وجد معظم المزارعين المنتجين في هذه سوق الهال العشوائية مصيدة حقيقية تجهز على المحاصيل والمنتجات الزراعية، نتيجة استغلال التجّار حاجة المزارع واضطراره لتصريف محصوله بأي شكل من الأشكال لئلا يكون مصيره التلف. ويصف المزارعون الوضع التسويقي في سوق الهال بالمزري والمأساوي وليس أدلّ على سوء هذه الحال من وصول ربح تجّار سوق الهال من أي محصول في الموسم الزراعي 2016 – 2017 إلى 200 – 300%، وهذا الربح يؤكده باعة المفرّق الذين يتحدثون عن تحكّم غير مسبوق لتجّار السوق بمردود المزارع وبائع المفرّق، حيث ذكر عدد منهم أن سعر الكيلوغرام الذي يشتريه التاجر من المزارع يتضاعف مرتين وثلاث مرات عند بيعه للمستهلك، وهذا يشمل أغلب المحاصيل والمنتجات الزراعية دون أي اعتبار لتسعيرة أو تعرفة إذا كانت موجودة أصلاً، لأن سوق الهال تعمل خارج الرقابة التموينية التي تطبّق فقط على بائع المفرّق في محلّه الصغير الذي يبيع بالكيلوغرام، أما من يتاجر بالأطنان فلا تطوله مظلة الرقابة التموينية.
ولأن هذا الوضع التسويقي المتردّي لا يزال جاثماً على صدور المزارعين المنتجين فقد أثاره الفلاحون بقوّة خلال مؤتمراتهم قبل أيام داعين إلى تحرّك فاعل للجهات المعنية لضبط وتنظيم أسواق الهال بما يسهم في حماية الإنتاج الزراعي عبر اتخاذ تدابير صارمة تحدّ من التسويق العشوائي، وتكبح جشع واحتكار التجّار، وكي لا يبقى المحصول الزراعي سلعة تجارية خاضعة للعرض والطلب. ويرى الفلاحون في مشاريع تطوير أسواق الهال مشروعات اقتصادية واجتماعية بآن معاً يمكن أن تصون مصادر عيش آلاف مؤلفة من الأسر، إضافة إلى العاملين في مختلف مراحل وحلقات العملية الإنتاجية والتسويقية، إلا أن هذه الأسواق على وضعها الراهن تلحق الخسائر والأضرار بالإنتاج الزراعي لأنها لا تزال تعمل بطريقة عشوائية، وبالتوازي يحمّل المزارع المنتج المشقة في تسويق محصوله بطرق متردية في التحميل والنقل والشحن والتفريغ، واضطراره لمسايرة مبدأ العرض والطلب في تسعير وتسويق المنتج نظراً لغياب الأسس الناظمة والطرق المنظمة لعمل هذه الأسواق، فأصبحت بمرور السنوات الحلقة الأضعف التي انعكست سلباً على فاعلية وجدوى تسويق المنتجات والمحاصيل الزراعية.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فمن الأهمية بمكان أن نسأل ونتساءل عن مآل ومصير الدراسات التي أعدت و أنجزت لإعادة تأهيل وتطوير سوق الهال في مدينة اللاذقية، إذ لم يرشح أي شيء عن هذه الدراسات التطويرية التي أنجزت قبل عدة سنوات ولم تخرج من الأدراج، ولم تكلّف أية جهة نفسها النظر في تلك الدراسات التي اجتهد عليها البعض بتطوع ذاتي للتخلص من الوضع المتردي والمزري لسوق هال اللاذقية، ولم تلق أدنى اهتمام من الجهات المعنية التي (هي نفسها) من طلبت إجراء الدراسة المتكاملة لإنشاء سوق نموذجية حضارية في بنائها وتصميمها وتجهيزاتها وآلية عملها، وذلك لخدمة المزارعين المنتجين للمحاصيل وللحد من فاقد العائدية الناجم عن افتقار السوق الحالية لأدنى مقومات السوق لجهة استقلالية الموقع وانسيابية الحركة منها وإليها وافتقارها الواضح للحد الأدنى من معايير وأسس جوهرية للحصول على البيئة التسويقية المتكاملة بنيوياً وتقنياً وفنياً.