عادت "الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار" إلى متابعة مهامها ومسؤولياتها بعد غياب نسبي، حيث عقد مجلس المنافسة اجتماعاً في مقرها برئاسة رئيس المجلس القاضي المستشار محسن الخطيب، وحضور عدد من أعضاء المجلس والمديرين في الهيئة، لمناقشة جملة من المواضيع والقضايا التي تتعلق بعملها ودورها في آليات تأمين انسياب السلع والخدمات في الأسواق المحلية ووضع المقترحات المناسبة. الاجتماع كان من الضرورة زمانياً لمتابعة الأنشطة والفعاليات الاقتصادية والتجارية، وخاصة بعد ما سبّبته الظروف الحالية السائدة من تراجع في الأداء الاقتصادي وانخفاض القوة الشرائية وجمود حركة الأسواق وتذبذب سعر الصرف.
دونه أمر غير مفهوم..!
واقع رأى فيه مدير عام الهيئة الدكتور أنور علي –بعد عرضه لتقرير حول عمل الهيئة لعام 2016 والصعوبات التي أدّت إلى عدم تحقيقها لكامل خطتها في العام الماضي، وأتبعه بشرح موجز لخطة عملها لعام 2017– ضرورة أن تأخذ الهيئة كامل صلاحياتها بما يساعدها في مسعاها لتحقيق جو من المنافسة يدعم ويرتقي بالاقتصاد السوري وصولاً إلى تحقيق تنمية اقتصادية متكاملة تعزز المنافسة من خلال السعي لتفعيل إنفاذ قانون وسياسة المنافسة.
مسعى تبدو دونه أمور غير مفهومة تحول بين الهيئة وتطبيق قانونها بالشكل والمضمون المناسبين، أمور خارجة عن إرادتها، ولعل ما يشي بهذا ما خلصت إليه مناقشة تقرير الرقابة الاقتصادية، حول دراسة أسعار المواد الأساسية وتقرير مديرية الأبحاث (دائرة رصد الأسواق)، إذ اكتفيا بالتوضيح أن أغلب السلع والمواد والخدمات متوفرة في السوق ولكن هناك ارتفاع في الأسعار لأسباب موضوعية، بينما لم يبيِّنا الأسباب غير الموضوعية للارتفاع بالأسعار، مكتفياً بأن المعالجة لذلك تتابع من عناصر الرقابة الاقتصادية في الهيئة وعناصر حماية المستهلك كل حسب اختصاصه.
كتاب موجّه..
مدير عام الهيئة وفي إشارة تنطوي على دلالات يمكن فهمها بأكثر من معنى، أشار إلى الكتاب الذي تم توجيهه إلى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الذي قدّمت فيه الهيئة عدداً من المقترحات التي تساهم في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ما يوفر انسياب السلع والمواد والحد من ارتفاع الأسعار.. ومن تلك المقترحات..، تحفيز مؤسسات التدخل الإيجابي (السورية للتجارة – العمران – الحبوب … وغيرها) على استيراد المواد الأساسية بشكل مباشر ولحسابها، لتصبح مورداً إضافياً للأسواق للمساهمة في زيادة عرض المواد الأساسية في الأسواق أولاً، والمساهمة في تأمين التوازن في العرض والطلب للمواد الأساسية والضرورية وغيرها حسب الحاجة ثانياً، والضغط على أسعار التداول وتخفيضها أو الحدّ من ارتفاعها نتيجة المنافسة ثالثاً.
يضاف إلى ذلك أيضاً الدراسة المعمّقة لتكاليف السلع والمواد المراد تسليمها من الفعاليات التجارية لمصلحة الدولة والتدقيق في التكاليف غير المبررة لخفض التكاليف وبالتالي الحدّ من ارتفاع الأسعار، وعلى التوازي إجراء دراسات فعلية وواقعية مستندة إلى أرقام الاستهلاك الفعلي والحقيقي للمواد المطلوب تأمينها لاحتياجات السوق، إلى جانب إشراك الهيئة في اللجان المشكلة من وزارات الدولة (اقتصاد – صناعة – تجارة – داخلية) المتعلقة بالدراسات والقضايا الاقتصادية والسعرية.
وفيما يتصل بالعلاقة مع مورّدي المنتجات والسلع، تم اقتراح تسهيل الإجراءات لمساعدة المنتجين والمستوردين والمصدرين بما يحقق انسياب السلع والمواد والخدمات في السوق وصولاً إلى التوازن في العرض والطلب، إلى جانب العمل على ثبات السياسات المالية والنقدية بما يخدم التوازن في العرض والطلب في سعر الصرف، وأخيراً ضرورة إعادة النظر في التكليف الضريبي بما يحقق التوازن مع أسعار الصرف السائدة.
للتذكير عسى..
بعد هذه المقترحات، ما نودّ هنا التذكير به هو أن مجلس المنافسة يتكون من ثلاثة عشر عضواً يتم تعيينهم لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط بقرار يصدر عن رئيس مجلس الوزراء، وهو ذو صبغة قضائية ويعالج في عمله جميع الأنشطة الاقتصادية ويرأسه قاضٍ من محكمة النقض ويصدر الأحكام باسم الشعب السوري وهي قرارات ملزمة لكل الفعاليات الاقتصادية والجهات العامة، وهذه القرارات قابلة للطعن في المحكمة الإدارية العليا خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار المجلس.
أما الهدف من ضرورة التذكير بذلك، فهو أننا لا نتمنى مطلقاً أن تظل مثل هذه الهيئة التي لها كل تلك الصلاحيات والدور والمسؤولية التي حمَّلها إياها قانون إحداثها ومنافستها، أسيرة تنازع أطراف مختلفة، كما نتمنى ألاَّ تكون تلك المنازعات لغير ما نأمله من ضبط للأسواق والأسعار والعلاقات الاقتصادية والتجارية..، بحيث تكون النتائج على قدر ما تسعى تلك الجهات على اختلافها، إلى تحقيقه حسب التصريحات التي تصدر عنها، علماً أن جلّها لا يختلف حوله اثنان..!.
“لكن” الحسابات
إن تنفيذ قانون وسياسة المنافسة في ظل الظروف الحالية الصعبة يحتاج إلى تكثيف الجهود من الفعاليات الاقتصادية والحكومة والمستهلكين لنصل إلى اقتصاد مستقرّ يتوازن فيه العرض والطلب للسلع والخدمات، وبالتالي يتم تحديد الأسعار وفقاً للتكلفة الحقيقية والفعلية، حيث يلعب المستهلكون دوراً كبيراً في تنشيط المنافسة لدى الفعاليات الاقتصادية من خلال عمليات الاختيار للسلع والخدمات والبدائل المتوفرة في السوق، ما يحفّز الأنشطة الاقتصادية للعمل على البحث عن أساليب إنتاج وابتكارات جديدة تلاقي نجاحات وترضي أذواق المستهلكين من حيث النوعية والسعر..، والسؤال هل هذا يحتاج إلى معجزة كي يتحقق..؟!. الجواب بالطبع لا.. إلاَّ أن الـ”لكن” عند أصحابها حسابات خاصة لا تتطابق مع حسابات السوق والصندوق..!.
البعث