أكثر من عشر سنوات مضت، و"الشركة العامة لصناعة الإطارات" متوقفة عن العمل، لا حركة ولا بركة، عشر سنوات وهي مرمية في ذاكرة النسيان، يعلو الغبار والصدأ تجهيزاتها وآلياتها التي استوردت بالقطع الأجنبي منتصف السبعينيات، ومع مرور الزمن، وتحديداً في أواخر التسعينيات، راحت إدارة الشركة آنذاك تطالب بتكنولوجيا حديثة وجديدة تتماشى وصناعة الإطارات المتجددة والمتطورة باستمرار، وكان وزراء الصناعة المتعاقبون يكتفون بقراءة هذه المذكرات المرفوعة من إدارة الشركة حيناً، ومن المنظمة النقابية “اتحاد العمال”، ومن ثم توضع في الأدراج إلى أن توقف خفقان قلبها عن النبض، وماتت، ولم يعد يذكرها أحد، حتى إدارتها لم تتواجد فيها!.
عجلة اقتصادية
واقع شركة الإطارات، وهي بهذا الحجم، وهذا الكم الموجود من العمالة، يجب ألا يرمى جانباً، وترك مشاكله للزمن يزيدها تعقيداً وقسوة، واليوم أقل سوءاً من الغد لجهة التفكير بشركاتنا المتعثرة إذا ما أردنا لعجلة اقتصادنا الوطني الدوران مجدداً، فأين هم عمالة الشركة، وأين إدارتها؟.. وفي المقابل بادرت وزارة الصناعة إلى إعادة إحياء شركتي الحديد والبورسلان، فالأول مازال يراوح تأهيله في مكانه رغم الوعود التي قطعتها الوزارة والإدارة العامة للشركة بأن المعمل سيبدأ إنتاجه مطلع شهر آذار الفائت، بل كانت غزارة التصريحات أكبر وأكثر من إنتاجيته حتى الآن، وأن إنتاجيته السنوية ستصل إلى 288 ألف طن، وأن الشركة الهندية قد أوشكت على وضع اللمسات الأخيرة للانتهاء، لكن شيئاً من هذا لم يحدث حتى الآن.
الشركة العامة للبورسلان استطاعت النهوض مجدداً وبعودة موفقة كما تبدو المؤشرات والمعطيات، رغم كل ما شاب عودتها من أحاديث لجهة تأمين المستلزمات، وتصريف الإنتاج، إلا أن مديرها العام المهندس حمزة المحمد قدم لنا تفاصيل عودة الروح للشركة، وبالوثائق، وبحضور وفد من المؤسسة العامة لصناعة الاسمنت ومواد البناء بدمشق، والذين أثنوا على سير العمل وتصريف المنتج، ولكن ما يؤرق الإدارة هو أن معمل صناعة السيراميك مازال خارج الخدمة يأكله الصدأ والاهتراء، ولماذا تعثرت شركة الإطارات بالمطلق، وشركة الحديد تراوح في مكانها، وبين غادر الوفد الهندي الذي يقوم بعمليات التأهيل، وعاد الوفد الهندي، ولا جديد حولها وبخصوصها سوى التصريحات المتعاقبة!.
من الخسارة إلى الربح
في الكتاب الذي استطعنا الحصول عليه المرفوع من قبل المدير المالي ورئيس شعبة الموازنة، إلى المدير العام للشركة آنذاك، يشرحان فيه الخسائر المتلاحقة التي تصيب الشركة منذ عام 2004 وحتى عام 2016، حيث بدأت بـ 22 مليون ليرة، وصولاً إلى 156 مليون ليرة عام 2016 من واقع الميزانية العامة للشركة، وبعملية حسابية خلال تلك الفترة الماضية نلاحظ كيف يهدر المال العام دون حسيب أو رقيب، بل لعل السؤال المطروح هو: هل كلّفت وزارة الصناعة في تلك الفترات نفسها بتشكيل لجان، ومساءلة من تسبب بها، أم اكتفت بقراءتها وطيها في السجلات، وكأنه أمر مكتوب على كبرى شركاتنا الإنتاجية كالبورسلان والحديد والإطارات، وغير ذلك من الخسائر المتلاحقة، رغم أنه قدم لهذه الشركات كل ما كانت تطلبه وتحتاجه، في الوقت الذي لم يحرّك صانعو القرار ساكناً حيال ذلك، طبعاً لجهة الخسائر المادية؟!.
الأرباح السنوية مجزية
وفي معرض رده على سؤالنا حول ما أشيع لجهة إعلان المزايدة حول تمويل الشركة بالمستلزمات وتصريف المنتج من معمل الأدوات الصحية قال المهندس حمزة المحمد: بالوثائق يمكننا أن نطلعكم، فعدد العارضين وصل إلى خمسة عشر عارضاً، وتم اختيار الأنسب والأقل تكلفة للشركة والأكثر ربحاً لها وقد تم سبر الأسواق المحلية أولاً للاطلاع على الأسعار المحلية ومن ثم تم وضع الإعلان من قبل لجنة مؤلفة من خمسة أشخاص، فني وتجاري ومالي وإداري، وبحضور المؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء، ووفقاً لذلك يتحقق للشركة أو معمل الأدوات الصحية هامش ربح صاف يتراوح بين ال250 – و300 مليون ليرة سورية سنوياً، وكل أوراقنا مكشوفة لمن يريد أن يدقق في صحتها.
وماذا عن معمل السيراميك الذي يوشك أن يمسي في خبر كان إن لم نقل أمسى وانتهى الأمر؟
يجيب مدير عام الشركة قائلاً: المعمل في حالة يرثى لها فهو بمثابة كتل من المعدات وآثار القرميد والسيراميك المكسر لكن هذا لايعني بأننا رميناه وراء ظهرنا بل نعمل بالتنسيق المتواصل على إعادة تأهيله أسوة بمعمل الأدوات الصحية وسيطرح للاستثمار أو ما تراه وزارة الصناعة مناسباً لذلك، فهو مغلق منذ حوالي خمسة عشر عاماً تقريباً.
معمل الحديد يراوح
وبالانتقال لشركة معمل الحديد وتعثر الانتهاء من وضعه بالخدمة، كما وعدت إدارته مراراً وتكراراً، وقام وزير الصناعة بزيارته عدة مرات إضافة للمعنيين الآخرين، ولكن لا جديد لجهة أن هناك بارقة أمل في وضعه بالخدمة في فترة قريبة.
حول هذه القضية قال مدير عام الشركة المهندس عبد الكريم موسى: لقد تم إجراء تجارب على الإنتاج وإن لدى الشركة ما بين ال300 -400 طن من الحديد، ومع ذلك لم يتم استلام المشروع حتى الآن فما زالت الشركة الهندية ابولو تقوم بعمليات الإصلاح والتأهيل، مضيفاً بأنه يوجد 65 ألف طن تكفي لتشغيل المعمل لفترة معينة، وعملية التأهيل لم تنته إلى الآن.
وما لم يقله مدير عام شركة الحديد قاله عضو المكتب التنفيذي لقطاع الصناعة بالمحافظة مسعف علواني، إن من أهم المشاكل التي قد تواجه الشركة هي غياب الطاقة الكهربائية وصعوبة تأمين المحروقات.
وهنا لابد لنا من طرح السؤال التالي: إن كانت هاتان الملاحظتان دقيقتين كيف غابت هذه المسألة عن الشركة الدارسة، وكيف تم إنفاق40 مليون دولار لنصطدم بقضية الطاقة الكهربائية أو غياب المحروقات؟..
باختصار توقف العديد من شركاتنا الإنتاجية يؤثر كثيراً على الاقتصاد الوطني، خاصة وأن الحديث يدور حول الإعمار، ويكفي أن نقول أكثر من خمس شركات ومعامل متعطلة عن العمل بحماة، الإطارات، والصوف، والحديد لم يفلح حتى الآن ومعمل السيراميك، فإلى متى تبقى مرمية في ذاكرة النسيان وعمالها يتقاضون رواتبهم وبعضهم الآخر تم ندبه أو نقله والقصة تطول.
ووحده معمل الأدوات الصحية عاد بقوة للإنتاج وبدأت معداته الإنتاجية تغزو الأسواق في كل المحافظات السورية، لكن المطلوب التركيز على الجودة ومخابر الاختيارية بشكل مستمر لما فيها من رصيد لسمعة الإنتاج، أما معمل الحديد فسيبقى الحديث يدور حول إقلاعه إلى أجل غير مسمى.
البعث