في مقابلة خاصة مع وزير المالية مأمون حمدان، تطرقت من خلالها لمواضيع تهم شرائح واسعة من الشعب السوري مثل مكافحة الفساد، ومسألة زيادة الرواتب والوضع المعيشي، كذلك تمت مناقشة قانون البيوع العقارية والمخاوف بشأنه، بالإضافة إلى تصريحات الوزير التي أثارت جدلاً في وسائل الإعلام.
نحن نشعر بأن مكافحة الفساد مجرد شعارات تطرحها الحكومة منذ أربعين عاما وحتى الآن؟ فبحسب مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2018، جاء ترتيب سورية في المرتبة الثالثة عالمياً لأكثر دول العالم فساداً من أصل 180 دولة؟ ما هو ردك على هذا التقييم؟ أين هي مكافحة الفساد؟ علماً بأن هذه المؤشرات أخذت بها وزارة التنمية الإدارية.
في الواقع لا أعتقد أن هذه المؤشرات معترف بها، فهذه الجهات الدولية التي تقيّم كثيراً تعتمد على مؤشرات ومعايير هي تضعها، فالفساد موجود في مختلف أنحاء العالم ولكن تختلف المستويات والنسب، فطالما أن هناك إنسان وهذا الإنسان بطبعه حر، فبالتالي قد يكون جيدا أو سيئا، والمهم أن يكون هناك أجهزة رقابية رادعة لعمليات الفساد، وقبل الردع يجب أن نجفف منابع الفساد المختلفة.
سيادة الوزير نحن نقصد هل زاد الفساد في سورية أم انخفض، فإذا كنا لا نعترف بمنظمات دولية….؟
أنا لا أقول بأنني لا أعترف بمنظمات دولية، ولكن هذه المنظمة الدولية وضعت معايير من أجل تصنيف دول العالم وفق معاييرها، وأنا لا أنفي أنه ليس لدينا فساد، فلو لم يكن لدينا فساد لما وظفنا هذه الساعات في مجلس الوزراء، وكان موضوعاً وحيداً لدى كل الوزرات، وأخذ رأي كل وزير كيف نعمل لمكافحة الفساد، والحقيقة أن العديد من مظاهر الفساد موجودة شئنا أم أبينا ولا حاجة لأحد أن يقنع الناس بأن الفساد موجود، المهم في وزارة المالية أولاً أن نمنع الفساد من خلال توضيح المراسيم.
هل تعتقد بأن القوانين تمنع الفاسدين من الفساد؟ ما هي المعايير التي يمكن أن توضح بأن الفساد انخفض في سورية؟
إذا كان الحديث عن وزارة المالية هذا كلام سليم، بالطبع الفساد انخفض، وهناك قوانين ستظهر وسينخفض أكثر فأكثر، لأنه فيما يتعلق بالضرائب هناك 27 مرسوما وقانون ونص تشريعي موجود عبر الزمن منذ 1949 وحتى اليوم، والآن هناك لجنة تشريعية لجعل كل ذلك قانوناً واحداً يفهمه كل الناس، فالفساد يأتي عندما يصعب على المكلف الذي يجب أن يدفع الضريبة فهم هذه القوانين، فهو يلتجأ إلى ذلك الموظف أو الخبير أو المعقب ومن هنا تفتح المنافذ للفساد، لكن عندما يكون هذا التشريع واضحاً للجميع لا يمكن لأي موظف أن يستغل جهل الآخرين في ذلك، هذا حل من الحلول لسد منبع من منابع الفساد، بالإضافة إلى ذلك يجب أن تعطى الأجهزة الرقابية الصلاحية كاملة.
سيادة الوزير، أليس الفساد مكشوفاُ في دوائر المالية؟ كيف سنقنع المواطن بأنه ليس هناك فساد؟ وهو يلمس ذلك من خلال الرشاوى؟
من الذي يدفع الرشوة؟ المواطن، المواطن مقتنع عندما يضطر لكي يدفع رشوة من أجل عملية معينة، فهو ليس بحاجة للإعلام أو لنا لأشرح له بأن هناك فسادا، ولكن يجب على هذا المواطن أن يتبع الأصول القانونية، لماذا هو يضطر إلى دفع رشوة؟ ومكتب الوزير مفتوح منذ اليوم الذي توليت فيه الوزارة، وليس هناك أي شخص لم أقابله، طالما أنه أتى من أجل قضية معينة تخص وزارة المالية، وقد تمت المتابعة سواء في الجمارك أو المصارف أو دوائر المالية.
يعني إذا كان هناك حالة فساد، يستطيع المواطن أن يدق باب الوزير مباشرة؟
نعم، وعلى العكس أنا أبحث عن ذلك.
هل هناك حالات فردية تمت معالجتها؟ لماذا لا يكون هناك قائمة سوداء بأسماء الفاسدين؟
في الواقع تم إنهاء تكليف العديد من الأشخاص ومنهم معاونو وزير وليس فقط موظفين. وهذا ظهر على وسائل الإعلام المختلفة، كما تم حل العديد من الإشكالات الموجودة وبالفعل ضمن القوانين والأنظمة، حيث وجدنا أن هناك بعض الأمور القانونية التي بحاجة إلى تطوير، فطورناها لأنها كانت غير واضحة، وتعدلت العديد من التشريعات منعاً لأي خلل، والآن كل مديريات المالية في سورية هي تحت المراقبة اليومية سواء على الهاتف أو التقارير، وأنا أتلقى الشكاوى رغم أني وزير ولدي أعباء كبيرة، وبالفعل أطلع على هذه الشكاوى وأعالجها ليس بالضرورة بنفسي ولكن هناك ملخصا للشكوى والمعالجة وأقيمها بعد ذلك. ويساعدني بها المعاونون. وأنا أتمنى من كل المواطنين أن لا يدفعوا الرشاوى لأن مشكلتهم مهما كانت ستحل طالما أنها بالقانون، وإن لم تكن قانونية حتى لو دفعوا الرشوة سيكتشف ذلك لاحقاً.
المواطن مضطر لدفع الرشاوى فهو ليس وزيراً؟
مكتب الوزير مفتوح، وأسأل الآن من هو الشخص الذي لم نقابله حتى اليوم ورفض الوزير ذلك منذ اليوم الأول لي هنا وأنا مسؤول عن كلامي.
الجميع يتفق أن زيادة رواتب الموظفين عامل أساسي في مكافحة الفساد، هل توافق على هذا الرأي أم أن لديكم رؤية أخرى؟
هذا الكلام صحيح من حيث المبدأ، فالفقر بالدرجة الأولى قد يفتح أبواب الفساد، مهما كانت الأمور، فأنت الآن تتحدث بعد أكثر من سبع سنوات ونصف من الحرب على سورية، مع ذلك الدولة قادرة على رفع الرواتب، ولكن هناك دعم اجتماعي يقدم ليس فقط للموظفين وإنما يدعم كل المواطنين، وهذا الدعم يكفي لزيادة الرواتب 200% وليس 100% على الأقل، والحكومة قادرة على ذلك إذا توقف الدعم الاجتماعي، ونقصد بالدعم الخبز والكهرباء والمشتقات النفطية فقط، فهذه يخصص لها 4 مليار كل يوم، أي1400 مليار سنوياً، في حين أن الرواتب والأجور تبلغ بالمتوسط مع التعويضات نحو 1000 مليار، ولكن إذا أردت زيادة الرواتب فالتعويضات لن ترتفع كلها بنفس النسبة، يعني أنت تتحدث عن الزيادة 100% فستكون الزيادة بحدود 700 مليار، وأنت لديك دعم اجتماعي بحدود 1400 مليار، أي أصبحت الزيادة 200% لو أردنا ذلك. ولكن هل توافقون على وقف الدعم الاجتماعي؟ إذ أن زيادة الرواتب ستكون فقط للموظفين الحاليين الموجودين على رأس عملهم، ماذا نقول للموظفين أو القادرين على العمل ولا يجدون فرص عمل؟
في تصريح لك منذ أيام تقول فيه أن الرواتب الشهرية في الدولة تعادل ثلث الموازنة العامة وفي حال زيادتها 100% فهذا يعني أنها ستأخذ ثلثي الموازنة من دون أن يبقى شيء للخدمات الأخرى، هل هذه حجة الحكومة الجاهزة لعدم زيادة الرواتب بشكل منطقي، وفي المقابل تعاني مدن وأرياف سورية من نقص حاد في الخدمات؟
في بداية الحديث تحدثت عن أن الحكومة تعد الموازنة بعد اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، والتي تناقش بعد ذلك في الحكومة وتصدر كموازنة وكخطة عمل ثم تناقش في مجلس الشعب ويتم التصويت عليها، ونحن نحدد مسبقاً أين سنوظف هذه الأموال، وهو عمل منهجي بحت، فقد كانت الموازنة العامة للدولة لعام 2018 بحدود 3187 مليار ل.س، في حين أن الرواتب والأجور تبلغ أكثر من 1000 مليار لأنها تدفع أجور للعاملين في القطاع الاقتصادي والإداري وبالإضافة إلى الرواتب المختلفة التي فرضت على الدولة تسديدها، كذلك لدينا معامل مدمرة وكنا ندفع الرواتب والأجور للعاملين وهم في بيوتهم.
زيادة الرواتب تهم الناس فهذا الموظف لديه عائلة
شيء طبيعي، ونحن نحترم هذا الموظف وترفع له القبعة أنه خلال الحرب بقي على رأس عمله، لا محالة يجب أن يتم زيادة الرواتب، ولكن هل يعني زيادة عدد الورقات التي يحملها الموظف في يديه؟ هل هذا المقصود في زيادة الرواتب؟ أم أننا نريد زيادة حقيقية للرواتب؟ الزيادة الحقيقية تأتي من أمرين: الأول، زيادة الإنتاج وخفض الأسعار، فحتى لو أبقيت الرواتب على حالها وخفضت الأسعار فهذا يعني أن الرواتب زادت بشكل حقيقي، أما الحل الثاني أن تزيد عدد الوحدات النقدية التي يقبضها الموظف، والحلان الآن موجودان على طاولة مجلس الوزراء، وزيادة الرواتب يتم الاستعداد لها.
هل هناك جدول زمني لزيادة الرواتب؟
لا، وفي الواقع أنتم تظلمون وزارة المالية ووزير المالية لأنه لا يزيد الرواتب، فزيادة الرواتب هذه عبارة عن سياسة اقتصادية وبالنهاية سيصدر مرسوم في هذا الوضع وكل الجهات على إطلاع وعلى معرفة وليست بحاجة أن تقول الناس بأن الراتب لا يكفي وهو أمر مفروغ منه، ولكن أنت الآن مطلوب منك أن تنفق من أجل حماية الوطن، وبالمقابل زيادة الرواتب لا محالة ستأتي وأنتم تعرفون بأن المرسوم الذي صدر شمل العسكريين من الجيش، والبعض يقول بأن الموظف العادي يضحي ونحن نقول هذا صحيح بالطبع، لأنه يتحمل الكثير وأنا شخصياً أوجه له التحية بأنه صبر خلال كل هذه الحرب.
هل تكفي التحيات لتحسين حياة الموظف. سيادة الوزير؟
بالطبع التحيات لا تكفي الموظف، ولكن أنا لست بحاجة أن أشرح لكل الناس بأننا في حالة حرب، علينا أن نتكاتف جميعاً وأن نعود لمكافحة الفساد لأنها ستؤدي لا محالة إلى تمكين الحكومة من زيادة الرواتب، فعندما نحصل الآن على الضرائب الصحيحة من المكلفين وحتى من القطاع الخاص، فالبعض تضرر في هذا القطاع فكما يطالب الموظف بزيادة الرواتب، نجد أن المكلفين في الضرائب من أصحاب الأعمال يطالبون الدولة بإعفائهم من الضرائب، تخيل هذين الأمرين؟ الموظف يطالب بزيادة الرواتب، وذاك يطالب بالإعفاءات؟، من الطبيعي أن هناك معامل تضررت وتهدمت والآن نحن نساعدها بالأنظمة والقرارات وبالبلاغات لإعادة بناء المعامل.
هناك تصريح لحاكم مصرف سورية المركزي دريد درغام يقول بأن راتب الموظف يجب أن يكون 300 ألف ل.س لكي يشتري منزل عندما يكون الحد الأدنى لشراء منزل هو 20 مليون ل.س، ما رأيكم في هذا الكلام؟ هل من المعقول أن يبلغ التضخم 10 مرات، وتتضاعف الأسعار 10 أضعاف في حين لا يتجاوز راتب الموظف 30 ألف ل.س؟
السيد الحاكم ينطلق في ذلك، من أنه عندما يريد المواطن أن يحصل على قرض من أجل تمويل عملية الشراء والاقتطاع بالمقارنة مع راتبه الحالي، ومن الطبيعي عندما يكون سعر المنزل بهذا الرقم، فأنت لست بحاجة، مع احترامي للسيد الحاكم، إلى إنسان يوضح لك كل هذه الشروحات، بأن هذا الراتب لا يكفي لشراء منزل ولكن ماذا تفعل الحكومة الآن؟ الحكومة من خلال لجانها المختلفة ووزارة الإسكان تبحث حلاً عبر بناء مساكن بدعم حكومي من أجل تخفيضها وتقسطيها على السادة المواطنين، ومن جهة ثانية في حال زيادة الرواتب سيكون المواطن أكثر قدرة على شراء منزل.
في العودة إلى تصريح الحاكم يقول فيه أن لدى الحكومة ،ولم يقل فقط المصرف القدرة على تخفيض قيمة الدولار إلى 200 ل.س، لكن ما يمنع ذلك هو التخوف من مضاعفة الأثرياء وتجار الأزمة لثرواتهم؟ هل هذا يعني أن لدى الحكومة القدرة على تخفيض قيمة الدولار لكنها لم تفعل طيلة الأزمة؟
أنت تعلم بأن سعر الصرف في الحقيقة إما أن تقوم أنت كجهة وصائية حكومية بالسيطرة عليه أو تركه للتوازن الاقتصادي.
ماذا نفعل كحكومة نسيطر عليه أم نتركه للتوازن؟
الحكومة لديها لجان متابعة وتتابع بدقة هذا الأمر، لأن سعر الصرف تماماً مثل «الضغط» ولو أني لست طبيباً، فالضغط عندما يرتفع ارتفاعاً كبيراً فهو مضر بالصحة وعندما ينخفض بشكل مفاجئ يضر أيضاً، كذلك يضر تغير سعر الصرف بالاقتصاد الوطني، لذلك يجب أن يكون هناك توازن إذا أردنا تخفيض سعر الصرف بشكل اقتصادي فيجب أن يكون على مراحل، بحيث لا يتأثر الاقتصاد الوطني.
صحيفة الأيام السورية