفصاح
حول قيمة الرواتب والتعويضات التي يتقاضاها المدراء التنفيذيين للمصارف الخاصة أسوة بالتقرير عام 2009.
فالرجل الذي لم يمض سوى أشهر قليلة على توليه رئاسة الهيئة يعتبر أن إثارة هذا الموضوع ربما ليس من شأن تقارير الحوكمة بل هو شأن خاص بالمصارف.
وفي تعليقه على التفاوت بين رواتب المدراء التنفيذيين أنفسهم، بين فضلية أن هناك أمران يحكمان هذا الموضوع الأول: أنه يفترض بالمدير
التنفيذي أن يكون خبيراً، وهذا الخبير هو قطع نادر، ولإغراءه للعمل في هذه الشركة دون غيرها يعرضون عليه مبلغاً عالياً لاستقطابه.
ويتعلق الأمر الثاني بإدراج الرواتب والأجور ضمن بند التكاليف، مشيراً إلى أن الربح الصافي هو الذي يستحق الضريبة، بينما الإيراد ناقص
التكلفة، بمعنى أن السخاء بالإنفاق والتطوير، يدعم نشاط الشركة، لكنه في النهاية يخصم من الإيراد ولا يذهب كي تفرض عليه ضريبة،
مشيراً إلى أن هذا ليس تهرب ضريبي، لأن الأنظمة الضريبية عموماً تحسم هذه النفقات التطويرية، وتعترف بهذه النفقات لكي تشجع على الإنفاق وتحريك الطلب وتحريك التطوير.
وتبين بيانات تقرير الحوكمة عام 2009 المدرجة تحت بند "الإدارة التنفيذية وتعويضاتها" ما كان يتقاضاه المدراء التنفيذيين لهذه المصارف
عام 2009، والتي تشكل أرقاماً فلكية مقارنة مع دخل السوريين في تلك الفترة، ولعل اللافت في هذا السياق هو عدم إفصاح التقارير السنوية
اللاحقة عن هذا الجانب لاعتبارات لم يتم توضيحها من أية جهة كانت..!.
إذ تصدر القائمة المدير التنفيذي لبنك سورية الدولي الإسلامي عبد القادر دويك براتب شهري مقداره 1.772.393 ليرة سورية، وبتعويضات سنوية وصلت إلى 21.268.716 ليرة .
في حين تصدر قائمة التعويضات السنوية مدير عام بنك بيمو رياض عبجي بمبلغ 25.492.150 ليرة، مع الإشارة هنا إلى أنه لم يتم
الإفصاح عما تقاضاه شهرياً.
ثمة ثلاث نقاط استوقفتنا في هذا المشهد أولها هو التفاوت الكبير بالرواتب والتعويضات بين المدراء أنفسهم، ففي الوقت الذي تجاوز الراتب
الشهري لدويك الـ1.7 مليون ليرة كما ذكرنا آنفاً، نجد أن راتب المدير التنفيذي لبنك الشرق جمال منصور - آنذاك – هو فقط 100 ألف ليرة سورية، وتعويضاته السنوية 1.2 مليون ليرة..!.
والنقطة الثانية التي استوقفتنا أيضاً هو عدم الإفصاح عن راتب المدير التنفيذي لبنك بيمو كما أسلفنا، والاكتفاء بالإفصاح عن تعويضاته فقط.
إضافة لعدم الإفصاح لا عن راتب المدير التنفيذي لمصرف فرنسبك نديم مجاعص ولا عن تعويضاته السنوية..!.
أما النقطة الثالثة فهي تمترس الجنسيات غير السورية في أعلى هرم المصارف، باستثناء بنك البركة الذي يقود دفته حالياً محمد الحلبي. ما قد
يعني –أو يثير احتمال – أن تمسك الشريك الإستراتيجي لهذه المصارف بالخبرات غير السورية هو مادي بحت وليس بسبب نقص الكوادر،
لاسيما بعد مضي نحو عقد من الزمن على عمل أول مصرف خاص في سورية، وهذه السنوات كفيلة بتأهيل كادر محلي قادر على النهوض
بالقطاع المصرفي على أكمل وجه فيما لو كان هناك نية جادة وحقيقية للتأهيل والتدريب...!.
لعل أخطر ما في الموضوع هو كيف سيكون وضع المشهد المصرفي في حال حدوث استقالات بالجملة للجنسيات غير السورية من مناصبها
الإدارية العليا فجأة تحت أي ذريعة كانت..؟.وهل ستكون كوادر الدرجة الثانية قادرة على تحمل المسؤولية وتسيير أمور المصارف..؟.
ناهيكم عن تأثير ارتفاع الرواتب على حقوق المساهمين لاسيما أن أحد المصارف رفع ذات مرة أرباح المساهمين بنسبة 2% بعد أن قرر
خلال اجتماع الجمعية العامة للمصرف توزيع 7% كنسبة أرباح لكل سهم، ورفعها مباشرة إلى 9% بعد احتجاج المساهمين، ما يدل بصورة
أو بأخرى أن ارتفاع رواتب وأجور العاملين قد يكون على حساب المساهمين...!.
وفي هذا السياق لم ينكر مستشار تمويلي يعمل لدى أحد المصارف الخاصة أن بعض رواتب وأجور المدراء التنفيذيين تجاوزت حد الخيال،
مبررا أن ارتفاعها يعود إلى خبرة وكفاءة من يتقاضىها، معتبراً لـ"صاحبة الجلالة" أن أي مدير سوري يعمل خارج القطر سيتقاضى نفس الراتب
إن لم يكن أكثر، وفي المقابل لو وُجد مديرا تنفيذيا يرضى براتب 1 مليون ليرة سورية شهريا –على سبيل المثال- بدلا من 2 مليون ويمتلك
نفس الخبرة لتم الاستعانة به، فالخبرة تفرض نفسها دائما، والعمل بالنهاية عرض وطلب، ولا يمكن لأي شخص أن يفرض العرض إن لم يكن
هناك طلب، وبنفس الوقت لا يمكن فرض الطلب إن لم يكن هناك عرض، منوها إلى أن المصارف تحتاج دائما إلى موظفين على درجة
كبيرة من التأهيل.
واعتبر المستشار أن ما يدور من كلام حول المدراء التنفيذيين السوريين للمصارف الخاصة الذين يتقاضون رواتب وأجور أقل من نظرائهم
اللبنانيين والأردنيين كلام غير دقيق. وفي ذات السياق أكد مسؤول مصرفي آخر لـ"صاحبة الجلالة" بأن الشريك الإستراتيجي يعطي المدير
التنفيذي راتبا خاصا إضافة لما يتقاضاه من المصرف في حال لم يكن راضيا عن راتبه..!.
وبدد المستشار المخاوف حول حدوث استقالات بالجملة للصف من العاملين في المصارف الخاصة مؤكداً أنه لدى أي بنك يوجد خطة تدعى
(إحلال الموظفين) بمعنى أنه في حال غياب أحد الموظفين يوجد من يحل محله، والبنك المركزي يتابع هذا الموضوع بناء على متطلبات
بازل2، فضلا عن استحالة استقالة كل المدراء في نفس الوقت، دون أن يخفي أن استقالة مدير عام أي مصرف يشكل هزة كبيرة، لأنه رأس
الهرم، لكنه عاود وبث الطمأنينة في نفوس المتشائمين بقوله: إن أي مصرف في نهاية المطاف هو مؤسسة وليس شخص بعينه، فحتى لو
غاب المدير العام عنه يبقى المصرف يعمل وفق نظامه، ربما يتأثر بموضوع التوسع والأمور الإستراتيجية بعيدة المدى، لكنه يبقى يعمل
باستمرار.
وبالعودة لتقرير الحوكمة عام 2009 نبين أن بقية الرواتب الشهرية تراوحت ما بين 600 ألف ليرة إلى 1.7 مليون ليرة، والتعويضات السنوية ما بين 7.2 - 18 مليون ليرة، وذلك حسب التقرير الذي خلا منه اسم بنك بركة الذي لم يكن محدثاً آنذاك.
المصدر: صاحبة الجلالة