خاص B2B-SY
يمسكها بين راحتي يديه يتفحصها، يشمّ رائحتها ويتأكد من بطاقتها الداخلية (made in Germany)، يتمتم «كنزة لاكوست لا تفوّت»، يجادل البائع في سعرها ويناوله 1500 ليرة سورية ثم يخرج سعيدًا بكنزته وهو يتمتم كلمات الأغنية ضاحكا: بالة معاك بالي بالي بالي.
لن يخبر أصدقاءه عندما يخرج معهم في العيد أنه اشتراها من "البالة"، بل سيقول لهم إنها هدية من أقاربه في ألمانيا.
موقع بزنس2بزنس سورية| فاطمة عمراني
حاله كحال الكثيرين في سورية الذين اضطروا بسبب قلة الدخل وارتفاع الأسعار الجنوني، إلى إيجاد حل أمام تأمين الملابس له ولأفراد عائلته، ربما يتساءل البعض هل وصل الأمر إلى الملابس ؟! نعم لقد وصل الأمر إلى هنا فقد أصبح هذا عبء كبير على السوري يضاهي مصروف الطعام وغيره، خصوصاً مع اقتراب حلول عيد الفطر المبارك.
فلم تتوقف شكاوى المواطنين بحسب بيانات الفريق الاقتصادي لموقع "بزنس2بزنس سورية" من ارتفاع أسعار الملابس بصورة خيالية في ظل ركود شديد في حركة الأسواق وبطء في حركة البيع والشراء وتراجع عن معدلاتها الطبيعية مقارنة بالأعياد السابقة، وبات المواطن السوري أمام حل وحيد "البالة".
استيراد "البالة" المزودة بشهادة صحية
يلقى سوق "البالة" أو الملابس المستعملة بدمشق إقبالاً متزايداً مؤخراً، على بضائعه، بسبب غلاء الألبسة الجديدة محليّة الصنع، وانخفاض القوة الشرائية لليرة السوريّة بين يدي الناس، هذا السوق ومنذ زمنٍ بعيد لم يكن ملاذ الفقراء فحسب، وإنمّا الباحثين عن معاييرهم الخاصّة للجودة.
ولم تكن البضاعة المستعملة مرخصة في سوريا قبل عام 2000، ثم ناقش مجلس الشعب في حزيران 2001، إمكانية استيراد هذه الألبسة، وخلص إلى إقرار توصيات بأن تكون مزودة بشهادة صحية تؤكد خلوها من الجراثيم، إضافة إلى أن تحدد الكمية المناسبة وأن يتم استيرادها من عائدات قطع التصدير.
لم تتحول هذه النقاشات إلى قوانين، لتبقى الثياب المستعملة تصل إلى سوريا عبر التهريب، من الإمارات والأردن ولبنان التي غدت في السنوات الأخيرة المصدر الوحيد لها.
وعرف حي القنوات في دمشق والحشيش في حمص و سوق اوغاريت في اللاذقية، والبالة في حلب وحماة، بهذه البضائع
العصر الذهبي للبالة
عصر (البالة) الذهبي كان في ثمانينات القرن الماضي، يومها كانت هذه البضائع الأوربية المصدر تسد النقص الكبير في حاجة السوريين للملابس، بسبب كون الصناعة المحليّة محدودة في ذلك الوقت، واليوم أيضاً، زاد الإقبال على بضائع السوق، نتيجة الضائقة الاقتصادية، وكثرة المهجرين الذين غادروا بيوتهم من جرّاء الحرب، وتركوا وراءهم كل شيء، بما في ذلك ملابسهم، وباتوا يقصدون (سوق البالة) لتوفير حاجتهم منها، لكنّهم يجدون أسعارها غالية مقارنةً بقدرتهم الشرائية المحدودة، إلا أنّ هذه الأسعار تبقى أرحم من باقي الأسواق بحسب تعبيرهم.
وتقول أم محمود (ربة منزل) التي نزحت مع أسرتها من حلب أن محلات البالة ملاذها الوحيد لتستطيع شراء الملابس لجميع أطفالها، في الوقت الذي لا تستطيع مجاراة ارتفاع أسعار الملابس الجديدة، ولأنها لا تستطيع شراء ثياب جديدة كما كان حالها سابقًا، تتجوّل على كافة البسطات الموجودة، تشتري ما هو مناسب لأطفالها وتغسله.
وتضيف: " أبحث عن ملابس تناسب أطفالي، فالأسعار معقولة، بنطال الجينز في محلات البالة الرخيصة يبلغ 1500 ليرة في حين يبلغ سعر البنطال الجديد 5000 ليرة".
الأسعار مرتفعة لكنها أرحم من الألبسة الجديدة
وبحسب الفريق الاقتصادي لـ "بزنس 2 بزنس" يتراوح سعر القمصان والكنزات في البالة ما بين 2000 إلى 5000 ليرة، أما البنطال النسائي أو الرجالي فما بين الـ 1500 إلى 5000 أيضاً، ويرتفع سعر الجاكيت ليبدأ من 8000 إلى 20000 ليرة في بعض المحال.
أما الأحذية فكان لها السعر الأغلى بحجة أنها "ماركات" وتدوم لوقت أطول من الأحذية المنتجة محلياً ووصل سعر بعضها إلى 25000 ليرة سورية.
نصائح للانتقاء الأمثل !!
تقول سعاد (موظفة) للفريق الاقتصادي لموقع "بزنس 2 بزنس" وهي معلمة أن “الكثير من محلات البالة تقارب أسعار بضائعها أسعار الملابس الجديدة، لكن الشراء من البالة يحتاج لخبرة، فهناك محال تعرض ملابس جديدة هي عبارة عن تصافي محلات أوروبية وبأسعار معقولة، ويوجد محال تبيع بأسعار رخيصة ولكن بضائعها قديمة وبالية “.
وتضيف:” من يريد أن يشتري شيئاً جيداً عليه أن يداوم على زيارة المحلات، فالباعة يحضرون بضائع جديدة كل فترة تحتوي تشكيلة واسعة من الموديلات والأنواع”.
وتؤكد أنه على الشخص الذي يشتري من البالة أن ينتبه لعدة أمور “أهمها معرفة مواعيد إحضار البضائع الجديدة، وفحص الملابس جيداً قبل شرائها تجنباً لاحتوائها على عيب ما، ومجادلة البائع في السعر فأغلب الباعة يمكن تخفيض سعر بضائعهم للنصف بعد المجادلة”.
أما هلا (طالبة جامعية) فتنصح بعدم إظهار التمسك بالقطعة أمام البائع، وعدم التسرع في الشراء، والبحث جيداً بين أكوام الملابس لانتقاء أفضلها”، كما تنصح “بعدم شراء الكثير من القطع في زيارة واحدة انما شراؤها على دفعات كون البضائع تتجدد بشكل شبه أسبوعي”.
انتشار محالّ الثياب المستخدمة وإقبال الناس عليها لا يعني أنهم تخطّوا الحاجز الاجتماعي أمام الناس، فمعظمهم يتخفى أو يبحث عن محال بالة في حارات بعيدة عن مسكنه ليخفي ذلك عن المحيطين به، في حين يرى البعض الآخر أنها تجارة رائجة عالميًا ولها أسواق على الإنترنت بل إن هناك جماعات في الغرب تروّج للبالة باعتبارها إعادة تدوير للثياب وتسهم في الحفاظ على البيئة، بالإضافة إلى عدم وجود خطر صحيّ من استخدامها بسبب خضوعها لعمليّات تعقيم في البلد المصدر، ثم يغسلها أصحاب المتاجر مرة أخرى.
البالة الفيسبوكية !!
وأخيراً، غزا سوق الألبسة المستعملة في سوريا العالم الافتراضي، من خلال إنشاء عدة مجموعات عبر موقع "فيسبوك" للترويج لألبسة، أو حاجيّات، يريد أصحابها بيعها، بسبب عدم حاجتهم إليها، بداعي السفر، أو تحت ضغط الضائقة الاقتصادية، هذا النوع من التجارة بات يلقى إقبالاً متزايداً، كأحد الحلول البديلة التي يبتكرها السوريون يومياً، للتعايش مع ظروفٍ قاسية، تفرضها عليهم الحرب، ويجتهدون لدفع أضرارها.