خاص B2B-SY
كشف "مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد" عن دراسة و ورقة سياسات صادرة بعنوان "تمويل إعادة الإعمار في سورية الاحتياجات والمصادر المحتملة"
وأشارت الدراسة التي حصل موقع "بزنس2بزنس سورية" على نسخة منها، فإن التقديرات الحكومية ممثلة باللجنة العليا لإعادة الإعمار تشير إلى أن تكلفة الأضرار المباشرة وغير المباشرة للحرب على سورية، على أسس سابقة وليست راهنة، قد وصلت إلى حوالي 43 تريليون ليرة سورية أي ما يعادل ي ما يعادل 83 مليار دولار أمريكي على أساس سعر الصرف المسجل في التاريخ نفسه أي 517,43 ليرة سورية للدولار الأمريكي الواحد، في حين ترتفع هذه القيمة لتصل إلى نحو 195 مليار دولار أمريكي على أساس وسطي أسعار الصرف التي سجلت في نهاية كل عام من أعوام الأزمة من2011 حتى 2016، (221 ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي الواحد)، وبإضافة سعر الصرف الذي سجل في نهاية العام 2010 ترتفع القيمة التقديرية إلى 220 مليار دولار أمريكي (جريدة البعث الصادرة يوم الجمعة في 29 أيلول 2017).
إلا أن الإحصائيات الصادرة عن بعض الجهات المحلية بالإضافة إلى مراكز الأبحاث والمنظمات والمؤسسات الدولية، رغم انخفاض درجة وثوقية هذه الأرقام، تفيد بأن تكلفة الحرب على سورية تتراوح بين 250 و300 مليار دولار أمريكي.
ويمكن تقسيم مصادر التمويل لإعادة إعماء سورية إلى نوعين رئيسين" الأول المصادر الداخلية وتضم: الموارد الذاتية، والاقتراض الداخلي، والثاني: المصادر الخارجية وتضم: الاقتراض الخارجي، الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أموال المغتربين السوريين في الخارج. وسنفصل فيما يلي كل مصدر على حِدَته لبيان مدى الإسهام النسبيّ لهذا المصدر من إجمالي عملية التمويل اللازمة.
أولاً: المصادر الداخلية
1- الموارد الذاتية: وتشتمل على الإيرادات العامة للدولة التي يكون جزءٌ منها مخصصاً للإنفاق الاستثماري. وتشير أرقام الموازنة التقديرية للعام 2016 إلى أن إجمالي الإيرادات العامة قد بلغت نحو 1340 مليار ل.س في نهاية العام المذكور أي ما يعادل 2,6 مليار دولار أمريكي إذ شكلت الإيرادات غير النفطية ما نسبته 51% من إجمالي الإيرادات. بالمقابل بلغ ما هو مخصص في هذه الموازنة للإنفاق الاستثماري 510 مليارات ل.س (ما يعادل مليار دولار أمريكي تقريباً) أي ما نسبته 26% من إجمالي النفقات العامة. ورغم عدم وجود أرقام موثوقة ودقيقة حول حجم التهرب الضريبي في سورية، إلا أن بعض الدراسات تقدر هذا الرقم بـ200 مليار ل.س أي ما يعادل نحو 374 مليون دولار أمريكي.
الإسهام: بفرض استعادة الاقتصاد الوطني لقدراته ما قبل الأزمة، إذ بلغت نسبة إجمالي الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الاجمالي 22.7% في العام 2010، فإن هذا المصدر من التمويل يمكن أن يسهم بمبلغ يتراوح بين 8 مليار دولار أمريكي (إجمالي الانفاق الاستثماري) إلى 13 مليار دولار أمريكي (إجمالي الإيرادات العامة).
2- الاقتراض الداخلي: يمكن للحكومة السورية أن تلجأ إلى الاقتراض الداخلي، من خلال طرح أذونات وسندات للخزينة للاكتتاب العام، من قبل المقيمين وبالعملة المحلية، تشارك بها المصارف السورية لصالحها ولصالح الأفراد والشركات.
و عادةً ما ينحو المواطنون السوريون، بفعل عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية متعددة، إلى ادخار أموالهم على شكل اقتناء للذهب والمجوهرات، أو شراء عقارات، وتشير بعض التقديرات إلى أنها تقارب الــ25 مليار دولار أمريكي. بالمقابل تشير الأرقام والإحصائيات المتوافرة إلى أن إجمالي الودائع من أفراد وشركات لدى المصارف السورية العامة والخاصة بنوعيها التقليدي والإسلامي قد بلغت نحو 2300 مليار ل.س (4,45 مليار دولار أمريكي) في نهاية العام 2016، علماً بأن فائض السيولة لدى القطاع المصرفي قد بلغ في المدّة نفسها 478 مليار ل.س أي ما يعادل نحو 925 مليون دولار أمريكي .
يبين الجدول التالي كيفية توزع الودائع لدى القطاع المصرفي حسب نوع الوديعة ونوع العملة :
ثانياً: المصادر الخارجية
1- الاقتراض الخارجي: يمكن للحكومة السورية أن تلجأ إلى الاقتراض الخارجي من خلال" طرح سندات للخزينة للاكتتاب العام في الأسواق العالمية وبالعملة الأجنبية، و إبرام اتفاقيات للحصول على قروض ميسرة أو تسهيلات ائتمانية مباشرة مع دول صديقة كروسيا والصين وإيران والهند، أو مؤسسات دولية كالبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، أو بنك التنمية الجديد المنبثق عن دول مجموعة البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا)، أو البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي.
أو من خلال عقد مؤتمر دولي للمانحين تشارك فيه دول ومنظمات عديدة يهدف إلى تأمين التمويل اللازم لإعادة إعمار ما دمرته الحرب. إلا أن هذا الخيار يبقى مرتبطاً إلى حد كبير بمدى توافر إجماع وتوافق دولي على شكل الحل السياسي للأزمة في سورية.
كما يمكن أن تكون المصارف الإقليمية والعالمية أحد مصادر التمويل والاقتراض الخارجي من خلال إقراض شركات عالمية، تشارك في عملية إعادة الإعمار، أو من خلال إقراض شركات وجهات محلية عن طريق مصارف محلية وسيطة. إلا أن هذه الوسيلة تبقى الأكثر كلفة بين مصادر التمويل آنفة الذكر بفعل معدلات الفائدة المفروضة ونوعية الضمانات المطلوبة وآلية التسديد المقترحة.
الإسهام: رغم صعوبة تقدير حجم إسهام هذا المصدر للأسباب التي تم إيرادها سالفاً، إلا أنه يمكن افتراض قدرة الاقتصاد السوري بإمكاناته الكامنة على الوصول إلى نسبة اقتراض تتراوح بين 30% و60% من الناتج المحلي الإجمالي المحقق قبل الأزمة والبالغ 60 مليار دولار أمريكي كحد أدنى، أي ما يعادل مبلغاً، يتراوح بين 18 و36 مليار دولار أمريكي.
2 الاستثمارات الأجنبية المباشرة: تشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة أحد مصادر التمويل الهامة لعملية إعادة الإعمار التي يُتوقّع أن تتدفق إلى الاقتصاد السوريّ، ومن المفيد التذكير هنا بأنه قبل الأزمة الحالية وصل حجم الاستثمار الأجنبي في سورية إلى ذروته في العام 2009 بقيمة 2570 مليون دولار أمريكي، إلا أنه عاد وانخفض إلى 1480 مليون دولار أمريكي عام 2010 ثم إلى 804 مليون دولار أمريكي عام 2011 تاريخ آخر بيانات متوافرة حول هذا النوع من التدفقات المالية الداخلة. وتعود الزيادة المتحققة في العام 2009 بشكل أساسٍ إلى الزيادة الحاصلة في استثمارات شركات النفط الأجنبية، إذ ارتفعت قيمة هذه الاستثمارات من (600) مليون دولار أمريكي خلال العام 2008 إلى (1650) مليون دولار أمريكي عام 2009. كما أظهرت نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاً واضحاً طوال المدّة الواقعة بين (2002-2009)، إذ ارتفعت من (0.55%) عام 2002 إلى (4.78%) خلال العام 2009 مسجلة بذلك أعلى نسبة طوال المدّة المذكورة.
يبقى أن نشير إلى أن توجه قسم هام من هذه الاستثمارات إلى سورية، للإسهام في عملية إعادة الإعمار، يتوقف على قدرة الجهات المعنية في سورية على تحسين المناخ العام للاستثمار وجعله أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب من خلال رفع العوائق أمام دخول وخروج هذه الاستثمارات، ووجود نظام للتحكيم لتسوية المنازعات ونظام قضائي عادل وشفاف ونزيه يعمل على حل المنازعات التي تنشأ حول هذه الاستثمارات بأقصر مدة ممكنة وبأقل التكاليف.
الإسهام: بمقارنة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت إلى سورية قبل الأزمة مع حجم الاستثمارات التي استمرت بالتدفق إلى دول المنطقة والجوار لاسيما لبنان والأردن ومصر فإنه من المتوقع أن يتراوح إسهام هذا المصدر بين 3 و4 مليارات دولار أمريكي.
3- أموال السوريين المغتربين في الخارج: تشير التقديرات الرسمية وغير الرسمية إلى أن حجم رؤوس الأموال السورية الموجودة في الخارج والتي تراكمت خلال العقود الخمسة الماضية يتراوح بين 80 و140 مليار دولار أمريكي. ولقد أسهمت الأزمة الحالية من دون ريب، في هروب جزء إضافي هام من رؤوس الأموال السورية إلى الخارج بطرق مختلفة، لاسيما إلى دول الجوار، يمكن تقديره بنحو 20 مليار دولار أمريكي. بعضها أخذ شكل إيداعات في المصارف، وبعضها تم استثماره في مشاريع صناعية وخدمية، كان للخبرة السورية فيها اسمٌ عريق وباعٌ طويل.
الإسهام: بعد أخذ العوامل الموضوعية المتعلقة بخروج رؤوس الأموال للمواطنين السوريين والتي تعود لما قبل الأزمة وتلك المتعلقة بالأزمة الراهنة، فإنه يمكن تقدير حجم هذا المصدر ليتراوح بين 20 مليار دولار أمريكي كحد أدنى، نتيجة عودة تلك الأموال التي غادرت بفعل الأزمة و30 مليار دولار أمريكي، نتيجة القدرة على استقطاب 10% من الأموال السورية الموجودة في الخارج.
يقدم الجدول التالي مقارنة بين مصادر التمويل المحتملة على أساس مدى توافر المصدر، والتكلفة، والاستخدامات، والإيجابيات والسلبيات.
يبين الجدول أعلاه إمكانية جمع مبلغ يتراوح بين 74 و113 مليار دولار أمريكي تقريباً وهو ما يغطي ما بين 38% و58% من تكلفة إعادة الإعمار، وفقاً للتقديرات الحكومية البالغة 195 مليار دولار أمريكي. في حين تنخفض هذه النسبة لتصبح ما بين 30 و45% من تكلفة إعادة الإعمار، إذا ما اعتمدنا على التقديرات غير الحكومية والتي تصل إلى 250 مليار دولار أمريكي وسطياً. مع الإشارة إلى أن هذا الرقم يمكن أن يزداد بشكل مطّرد، بفعل الإمكانات الكامنة للاقتصاد السوري والمتمثلة بالاكتشافات النفطية والغازية في الساحل السوري والتطور المتوقع للقطاع الصناعي بشكل خاص. بالإضافة إلى التمويل الخارجي المتوقع الحصول عليه من قبل الدول والمنظمات المانحة في حال التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية متوافق عليه دولياً.