شكّل إطلاق العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) في عام 1999 حدثاً اقتصادياً وسياسياً مهماً في العالم أجمع، خصوصا أن دول منطقة اليورو تمتلك اقتصادات صناعية متقدمة ذات قدرة عالية على المنافسة في مجال الخدمات والإنتاج الصناعي.
وسبق هذا الإطلاق جدل اقتصادي ومالي حول فقدان دول منطقة اليورو قدرتها على خفض قيمة اليورو بعد إصداره عند مواجهة أي أزمة اقتصادية ومالية.
إلا أن الواقع الذي نعيشه في هذه المرحلة يدل على غير ذلك أن العملات الرئيسية كافة في جميع أنحاء العالم، وليس اليورو فقط، تتنافس على تخفيض قيمتها مقابل الدولار الأميركي والين الياباني بشكل أساسي وأخيراً مقابل الجنيه الاسترليني.
الجدير بالذكر هو أن تخفيض قيمة العملة الوطنية هي لعبة خطرة لأن الدول تفقد بذلك مصداقيتها كما أن هذه الخطوة تصبح متوقعة كلما واجهت هذه الدول أزمة مماثلة.
لطالما اعتقدت طوال مسيرتي المهنية أن الاقتصادات العالمية الكبرى لديها نوع من الاتفاق غير المعلن يتيح لكل دولة منها بخفض قيمة عملتها عندما تحتاج إلى ذلك. ويمكننا في الوقت الحالي القول ومن دون أي شك انه تم السماح لدول منطقة اليورو بالقيام بذلك في مواجهة العملات العالمية الرئيسية مثل الدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الاسترليني وذلك مقابل معالجة هذه الدول للفوضى الاقتصادية التي تعيشها. وتأمل هذه الدول في أن يمنح تخفيض قيمة اليورو لها الفرصة لالتقاط أنفاسها خلال عملية إعادة ترتيب أوراقها.
لكن للأسف، فإن الوقت يلعب ضد بعض دول منطقة اليورو في هذه المعركة، بينما مثّل تخفيض قيمة العملة الأوروبية بالنسبة لبعض الدول الأخرى فرصة عظيمة. وخير مثال على ذلك ألمانيا التي استفاد اقتصادها بشكل كبير من ضعف قيمة اليورو حيث تتمتع الصادرات الألمانية بميزة مالية سنوية تصل إلى 100 مليار يورو نتيجة ضعف قيمة اليورو وذلك على الرغم من استمرار الأزمة التي تعيشها أوروبا.
عندما نقارن بين 100 مليار هذه والتسعة مليارات التي تساهم فيها ألمانيا هذا العام في صندوق الإنقاذ الذي تم إنشاؤه لمساعدة الدول الأعضاء في منطقة اليورو مثل إسبانيا واليونان، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل للأخلاقيات مكان في التعاملات المالية؟
تثبت هذه الأرقام أن ألمانيا استفادت بشكل كبير من العملة الأوروبية الموحدة أكثر من أي دولة أخرى بما في ذلك فرنسا. لقد تعرضت مقاربة المستشارة الألمانية للأزمة الأوروبية للكثير من الانتقادات في مختلف أنحاء العالم وفي بعض الأحيان واجهت غضباً من بعض الدول مثل إسبانيا واليونان.
مما لا شك فيه أن حجة الألمان في ذلك، وهم محقون، أنهم ينتجون منتجات عالية الجودة بأسعار تنافسية جداً. وأنا على ثقة بأنه بإمكان الأميركيين واليابانيين قول الشيء نفسه ولكن لماذا لا تحقق صادراتهم نمواً مثل الذي تحققه الصادرات الألمانية؟
أحد الأسئلة التي تطرح حالياً في العالم خصوصاً في أوروبا هو، هل أن ألمانيا مهتمة بالفعل بمصير أوروبا؟ أنا شخصياً لا أعتقد ذلك وهذا هو بالضبط جوهر المشكلة الأوروبية. ماذا سيحدث للصادرات الألمانية إذا تم تفكيك منطقة اليورو وعاد المارك الألماني للأسواق؟ للأسف فإن الإجابة عن هذا السؤال هي في يد بعض السياسيين الأوروبيين غير المُنتخبين الذين يجلسون في مكاتبهم الفاخرة في بروكسل.
لا أعتقد أن اليورو سيختفي ولكنني أؤمن بشدة بوجود عملية تنافسية لخفض العملات الوطنية، وأن قيمة اليورو ستتراجع أكثر وأكثر.
* نائب الرئيس لإدارة الأصول في «ديمة كابيتال»
المصدر: الرأي الكويتية