خاص B2B-SY | فاطمة عمراني
يبلغ التعداد السكاني لسورية اليوم 24.7 مليون نسمة بحسب المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية، وتعاني سورية من مشكلة نمو سكاني تحتاج إلى ضبط وتحكم، فمعدل النمو السكاني فيها يعد من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، والمتتبع لمراحل التحول الديموغرافي في سورية، يلاحظ أن النمو السكاني للمجتمع السوري تميز على مدى القرن العشرين بخصائص مرحلة التحول الديموغرافي من التوازن التقليدي أو السلبي إلى نظام النمو السكاني السريع (الانفجاري).
فهل سكان سورية الـ 24.7 مليون نسمة .. ثروة قومية أم عبء على الاقتصاد الوطني؟
لم يكن ارتفاع نسب السكان يشكل عبئاً على كثير من الدول، إلا في التي لم تدرك أهمية الثروة وتحويلها إلى أداة للإنتاج، كما فعلت دول قارب عدد سكانها على المليار ونصف، كالصين التي تعتبر من أكبر أربع دول عدد سكان بحسب الإحصائيات الرسمية.
ومع تجاوز عدد السكان في سورية حاجز الـ 24 مليون فإن السؤال المتجدد هو: هل هذا العدد من السكان في البلاد يمثل عبئاً على الاقتصاد القومي، أم يمكن الاستفادة من هذا العدد في تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات الخارجية الباحثة عن كوادر بشرية مدربة وأيد عاملة إلى جانب فرص العمل الواعدة، لا سيما في مرحلة إعادة الإعمار التي تمر بها سورية حالياً، بالإضافة للاستفادة من السوريين العاملين بالخارج في زيادة التحويلات بالنقد الأجنبي.
فإذا كانت سورية قد استطاعت في ما مضى أن تستوعب الزيادة السنوية لحجم السكان فيها وتمتص المشكلات السكانية المرافقة لهذه الزيادة، فإن جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى أن ذلك سيكون متعذراً في المرحلة القادمة في حال استمرت الاتجاهات الحالية لوتائر النمو السكاني ومحدداته دون تدخل أو ضبط فعال عبر مجموعة من الإجراءات الكميّة والنوعية المتكاملة فيما بينها، وستتفرع مشكلات اجتماعية واقتصادية ناجمة عن الضغط على الطاقة والمياه والموارد والخدمات وما يستتبع ذلك من ازدياد أو تفاقم ظواهر كالفقر والبطالة والهجرة ..الخ.
70% نسبة البطالة لدى الشباب
من الواضح أن هذا العدد السكاني الكبير لا يتم استغلاله بالشكل المطلوب، حيث تعاني سورية من نسبة بطالة عالية تضاعفت عدة مرات خلال فترة الحرب، وكانت مصادر في المكتب المركزي للإحصاء قد كشفت سابقاً، أنه وبحسب التقديرات تجاوزت البطالة العامة 53%، مؤكدة أنه وبتقدير منطقي وبسيط يعني ذلك أن نسبة بطالة الشباب قاربت 70%، ولفتت تلك المصادر إلى أن مفهوم البطالة تعني أشخاصاً عاطلين عن العمل يبحثون عنه ولا يجدونه!
83,4 % من السوريين تحت خط الفقر
خلص تقرير أعدته كل من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (الاسكوا) وجامعة سانت اندروز إلى أن عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تضاعف 3 مرات تقريبا منذ اندلاع الحرب، وكشف التقرير أن نحو 83,4 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر مقارنة بـ 28 بالمئة في عام 2010، فيما جاءت سورية في المرتبة 45 عالمياً والثانية عربياً من حيث الدول الأكثر فقراً بحسب دراسة قامت بها مؤسسة غرافيك الأمريكية.
وكان البنك الدولي قد نشر تقريراً حول إجمالي خسائر الاقتصاد السوري التي تقدر بـ 226 مليار دولار، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من ست سنوات، مؤكدًا أنه يوجد 6 من بين كل 10 سوريين يعيشون الآن في فقر مدقع بسبب الحرب.
31 % من السوريين غير آمنين غذائياً
أظهر مسح تقييم الأمن الغذائي الأسري 2017 الذي تم بالتعاون المشترك بين المكتب المركزي للإحصاء وهيئة التخطيط والتعاون الدولي ومنظمة برنامج الأغذية العالمي والذي شمل أكثر من 5 ألاف أسرة معيشية في 11 محافظة، أن 31% من السوريين غير آمنين غذائياً مقابل 24.4% آمنين وبمعرض هامشي لانعدام الأمن الغذائي 45.6%.
وبالعودة إلى القطاع الغذائي (الزراعي والحيواني والموارد المائية) نجد أنَّ البنية التحتية لهذا القطاع قد تعرضت خلال السنوات الماضية للاستهداف، فقد دمرت الجسور والطرق والآبار وقنوات الري، وعانى القطاع من نقص كبير في الكهرباء والمحروقات، وبرزت ظاهرة هجرة الأيدي العاملة في الزراعة (نزوح، هجرة داخلية، لجوء) كما أدت الأزمة إلى خسائر جسيمة في الثروة الحيوانية، بسبب تضرر المراعي والنقص في الأعلاف، وقلة الخدمات البيطرية.
كل هذه الصعوبات تعيق تحقيق الأمن الغذائي لهذا العدد الهائل من السكان.
الهجرة .. أرقام مخيفة
وصل إجمالي عدد المهاجرين إلى 5 ملايين و500 ألف لاجئ في الخارج، وبالنسبة لتوزع اللاجئين فإن العدد الأكبر تركز في تركيا بـ 2.9 مليون لاجئ، فيما قارب العدد 300 ألف لاجئ في دول الاتحاد الأوروبي، ومليون لاجئ في لبنان، و675 ألف لاجئ في الأردن، و230 ألف لاجئ في العراق، و117 ألف لاجئ في مصر، فيما توزع 296 ألف لاجئ سوري في دول أخرى.
وتشير إحصائيات تقريبية إلى وجود ما يقارب 6 مليون حالة نزوح داخلية، ويبدو أن العدد الكبير من السكان وتركزهم في مراكز المدن كان سبباً من أسباب الهجرة بالإضافة للسبب الرئيسي وهو الحرب.
لذلك يوصي الدكتور محمد أكرم القش عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية، بأن السياسة السكانية الواجب تنفيذها في سورية في المرحلة القادمة عليها أن تدعم المتغيرات التنموية الضابطة لعملية النمو السكاني المستقبلي والمتماشية مع حركة المجتمع ومسيرته، لأن الدول التي تعتبر الموارد البشرية عبئًا وعائقًا أمام النهوض بالاقتصاد الوطني وتعلق أزماتها على الزيادة السكانية لن ترى المستقبل.
من الواضح أن هذا الضغط السكاني المتزايد يشكل وسيشكل تهديداً حقيقياً للموارد والنظم البيئية في سورية (الأرض المياه والطاقة) وما ستحققه سورية في مجال النمو الاقتصادي والتنموي بصفة عامة قد لا يفي حتى بسداد فاتورة المتطلبات المعيشية والخدمية للمتدفقين الجدد وفق هذا الزخم المتصاعد والمتنامي، وبالتالي سينعكس ذلك حكماً على تراجع المستوى المعيشي الحقيقي أو الفعلي للمواطنين بشكل عام.