في 22 كانون الأول من عام 2016 نفضت المدينة عن جبينها غبار الإرهاب، عام ونصف انقضت على عودة الأمان لمدينة حلب، لكن هذه الأيام المنصرمة لم تكن كافية لإعادة دوران العجلة الاقتصادية والصناعية لما كانت عليه قبيل اندلاع الحرب.
خلال السنوات السبع الماضية خسرت سورية معظم أصحاب المهن لأسباب مختلفة، منها البحث عن الأمان أو الهجرة أو البحث عن مصدر رزق أفضل، الأمر الذي انعكس سلباً على القطاع الاقتصادي. النتيجة كانت نقصاً كبيراً في الأيدي الحرفية الخبيرة.
وتزداد معاناة المواطن السوري في حلب كما في باقي المحافظات، نتيجة الضغوط اليومية، والتي ترافقها رحلة البحث المستمر عن محل للإيجار.
ومع تعرض أصحاب المهن للاستغلال المعلن، باتت هناك تساؤلات كثيرة يطرحها الشارع الحلبي، خصوصاً بعد زوال التهديدات المتمثلة بالقذائف التي حولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق. بدأ الناس بالعودة مجدداً لبيوتهم ومحلاتهم التجارية، فمنهم من وجد محله متضرراً بشكل جزئي، فقام بتصليح ما أمكن لمزاولة مهنته، وبعضهم من صُدم بالواقع الجديد ولم يجد إلا ركاماً أشبه بملح الطعام، ما اضطره لإعادة النظر في المنطقة التي تتناسب مع عمله، ليبدأ رحلة البحث لاستئجار محل ليعاود عمله. بالمقابل كانت الأسعار المرتفعة هاجساً أمام بعض الصناعيين وأصحاب المهن الحرة.
استغلال علني
على خط التماس الذي بقي شاهداً حتى الآن على الخراب الذي خلفته المجموعات المسلحة، في منطقة الميدان وبلسان أحد الحرفيين، يقول موريس طبّاخ : «الحالة يرثى لها قبل وبعد الحرب، لقد تعرّض محلي الواقع في منطقة بستان باشا، مثل عشرات المحلات الأخرى، إلى الانهيار بشكل كلي بعد أن سيطرت المجموعات المسلحة على الحي، ما اضطرني للبحث عن محل في منطقة آمنة». وفي منطقة الميدان استطاع العثور هو وزملاؤه على مبتغاهم، لمزاولة عملهم في مهنة تصويج السيارات الموروثة عن أجدادهم، لكن الأسعار كانت لهم بالمرصاد، فمحل تجاري بمساحة تكاد تصل إلى 8 م2، يدفع أجاره 250 ألف ليرة سورية كل ستة أشهر، أي ما يعادل 40 ألف ليرة شهرياً، ناهيك عن ضريبة الدخل والنظافة، ويضيف موريس طباخ بأنهم كانوا يستأجرون المحل عام 2013 بمبلغ 15 ألف ليرة شهرياً، موضحاً أن انخفاض سعر الإيجار كان بسبب توتر المنطقة التي يفصل بينها وبين منطقة بستان الباشا شارع واحد، وهو الشارع المشهور باسم «شارع البرج». إذ لا أحد يرغب باستئجار محل في منطقة متوترة شهدت في تلك الفترة سقوط الكثير من القذائف، لكن اليوم مع عودة الأمان وما يرافقه أيضاً من ارتفاع مستمر لأسعار الإيجارات، وانقطاع مستمر في التيار الكهربائي، اضطره للاشتراك مع باقي الحرفيين في «الأمبيرات»، التي ضرب تجارها عرض الحائط بكل قرارات تنظيم عملها، رغم صدور قرار لجنة المحروقات القاضي بتنظيم تسعيرة الأمبيرات بحساب ساعات التشغيل، فمن المسؤول عن ذلك؟!
1300 ليرة للأمبير الواحد
وصلت أسعار الأمبيرات وسطياً إلى حوالي 1300 ليرة سورية، أسبوعياً للاشتراك بالأمبير الواحد، ولمدة 6 ساعات في اليوم الواحد. وتختلف تسعيرتها من منطقة لأخرى، وباتت المدينة التي تعد أقدم مدينة مأهولة بالسكان تحوي في أحيائها، (ومن أشخاص مجهولين وبدون أي رقابة)، على مولدات كبيرة لا يوجد لدى من يستثمرها ما يثبت حق ملكيته لها، وكانت الكلمة الفصل لأصحاب المولدات بقولهم الدائم: إن من يضيء المدينة هم أسيادها.
إبراهيم خوري مستأجر لمحل صالون نسائي في منطقة العزيزية يقول : «إن عدم وجود أي خيار لدى المواطن الحلبي، الذي لاحول له ولا قوة وأمام حاجته القصوى للتيار الكهربائي تجده يرضخ للأمر الواقع»، وأضاف: «تحتاج معداتي الكهربائية إلى 8 أمبيرات لزوم تشغيلها، وذلك مثل غالبية المحلات المجاورة لي، حيث بلغ سعر الأمبير الواحد 1500 ل.س، لذلك يستوجب علينا دفع حوالي 12 ألف ليرة سورية أسبوعياً، أي ما يعادل 48 ألف ليرة سورية شهرياً، مضيفاً أن صاحب المحل أخبره بتعديل الأجرة الشهرية ليرتفع سعر إيجار المحل من 40 ألف إلى 80 ألف، بداية هذه السنة «ضربة وحدة»، وأن أسعار إيجارات المحلات المجاورة له ارتفعت أضعافا أيضاً.
استبشروا خيراً
مع التحسن الملحوظ خدمياً قبل شهر رمضان المبارك، ومن باب «تفاءلوا بالخير تجدوه»، وتوقّع لعهد خدمي جديد، عمد بعض الأهالي إلى إلغاء اشتراكاتهم بشكل كامل في هذه المولدات في حين ذهب البعض لإبقاء الاشتراك، لكن مع تخفيض عدد الأمبيرات بهدف التوفير المادي.
المواطن الحلبي «المعتر» كان له الحق أن يفرح، وله كل الحق أن يؤجل فرحه ريثما يتلمس النتائج المرجوة، مثلما عانى من ارتفاع أسعار السلع الضرورية يوماً بيوم، وأحياناً ساعة بساعة خلال السنوات الماضية مع استغلال أصحاب النفوس الضعيفة عقب سماعهم خبر إغلاق المتنفس الوحيد طريق خناصر – حلب.
من جانب آخر، مع بداية شهر رمضان المبارك، شهدت مدينة حلب تقنيناً حاداً في المنظومة الكهربائية، وسط استغراب المواطنين من سوء الواقع الكهربائي تزامناً مع الحر الشديد، قرابة عشرة أيام حتى اللحظة، الحال كما هو من دون ورود أي تفاصيل من الشركة العامة للكهرباء في مدينة حلب. ولوحظ في الأسبوع الفائت انقطاع التيار الكهربائي عدة مرات ولمدة طويلة في النهار لأسباب غير معروفة.
لا يبدو أي شارع من شوارع حلب العاصمة الاقتصادية لسورية مألوفاً على سكانها القدامى، فالارتفاع الجنوني الذي تشهده أسعار الإيجارات وانقطاع التيار الكهربائي، مع غياب أي ضابط إنساني أو أخلاقي أمر مقلق للجميع هنا، بمن فيهم المواطنين وبالأخص أصحاب المهن والصناعيين، الذين يجب أن يكون تشجيعهم على العودة للإنتاج بغير هذه الطريقة، فاليوم نحن بحاجة ملحة لتسريع عجلة دوران الاقتصاد وتخفيض نسبة البطالة، والاستعداد التام لمرحلة إعادة الإعمار التي تحتاج إلى جهود مضاعفة من كل مؤسسة وفرد، ليبقى السؤال الأهم: ألم يحن الوقت لوضع الحد للمستغلين بلقمة المواطن الحلبي؟! بدءاً من الإيجارات، وتأمين الوضع المشجع للحرفيين بمتابعة أعمالهم، وقيام شركة الكهرباء بوضع خطط وحلول استراتيجية بعيدة المدى، لتقوم بمهامها ما دام القانون منع غيرها من توليد وبيع الطاقة!!
المصدر: صحيفة الأيام