أجرى الباحث الاقتصادي "إيهاب اسمندر" دراسة حديثة مؤخرا، تحت عنوان ” زيادة الرواتب وارتباطها مع ارتفاع الأسعار ” قال فيها اسمندر، أن ارتفاع الأسعار؛ مفهوم نسبي يعبر عن ضعف القوة الشرائية لدى الأفراد في مجتمع ما قياساً بمستوى أسعار السلع فيه، بحيث يؤثر ذلك على مستوى الرفاهية لديهم، ويجعل قدرتهم على تلبية احتياجاتهم منخفضة، ولهذا الأمر تداعيات خطيرة على استقرار المجتمع وسلامته.
ثمانية أسباب وراء ارتفاع الأسعار في سورية
أما عن أسباب ارتفاع الأسعار في سورية، في السنوات الأخيرة فيمكن إرجاعه إلى العديد من العوامل:
– تراجع حجم الإنتاج ونقص المعروض من السلع مقارنة بالطلب عليها، بسبب التدمير الكلي والجزئي الذي أصاب معظم المنشآت الإنتاجية، وبسبب إغلاق قسم من المنشآت وانتقال أصحابها للعمل في دول أخرى.
– التراجع الكبير في حجم القوة العاملة بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد وهجرة عدد كبير من الشباب إلى الخارج مع استيعاب أعداد كبيرة أخرى في أعمال مرتبطة بالأزمة، وخروجهم من دائرة الإنتاج.
– زيادة حجم المستوردات السلعية سواء بطرق نظامية أو عن طريق التهريب مما خلق قنوات للتضخم المستورد (خصوصاً مع تراجع قيمة الليرة السورية مما يجعل أسعار المستوردات أعلى وهذا ينعكس على أسعار مبيعها في الداخل لأن التجار يقومون بتقويم أسعار منتجاتهم على الأغلب بالدولار).
– تراجع الثقة لدى قسم كبير من المواطنين بالليرة السورية بسبب تذبذبها الكبير خلال السنوات الأخيرة، مما دفعهم إلى تحويل قسم من مدخراتهم إلى الدولار الأمريكي كمخزن مضمون للقيمة، مما أدى إلى تراجع في قيمة الليرة وهذا بدوره يعني زيادة في أسعار السلع عند تقويمها بالليرة السورية.
– حالة الارتياب التي سادت السوق السورية، دفعت معظم المنتجين والعارضين إلى زيادة هامش سعري إضافي على أسعار المبيع كتحوط لأي تراجع محتمل في سعر صرف الليرة أو حتى لأي ارتفاع محتمل في أسعار مدخلات الإنتاج.
– الاحتكار لدى بعض العارضين وقدرتهم على فرض أسعار أعلى تناسبهم خصوصاً في ظل غياب المنافسة وقلة مرونة الطلب على عدد كبير من السلع.
– انتشار ظواهر أدت إلى ارتفاع تكاليف النقل بشكل كبير والذي انعكس بدوره على زيادة أسعار السلع التي يتم نقلها بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك (التأخير الحاصل على عملية النقل وطول فترتها، تخرب قسم من المنتجات أثناء النقل، وما إلى ذلك من أعمال تؤثر على حجم الإنتاج خلال نقله).
– كما أن سياسات التدخل الإيجابي لم تعط النتيجة المطلوبة منها، أو أن حجم التحدي كان أكبر من إمكانية مواجهته بالآليات المعتادة، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
إذاً إن ارتفاع الأسعار في سورية غير مرتبط فقط بزيادة الرواتب والأجور ومعظم التضخم المتحقق وارتفاع الأسعار الحاصل في السنوات الأخيرة؛ لم يكن لاحق لزيادات في الرواتب والأجور بل يعزى في معظمه إلى الأسباب آنفة الذكر.
بمعنى آخر لم تكن زيادة الأسعار في سورية ناجمة عن زيادة في الدخل أدى إلى زيادة في الطلب الكلي قياساً بالعرض الكلي، بل نجمت حالة ارتفاع الأسعار عن تغير في ظروف التكلفة والإنتاجية نقلت منحني العرض الكلي بمجمله إلى الأعلى (التضخم الركودي).
زيادة الرواتب وزيادة السلع المنتجة لن يرفع الأسعار
عليه؛ لا تعني زيادة الرواتب والأجور زيادة مماثلة في الأسعار ولا عدم زيادة الرواتب والأجور ستؤدي إلى انخفاض الأسعار، لأن موضوع الأسعار في الاقتصاد السوري مسألة مركبة تنتج عن جملة من العوامل والسياسات الحكومية على مستوى الاقتصاد الكلي.
يمكن شرح مفهوم العلاقة بين الأسعار والدخل في الاقتصاد من خلال النظرية الكمية في النقود (معادلة فيشر) فإن مستوى الأسعار يتحدد بكمية النقود النقود المعروضة للتداول مع عدد مرات تداولها (سرعة التداول) من ناحية ومع كمية السلع والخدمات المعروضة (استجابة الجهاز الإنتاجي)، وبالتالي فإنه في حال زيادة الرواتب والأجور وزيادة كمية السلع المنتجة لن يحصل زيادة في الأسعار، والعكس صحيح أي حتى في حال عدم زيادة الرواتب والأجور مع تراجع الإنتاج فسيحصل ارتفاع في الأسعار.
من مساوئ عدم زيادة الرواتب والأجور أنه في حال تطورت معدلات الإنتاجية، فإن استفادة ذوي الدخول المحدودة من الناتج تصبح أقل وبذلك يحصل المزيد من سوء توزيع الدخل القومي، وتتفاقم مشكلة الفقر.
إذا حاولنا محاكاة نموذج رياضي عن الأثر المتوقع لزيادة الرواتب والأجور على ارتفاع الأسعار سنجد أن زيادة بنسبة 100% ستؤدي إلى ارتفاع مستوى التضخم محسوب على أساس مؤشر أسعار المستهلك CPI بنسبة 18%.
من هنا لا بد من النظر إلى السياسات الحكومية بكثير من الاهتمام في حالة دولة مثل سورية، إذ إنه استناداً لما سبق وفي حال عدم تشجيع الإنتاج وزيادته، وعدم معالجة بعض العوامل التي تساهم في ارتفاع الأسعار فإن هذه الأخيرة (ارتفاع الأسعار) قد تكون نتيجة طبيعية لهذه الحالة، كما أن ظروف الأزمة تجعل من قطاع الأعمال في حالة تريث وأحياناً تردد مما يرفع أهمية دور الدولة كباعث للاطمئنان لدى قطاع الأعمال.
يضاف إلى ما سبق، بالرغم من أن القسم الأكبر من العمال السوريين يعملون في القطاع الخاص، لكن المنشآت الخاصة وحتى الكبيرة منها، تضم في أحسن الأحوال بضع مئات من العمال، لذلك فالحكومة هي رب العمل الأكبر، والرواتب والأجور الحكومية هي التي تحدد المستوى العام للرواتب والأجور على صعيد الاقتصاد الوطني ككل.
سبعة مقترحات تساهم في الخروج من التردي الاقتصادي
يمكن تقديم بعض المقترحات التي تساهم في الخروج من حالة التردي الاقتصادي الذي تعيشه سورية:
– إجراء تحليل دقيق دوري للاقتصاد السوري ومعرفة نقاط ضعفه وعوامل قوته والتغيرات الطارئة عليها باستمرار.
– إقامة مناطق إنتاج ببنية تحتية متكاملة بالشكل الذي يخفض تكاليف البنية التحتية في حالة المشاريع المنتشرة عشوائياً، وإقامة مناطق خاصة بالصناعات الصغيرة وخصوصاً ذات الطبيعة التكاملية، مثل هذه المناطق سيكون لها دور في التخفيف من الفقر وفي تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة قدرته التنافسية.
– إطلاق مشاريع ضخمة برعاية وإشراف الحكومة وبتعاون مع القطاع الخاص على أساس تكامل المصلحة الخاصة والعامة.
– تنظيم عملية نقل المنتجات بين المحافظات والمناطق السورية المختلفة بإشراف حكومي، يقلل قدر الإمكان من تكاليف النقل وانعكاسه السلبي على الأسعار وعلى حجم الإنتاج، ودعم برامج تطوير النقل (الجوي، البري، السككي، البحري)، سواء في داخل سورية أو مع الدول الأخرى.
– الاهتمام ببعض المناطق السورية كأقطاب نمو والاعتماد عليها في تحقيق نمو الاقتصاد السوري، ريثما تسمح الظروف باتباع سياسات تنمية أكثر توازن بين جميع المناطق.
– التركيز على زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي بمحتوى تقني عالي لمواجهة الضعف الحاصل في توفر اليد العاملة خلال الفترة المقبلة.
– في ظل أي تعديل لسياسة الرواتب والأجور في سورية يجب لحظ فوارق مهمة بين العاملين على أساس التحصيل العلمي تشجيعاً للتعليم، بما ينعكس على تطوير رأس المال البشري السوري.