تميزت الطبقة الوسطى في سورية بمجموعة سمات ونقاط قوة جعلت منها وحتى عام 2011، القوة الاجتماعية والاقتصادية الأهم في المجتمع السوري، لكن هذا الواقع بدأ يتغير ويتباطئ في النصف الثاني من عام 2011، مع استمرار الحرب على سورية، ليتحول ذلك إلى جملة من المشكلات واجهت السوريين عموماً، وكان للطبقة الوسطى النصيب الأوفر منها، حسب دراسة لمركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد”.
دراسة “مداد” بينت أن ضرار كبير لحق فئات وشرائح واسعة من الطبقة الوسطى وذلك على صعيد ارتفاع تكاليف المعيشة عشرة أضعاف مع بقاء رواتب الموظفين بحدود 28000ليرة سورية، أي أن راتب الموظف المتوسط يجب أن يكون 180000 ليرة سورية، كي يتمكن من العيش في الشروط نفسها التي كان يعيشها قبل العام 2011 الأمر الذي يفسر سقوط شرائح واسعة ممن انتمت تاريخياً للطبقة الوسطى إلى الطبقات والشرائح الفقيرة، ولولا بقايا الدعم الذي تقدمه الدولة في الصحة والتعليم وبعض السلع الأساسية، الأمر الذي حافظ على الحد الأدنى من المستوى المعيشي، لكان وضع هذه الفئات أكثر سوءاً، علماً أن متوسط الدخل هو أحد معايير الانتماء للطبقة الوسطى وليس المعيار الوحيد، كما أن مشكلة البطالة وازدياد أعداد العاطلين عن العمل بصورة تراكمية كان له دور كبير في هذا الواقع، وبذلك بدأت الطبقة الوسطى تفقد أهم عوامل قوتها وتميزها المتصلة بالإقبال الواسع على تعليم أبنائها لصالح عوامل تتعلق بالثروة والكسب والنفوذ ونمط العيش الاستهلاكي بوصفها أولويات وخيارات قيمية وحياتية جديدة.
ويعد النمو الاقتصادي عنصراً لا غنى عنه، في تحقيق إنجازات على مستوى التعليم، وتحسين نوعية الحياة، حسب الدراسة ولا يمكن إنكار دور الدخل في النمو الاقتصادي، فالدخل هو مؤشر مختصر يقيس مدى الحصول على الموارد الهامة لتطوير إمكانات الإنسان وتوسيع خياراته، ويجب حسبانه هدفاً على صعيد السياسة العامة.
وفي إشارة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي لسورية ذكر مداد في دراسته أنه كان في 2010 حوالي 3.2% لينخفض بشكل سلبي عام 2011 إلى -2%. ورغم نجاحات النظام التعليمي النسبية في سورية، لم ينجح في خفض نسب الأمية ونشر التعليم بالرغم توفيره لقطاعات واسعة من السوريين في المدن والأرياف، ولم ينجح أيضاً في التحول إلى محفز للنمو الاقتصادي، وإلى محرك أساس لدفع الإنتاجية وزيادة الدخل القومي، فمردودية الاقتصادية بقيت ضعيفة ولم تنعكس بصورة فعالة على مستوى المعيشة خريجيه أجبروا على البحث عن فرصة أعمال إضافية لرفع دخلهم. وبذلك أخذت النخب المتعلمة تشعر بالهامشية والاغتراب، والعائد من التعليم قد تراجع مادياً واجتماعياً.
وأوضحت الدراسة أنه يجب توسيع قاعدة التعليم والتركيز على نوعيته وارتباطه بحاجات ومستجدات سوق العمل، كي يسهم في رفع الانتاجية، لأن العائد من التعليم هو أحد محركات النمو الاقتصادي المستدام وأحد اهم أهدافه معاً. وتبقى الطبقة الوسطى السورية، على اختلاف شرائحها وفئاتها، ونظراً لما تملكه من امكانيات بشرية ومادية وتعليمية، هي المرشح الأبرز للمشاركة بفاعلية في عملية إعادة البناء والإعمار، ويبقى دورها الأهم، والذي يشكل رهاناً تنموياً ومطلوباً، هو المتصل ببناء قدرات الإنسان السوري لأنه سيكون الخيار الأنجح في صياغة المستقبل، لذلك يجب توسيع فرص النمو الاقتصادي كي تستعيد عافيتها، الذي يعد عنصراً لا غنى عنه لتحسين نوعية الحياة.
المصدر: سينسيريا