لم تتغير لعبة القط والفأر بين تجار ومستوردي السلع الأساسية تحديداً ووزارة التجارة الداخلية منذ بداية هذه الحرب الملعونة وحتى الآن، فعلى الرغم من تعاقب وزراء عدة على تولي حقيبة هذه الوزارة الهامة، التي حملت اسم “حماية المستهلك” دون أن يكون له من هذه التسمية نصيب أقله حتى الآن، إلا أن هذه اللعبة ظلت مستمرة وأن بتكتيك مختلف حسب المعطيات والظروف القائمة مع أن التجار باتوا أكثر خبرة في إدارة خيوطها وتوجيهها حسب مصالح جيوبهم وسط اكتفاء الوزارة بموقف المتفرج أو المهدد دون فعل ولن نقول بموجب اتفاق ضمني بين بعض مسؤوليها وحيتان السوق وحتى أسماكه الصغيرة كيلا نتهم بالتجني والتحامل، ليكون المتضرر بطبيعة الحال المستهلك المنتوف الجيب والمكسور الخاطر جراء تآكل راتبه وغلاء الأسعار الهيستيري.
اليوم تتكرر هذه اللعبة، على رؤوس الأشهاد، بحيث بات الصغير و”المقمط” في السرير يدرك فحواها ومراميها، الهادفة حالياً إلى “كسر” ذراع وزارة التجارة الداخلية ودفعها إلى تغير نيتها بتخفيض سعر المتة تحديداً انطلاقاً من فكرة ” أنا المستورد المتحكم في السوق، ومن بعدي الطوفان”، وهو أمر كان لسياسات الحكومات المتعاقبة دورا ً رئيسياً فيه عبر صناعة ملوك أو شيوخاً لهذا الصنف أو ذاك، ما يؤدي إلى تقوية شوكتهم وتعبئة جيوبهم دون المقدرة على رد جورهم وتحكمهم بلقمة العباد في الأزمات بعد أن يصبحوا فراعين بامتياز.
احتكار مادة المتة وسحبها من الأسواق للضغط على وزارة التموين، ثم عودة شركة “كبور” المستورد الأكبر لهذه المادة الأساسية عند السوريين، عن قرارها برفع الأسعار تهديداً ووعيداً كونها المتحكم في سوقها، وإعلانها تالياً الالتزام بقرار الرسمي، يدفعنا للتساؤل عن ما جرى تحت الطاولة بين الطرفين، فهل أصبح فجأة كبور مقتنع بأرباحه بموجب التسعيرة الجديدة بعد ادعاء الخسارة الكبيرة جراء تسعيرة التموين، ولماذا آليات التسعير دوماً يشوبها علامات استفهام كبيرة دون حل معضلتها لحد الآن، على أي حال المهم انتهاء لعبة القط والفأر لصالح المستهلك مع المحافظة على هيبة التجارة الداخلية، بعد تمكنها من استرداد جزء بسيط منها مؤخراً، مع الأمل بأن تعود جميع جولات هذه اللعبة لصالحنا بغية استرجاع بعضاً من حقوقنا كمستهلكين وتعبئة جيوبنا بقروش قليلة تنفعنا وقت الضيق، الذي طال كثيراً.
سينسيريا