خاص B2B-SY
خلصت دراسة أعدها " مركز دمشق للدراسات والأبحاث مداد" بعنوان " الميزان التجاري السوري في ربع قرن" إلى تحديد مواضع الخلل البنيوي، المتأصل، في قطاع التجارة الخارجية، والذي كان له دور سلبي في النمو الاقتصادي، إذ عانى الميزان التجاري من عجز مستمر على مدى 21 عاماً من المدّة المشمولة في الدراسة، ما يشير إلى عدم نجاح محاولات تحرير الاقتصاد في دعم النمو الاقتصادي عبر قنوات التجارة الخارجية، تحديداً قطاع التصدير، وعجزها عن تغيير العقلية السائدة التي تحكم العمل في القطاع، والقائمة على إيجاد أسواق للمنتجات المحلية، بغض النظر عن جودتها، بدلاً من التخطيط للإنتاج بناءً على دراسات الأسواق الخارجية، لتلبية متطلبات الأذواق والجودة فيها، وهذ ما يشكل أحد أبزر المعوقات الداخلية لقطاع التصدير في سورية.
ووفقا للدراسة التي حصل عليها موقع "بزنس2بزنس سورية" فإنَّ نتائج تقييم أداء التجارة الخارجية، عبر مجموعة من المؤشرات والمقاييس المعتمدة في الدراسة، أعطت صورة عن مستوى الخلل في قطاع التجارة الخارجية ودوره السلبي في النمو الاقتصادي طوال المدّة المدروسة، ويمكن تلخيص أبرز نقاط الخلل في التجارة الخارجية بما يأتي:
• يوجد خلل بنيوي في قطاع التجارة الخارجية، يترجمه عجز مستمر في الميزان التجاري، على مدى 21 عاماً من أصل 25 عاماً، يعكس بدوره عجز محاولات تحرير الاقتصاد بعامة، والتجارة الخارجية بخاصة، عن الحدّ من ذلك الخلل، أو معالجته، هو ناجم عن العقلية التي تحولت إلى عرف في التجارة الخارجية، يقوم على إيجاد أسواق للمنتجات المحلية، بغض النظر عن جودتها، بدلاً من التخطيط للإنتاج، بناءً على دراسات الأسواق الخارجية، لتلبية متطلبات الأذواق والجودة فيها، وهذ ما يشكل أحد أبزر المعوقات الداخلية لقطاع التصدير في سورية، ولا تشكل تجربة تصدير الحمضيات طيلة الأعوام الماضية إلا مثالاً حيّاً لتلك المعوقات، وللعقلية السائدة في إدارة التجارة الخارجية.
• تُلاحظ هشاشة التوازن في الميزان التجاريّ؛ بسبب التركز الجغرافي والقطاعي، قبل العام 2004، ونتيجة اعتماده على عائدات تصدير النفط الخام بالدرجة الأولى، ثم على تصدير الأغذية والنباتات والتوابل والحيوانات الحية فيما بعد العام 2004.
• يُلاحظ وجود درجة تركز (التركّز) عالية في جانبي التصدير والاستيراد، لكن المشكلة تبرز بشكل أكبر في جانب التصدير القائم بصورة رئيسة على المواد الخام والصناعات الاستخراجية بما فيها النفط، كمكون رئيس، ثم الأغذية والمزروعات والتوابل والحيوانات الحية.
• لا تعكس قيمة الصادرات قدرة الجهاز الإنتاجي، كما لا تحظى التجارة الخارجية السورية بأهمية نسبية في التجارة العالمية، ولا في التجارة العربية، نظراً لإسهامها المتواضع جداً.
• يُلاحظ تخلف المنتجات المصدرة مقارنة بالمستوردة، والزيادة في سعر كيلو المستورد عن سعر كيلو المصدر.
• لا توجد ميزات تنافسية مهمة في أيّ قطاع من قطاعات التجارة، باستثناء بعض الحالات في مراحل محددة، ولصناعات استخراجية بحتة (النفط بشكل رئيس)، والتي لا تملك أية قيم مضافة في التصنيع، ومثلها، مواد زراعية وأغذية وحيوانات حية، وهذا ما لا يمكن حسبانه ميزة تنافسية حقيقية.
• إنَّ الأداء السلبي للتجارة بنيويّ مرتبط بعوائق داخلية في قطاع التصدير، تحدّ من قدرته في تحسين أداء التجارة، ودعم النمو الاقتصادي؛ ذلك بسبب التأثير السلبي له في إجمالي الناتج المحلي.
• يُلاحظ قصور الإنتاج المحلي عن تلبية الطلب الداخلي، وبالتالي ضعف مؤشر الاكتفاء الذاتي، نظراً للاعتماد على المستوردات لتلبية أكثر من ربع الطلب المحلي.
يضاف إلى ذلك نقاط خلل أخرى، على أساس متابعة واقع التجارة الخارجية، في سورية خارج نطاق المؤشرات المعتمدة في الدراسة، يمكن إيجازها بغياب الشفافية في العملية التجارية، تحديداً في غياب بيانات دقيقة عن الصادرات والمستوردات، نظراً لعدم الإفصاح عن الأسعار الحقيقية للمستوردات والصادرات من قبل المستوردين والمصدرين للتهرب من الرسوم والضرائب وعدم الإفصاح عن حجوم أعمالهم الحقيقية، والتخوف من تعهدات قطع التصدير، وعودة تطبيقه في أي وقت، يساعدهم في ذلك وجود تغطية للعديد من مخالفاتهم في بعض الجهات الحكومية، رغم وضوح آلية الاستيراد والتصدير، تحديداً لدى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، إضافة إلى تدني في مستوى الخدمات اللوجستية، والفساد الموجود في بعض مفاصل العمل الجمركي.
ووفقا للدراسة التي إطلع عليها موقع "B2B-SY" فقد اقترحت مداد العمل على اتجاهين متوازيين، لمعالجة الخلل في قطاع التجارة الخارجية والانتقال به إلى قطاع مُسهم بشكل رئيس في النمو الاقتصادي، والحدّ من الفقر:
يتمثل أولهما بتعزيز قطاع التصدير، كما هو محدد في الاستراتيجية الوطنية للتصدير، التي أقرتها الحكومة السورية في شهر آذار 2018:
إذ اقترحت الخطة مجموعة من الحلول المهمة لمعالجة مشكلات التصدير بشكل جذري، يستلزم خطة عمل على المدى القصير والطويل، منها تحديد الأدوار المطلوبة من الجهات المختلفة (وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، إضافة للمصرف المركزي) بشكل واضح ومكتوب، بغية دعم تشجيع الصادرات وتأمين التسهيلات المصرفية اللازمة لإتمام دورة الانتاج التشغيلية، والترويج للصادرات السورية في الخارج، وتسهيل نفاذ المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية عن طريق الخطط التسويقية والترويجية، وتعزيز كفاءة الخدمات اللوجستية، وضمان كفاية الأنظمة والسياسات والأطر لدعم جودة المنتج السوري، وتطوير برامج دعم وتمويل التصدير، وإنجاز تحول تدريجي في هيكل الصادرات ينتقل من الأنشطة القائمة على استخدام الموارد الطبيعية إلى التكنولوجيا المتوسط، وأخيراً إلى صادرات عالية التكنولوجيا، وتشجيع إقامة شركات متخصصة بتصدير المنتجات بهدف الاستفادة من وفورات الحجم، تحديداً تلك المتخصصة بتصدير المنتجات الزراعية، بالإضافة إلى دراسة آلية سير العملية التصديرية المعمول بها حالياً، وتحديد مواطن الضعف الموجودة لا سيما ما يتعلق بتدفق الوثائق والمراحل الزمنية لإنجاز المعاملات والكشف على البضاعة وإخراجها؛ ذلك بهدف وضع مخطط سير عملية تصديرية تلتزم به كافة الجهات المعنية، وهنا اقترحت وزارة الاقتصاد إنشاء نافذة واحدة، إلكترونية، للتصدير.
وثانياً، اعتماد التجارة القائمة على سلسلة العرض في سورية كمدخلٍ موازٍ لتعزيز التصدير، وصولاً إلى تمكين التخصص الرأسي، بإحلال ذكي لبعض المستوردات، من أجل تحسين ظروف التجارة الخارجية، وتفعيل دورها الداعم للنمو الاقتصادي، إذ إن التجارة القائمة على سلسلة العرض تتيح للبلدان فرصة استغلال مزاياها التنافسية دون الاضطرار إلى تطوير صناعاتها المتكاملة رأسياً التي توفر للمنتجين السلع النهائية من المدخلات الوسيطة التي يحتاجون إليها، وتتيح فرصاً جديدة للبلدان منخفضة الدخل لكي تصبح جزءاً من المصنع العالمي، ويتطلب تيسير تلك التجارة تدابير تتجاوز خفض تكاليف التجارة العالمية.
إضافةً إلى دراسة التشريعات والأنظمة والقرارات المتعلقة بالاستثمار والتجارة والصناعة والتمويل والضرائب والتأمين، بغية ضمان توافقيتها مع نهج التجارة القائمة على سلسلة العرض والتجارة الرأسية.
واقترحت الدراسة إحداث مكتبٍ في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية متخصّص في التجارة القائمة على سلسلة العرض والتجارة الرأسية، بحيث يتولى أمور الدراسات المتعلقة بها، وتحديد العوائق أمام سلسلة العرض، وتحديد متطلبات إزالتها، كما يتابع عمليات التنسيق مع الجهات المشتركة، بين القطاعين، العام والخاص، لضمان عدم التضارب في المصالح، وسير العملية في الاتجاه المخطط له.
كما اقترحت الدراسة توسيع الاستراتيجية الوطنية للتصدير، لتصبح استراتيجية وطنية للتجارة، بحيث تلحظ أهمية العمل باتجاه تمكين التجارة القائمة على سلسلة العرض والتخصص الرأسي، بالترافق مع تفعيل الصناعات التصديرية وإصلاح الخلل في قطاع التصدير، بحسبانه قاطرة رئيسة للنمو، بالإضافة إلى التركيز على خيارات تحسين مؤشرات الأداء اللوجستي، بدلاً من خفض الرسوم الجمركية فقط، والعمل على تخفيض تكاليف التجارة المباشرة وغير المباشرة، وتقليل المخاطر، وتحسين شبكة النقل والبنية التحتية والاتصالات، والتركيز على العوائق التي تؤثر سلباً في سلسلة العرض، للحدّ منها، وإزالتها، وفق مخطط جدي حاسم، تحديداً فيما يتعلق بكفاءة وشفافية الإدارة الحدودية والفساد في الجمارك، وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير، وإلغاء ترشيد الاستيراد الذي فتح التهريب على مصراعيه، وإعادة النظر بإجازات الاستيراد، وسياسات القطع الأجنبي في ما يتعلق بالتصدير على المدى الطويل... وغيرها من الإجراءات التي تسهّل التجارة بالاتجاهين، مع ضمان منافسة عادلة بين الأطراف المشاركة في سلسلة العرض، وعدم حدوث احتكار، والعمل على إشراك المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سلسلة العرض والتجارة الرأسية.