خاص B2B-SY | فاطمة عمراني
بالرغم من توجيهات وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد الله الغربي لمراقبي التموين بالإلتزام بعملهم وتطبيق مبدأ "حماية المستهلك" على أرض الواقع، إلا أن الشارع السوري كان له رأي آخر حول التزام مراقبي التموين بمهامهم.
بالرغم من كل الجهود الجبارة التي يبذلها وزير التموين و وزارة التموين والتجارة الداخلية للحد من الفاسدين والمرتشين، إلا أن ذلك لم يمنع البعض من مراقبي التموين مواصلة هوياتهم و أعمالهم في تحصيل قبض الرشاوي من بعض التجار وأصحاب المحلات الفاسدين وما أكثرهم في أسواقنا
ففي ظل تلاعب بعض التجار بأسعار كافة السلع في الأسواق السورية وعدم قدرة بعض مراقبي التموين على ضبط الفلتان الحاصل، تتعالى أصوات هؤلاء المراقبين للمطالبة بنسبة من رسوم الغرامات المالية المستحقة على المخالفين أسوة بمراقبي الجمارك، في حين يؤكد بعض رواد تلك الأسواق لـ "بزنس 2 بزنس" أن "كتير عليهم رواتبهم" معتبرين أن الرشاوي التي يتلقونها تساوي رواتب أربع أو خمس موظفين على أقل تقدير.
حيث يقول أبو علي (عامل) لـ "بزنس 2 بزنس" أن كلمة التموين أصبحت مرادفاً لكلمة الرشوة، كما أن بعض مراقبي التموين أصبح يمتلك اليوم مبالغ مالية طائلة جعلته "يقبر الفقر" على حد تعبيره !!
الجمارك تحتاج خرزة زرقاء!!
منذ فترة وجيزة، بدأت أصوات مراقبي التموين وموظفو وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تتعالى مطالبة بذات ميزات خفير الجمارك الذي يحظى بنسبة قانونية من مجمل البضائع المهربة التي يقوم بمصادرتها في حين لا يحصل زميله مراقب التموين على أي ميزات مشابهة رغم تشابه آلية العمل، واعتبر مراقبو التموين أن منحهم نفس ميزات الجمارك سيساهم في تشجيعهم وحثهم على العمل، بالإضافة للحد من حالات الرشاوي المتداولة "في الخفاء".
لكن يتساءل مراقبون عما إذا كانت النسبة التي لربما سيتلقاها مراقب التموين قد "تملأ جيبه" كما تملأ الرشوة جيوب بعض مراقبي التموين، واعتبر البعض أن الحل الوحيد العادل للأمر يكمن في معاملة الجمارك أسوة بالتموين وليس العكس أي حرمان الجمارك من نسبها المالية العالية لكونهم هم أيضاً مقصرين بمهامهم والدليل على ذلك البضائع المهربة التي تملأ السوق.
وفي حديثه لـ "بزنس 2 بزنس" أشار حمزة (تاجر خضار في سوق الهال) إلى أن بعض مراقبي التمويني أصبح يرتدي نظارة سوداء سميكة تمنعه من رؤية المخالفات، وتلك النظارة تتناسب سماكتها طرداً مع مبلغ الرشوة الذي يضعه التاجر في جيبه.
ويضيف حمزة: "نحن مضطرون لدفع الرشاوي لأن "العلقة" مع بعض مراقبي التموين ليست بالأمر السهل، وأنا شخصياً أفضل أن أدفع للمراقب مبلغاً شهرياً لكي أتفادى شره".
الرشوة أحسن من خربان البيت!!
يبرر بعض مراقبي التموين تلقيهم للرشاوي أنهم يرأفون بحال المخالفين "المعترين" حيث يرون أنه لو دفع المخالف 10 آلاف ليرة، بدلاً من دفع 25 ألف وهي قيمة بعض المخالفات، فهذا سيفيد كلا الطرفين المخالف والمراقب.
وتبدأ غرامات التموين بـ 25 ألف ليرة لتصل إلى مبالغ تفوق الملايين، حيث تبلغ غرامة بيع سلعة بسعر أو ربح أعلى من السعر المحدد لها 25 ألف ليرة، ويماثلها الإعلان عن سعر السلعة بغير الليرة السورية.
ويعاقب بالحبس من شهر إلى شهرين مع دفع غرامة من 30 إلى 60 ألف ليرة من تاجر بمواد إغاثية مقدمة من قبل الدولة أو المنظمات الانسانية، كما يغرم بدفع مبلغ 150 ألف ليرة سورية من امتنع عن إعطاء فاتورة بالمواد المباعة للزبائن، ويعاقب بالحبس ما لا يقل عن 3 أشهر ودفع مبلغ يتراوح ما بين 100 إلى 300 ألف من يخدع المتعاقد بطبيعة السلع ومن يتاجر بسلع غير مطابقة للمواصفات القياسية، كما يعاقب بالحبس سنة مع دفع مبلغ مليون ليرة من يحتكر السلع ويخفي المواد الأساسية بهدف التأثير في السوق.
لذلك يفضل التجار المخالفون إرضاء بعض مراقبي التموين بـ "قرشين" بدلاً عن دفع قيمة المخالفة والتعرض للحبس ومصادرة البضائع المخالفة.
"عين المواطن" يخيف المراقبين لكنه لا يردعهم عن الرشوة
غير تطبيق عين المواطن الذي أطلقته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لون وجوه بعض مراقبي التموين وخاصة بعد تأكيد الوزير الغربي إمكانية إرسال أي مواطن لصور المخالفات عبر التطبيق وبالتالي فضح المراقبين المرتشين، حيث قال الغربي: "رح تلاقوا مين يراقبكم ويتابع عملكم باللحظة، لنشوف أديش رح يكون عدد المراقبين الفاسدين فقد رأيتهم بأم عيني في الشعلان".
حيث لم تعد الشكاوى التموينية محصورة ببثھا عبر الهاتف الأرضي، فقد أصبح في إمكان المواطن السوري إرسالها عبر جواله من خلال تطبیق شبیه بالواتساب في خطوة وصفھا الوزير الغربي بالانطلاق نحو العالمية.
ويعتبر ھذا التطبیق فاضح لعدد المخالفات وأنواعھا، من خلال تخزین قاعدة بیانات تعطي عدداً لا متناھیاً من الإحصاءات المختلفة بعدد المخالفات المرتكبة سواء بحق محل ما، أو محافظة ما، أو شھر معین من خلال كبسة زر.
ولكن يبدو أن هؤلاء المراقبين يحتاجون لعقوبات رادعة وأشد قسوة من قبل الوزارة حيث لا زالت المخالفات منتشرة بشكل فاضح في جميع الأسواق السورية، وعندما يهدد المواطن التاجر بالشكوى يجد التاجر رده الجاهز "أعلى ما بخيلك اركبه".
أصبح من المتعارف في المجتمع السوري أن أول خبرة يكتسبها التاجر هي كيفية وضع الرشوة في جيب بعض مراقبي التموين، ومع أن الجهود التي تبذلها وزارة التجارة الداخلية واضحة للعيان لكنها بالرغم من ذلك لا تكفي لردع المخالفات والرشاوي المنتشرة في الأسواق، ولا زال بعض مراقبي التموين يجمعون ثرواتهم من جيوب المخالفين من التجار لكن على حساب "قوت المواطن".