خاص B2B-SY
تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنحو 11.12% منذ تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في 20 كانون الثاني عام 2017، لينخفض حالياً إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 4 سنوات، علماً بأنه يتحرك في اتجاه هابط منذ نهاية شهر آب عام 2017، وهذا ما يتضح من الرسم البياني المرفق.
مصدر المخطط البياني: Market Watch
وسط تفاعل العديد من العوامل المؤثرة في سعر صرف الدولار الأمريكي، كان للإجراءات الاقتصادية لترامب (Trumponomics) ذات الطابع العدائي على المستوى الدولي؛ دوراً بارزاً في التأثير على سعر صرف الدولار الأمركي، سيما وأنها ساهمت في رفع مستوى المخاوف لدى المتعاملين في الأسواق المالية، وأسواق العملات بشكل رئيس، لذا كان الدولار أول من يتلقى الضربة، من بين باقي المؤشرات الاقتصادية والمالية، واتضح ذلك بشكل جلي خلال الأسبوع الماضي، إثر إعلان البيت الأبيض نيته فرض ضرائب جمركية تصل إلى 25% على مستوردات الحديد والصلب و10% على الألمنيوم، الأمر الذي أخذ شكل "حرب تجارية" واضحة، استهدفت حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية الأقرب وأكبر شركائها التجاريين في الإتحاد الأوربي والصين واليابان وغيرها من الدول. وقد ترافق ذلك مع نبرة تهديد حادة استخدمها ترامب ضد الاتحاد الأوروبي، مهدداً بفرض ضرائب 25% أيضاً على واردات السيارات الأوربية، في حال لجأ الاتحاد لإجراءات مماثلة.
المخاوف تتصاعد
المخاوف المتصاعدة قادت الدولار الأمريكي إلى مستويات منخفضة خلال الأسبوع الماضي، إذ يتحرك مؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه أمام ست عملات رئيسية؛ قرب مستويات هي الأدنى منذ أربع سنوات تقريباً، ويتوقع استمرار الانخفاض في المدى المنظور نتيجة للمخاوف السائدة بين للمتعاملين في الأسواق اليوم حيال مفاجآت ترامب الاقتصادية.
حملة انتقادات واسعة طالت البيت الأبيض، حيال السياسة الحمائية التي يمضي بها ترامب، بعد إلغاء اتفاقية التعاون عبر الأطلسي (TPP)، ومناقشات الانسحاب من اتفاق (NAFTA) مع كندا والمكسيك، الأمر الذي دفع كبير المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترامب، غاري كون، للاستقالة منذ أيام، وهو المدافع عن حرية التجارة، والذي ترأس المجلس الاقتصادي الوطني.
أغلب المراكز البحثية والوسائل الاعلامية وشريحة واسعة من الخبراء وصفوا ما يحدث بالحرب التجارية، فمعهد (Brookings) وصف قرارات ترامب الأخيرة بـ"السياسة التجارية العدوانية"، في حين تحدث مجلس العلاقات الخارجية (CFR) عن "تكاليف الفوضى" لقرارات ترامب، بينما وصف معهد (CATO) حمائية الأمن الوطني بحسب ترامب بأنها سوف تفتح صندوق الشرور في العالم.
نظرياً، وبحسبة بسيطة بناءاً على البيانات الاقتصادية الأمريكية، فإن فرض رسوم بمقدار 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم، يوفر نحو 9.15 مليار دولار أمريكي، كتعرفات جمركية جديدة، في حال عدم تغير الطلب على تلك المادتين (نظراً لعدم توفر بيانات عن المرونة)، إذ بلغت واردات الصلب عام 2017 نحو 29 مليار دولار، والألمنيوم نحو 19 مليار دولار (نحو 2% لمجموع المادتين من الواردات الأمريكية البالغة نحو 2.89 ترليون دولار)، وهذا الوفر لن يغطي أكثر من 1.62% من العجز التجاري الأمريكي، البالغ 566 مليار دولار خلال العام 2017، ما يطرح السؤال التالي: هل تستحق تلك النسبة الشحيحة لتغطية العجز التجاري الأمريكي شنّ حرباً تجارية على المستوى الدولي تهدد الحلفاء والشركاء التجاريين للولايات المتحدة؟
أهداف غير معلنة
عملياً، إن الهدف من تلك الإجراءات الترامبية على ساحة الاقتصاد السياسي الدولي هي أكبر بكثير من مجرد تحصيل 9.15 مليار دولار لن تغطي أكثر من 1.6% من العجز التجاري الأمريكي، إذ تتفاعل تلك الإجراءات على المستويين الاقتصادي والسياسي العالمي.
فيما يخص الجانب الاقتصادي، يمكن التعامل مع تلك القرارات على أنها تهدف إلى تخفيض العجز التجاري الأمريكي عن طريق منح الصادرات الأمريكية ميزة تنافسية قوية بتخفيض سعر صرف الدولار الأمريكي أمام العملات الأجنبية الأمر الذي سنعكس على كلفة الصادرات الأمريكية إلى الأسواق الخارجية، كما يحدّ من حجم الواردات باتجاه أمريكا، لزيادة كلفتها بعد تخفيض الدولار، وعلى ما يبدو هذا الهدف يستحق حرباً تجارية لدى ترامب، الذي يمضي في سياسة واقعية هجومية تسيطر عليها نزعة شعبوية متهورة.
ويعيدنا ترامب بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، عندما قاومت إدارة خلفه، باراك أوباما، مساعي الصين لتخفيض قيمة اليوان، نظراً للدفع الذي يقدمه ذلك للصادرات الصينية، بعد أن تصبح أقل كلفة في الأسواق الخارجية، ووصف ما يحدث آنذاك بما يشبه المساعي لحرب تجارية، الأمر الذي يتجاهله ترامب صراحة، باتباع حمائية تجارية تستهدف تخفيض قيمة العملة، دون اعتبار للتكاليف، التي لم تهدأ وسائل الاعلام الأمريكية والعالمية وهي تحذّر منها، وأقلها على المستوى الاقتصادي، ارتفاع تكاليف الانتاج في الصناعات الأمريكية التي تستخدم الصلب والألمنيوم، وبالتالي أسعارها، وانخفاض قدرتها التنافسية لجهة السعر.
اللعب بالنار
سياسياً، الموضوع يأخذ أبعاد جديدة على المستوى الدولي، خاصة لجهة نبرة التهديد الحادة التي يستخدمها ترامب، وخاصة حيال حلفائه وشركائه التجاريين، ومن المتوقع أن تزيد التوترات، وربما تتجه الدول والتكتلات الكبرى لإجراءات مماثلة، الأمر الذي دفع بالبيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي ليصدر تصريحات رسمية بأن "كندا والمكسيك، وربما دول أخرى، قد تُستثنى من رسوم الاستيراد الأمريكية على واردات الصلب والألومنيوم استنادا إلى اعتبارات الأمن القومي"، وهو ما أعطى الدولار دفعاً نسبياً للارتفاع خلال تعاملات يوم الخميس، لكن وسط حذر، إذ إن المخاوف لا تزال في تصاعد، ما يؤشر لانخفاضات أكبر من المستهدفة للدولار الأمريكي، قد تتضح ملامحها خلال الأيام القادمة، فرد الفعل الصيني حتى الآن لم تبرز بشكل واضح، وهي المشتري الأكبر للديون السيادية الأمريكية، ولا ننسى أن هيلاري كلينتون خلال زياتها الأولى كوزيرة خارجية إلى الصين في شباط 2009 قالت على الملأ "الصين وأمريكا يصعدون ويهبطون معاً. اقتصاداتنا متشابكة جداً"، وروّجت للسندات السيادية الأمريكية عبر التلفزيون الصيني بالقول "إنها استثمار جيد وآمن". لذا فإن ردّ الفعل الصيني من شأنه أن يوضح أكثر اتجاهات الدولار الأمريكي، في حال أصرّ ترامب على عدم استثنائها من قراراته الحمائية، الذي يبدو أنه يهوى اللعب بالنار وسط الهشيم في الساحة الدولية.