تواصل فكرة دمج المصارف العامة في سورية قائمة وقيد البحث، فهي تخفف من حجم الترهل والنفقات غير المبررة، وهنا يتبنى فريق حكومي فكرة تحويل المصارف العامة إلى شركات مساهمة مغفلة مملوكة كاملة للدولة، بينما يذهب فريق آخر لإحداث قانون خاص لإدارة المصارف العامة يطور آلية عملها.
الدكتور عابد فضلية ، يوضح أن فكرة دمج المصارف الحكومية في سورية ليست المرة الأولى التي يتم طرحها، ومن يقرر ذلك فنياً هم إدارات المصارف، فيمكن أن يصبح عدد المصارف مصرفين أو 3 بدلاً من 6، إذ إن التوزع الجغرافي لـ 3 مصارف يفيد العمل المصرفي، كما أن سيولة هذه المصارف تغدو أقوى، ويكون هناك توحد في الإدارة والرؤى.
ويطرح فضلية إنشاء مصرف لذوي الدخل المحدود مع تقديم كل أنواع الخدمات المصرفية سواء توفير أو تسليف شعبي، دون أن يشمل الدمج المصرف الزراعي بسبب طبيعته الخاصة، ، لذا يمكن أن يكون لدينا في المرحلة الأولى 4 مصارف مستقلة، زراعية وعقارية ولذوي الدخل المحدود، ومصرف تجاري صناعي، بحيث تتشكل قاعدة لمرحلة ثانية من الدمج.
كما يقترح فضلية دمج مصرفين بهدوء وروية كتجربة أولى حتى لا يحدث ضغط على الجهات المشرفة على المصارف، فالدمج مكلف لكنه ممكنٌ ويعطي نتائج على المدى المتوسط والبعيد، وإذا صار الدمج السليم يفترض أن يقدم إيجابيات، ولن يؤدي إلى استفادة المصارف الخاصة، ومن الممكن أن تكون المصارف شمولية، أي أن يصبح المصرف الصناعي والعقاري مصرفان شاملان.
من جهته، يطرح علي كنعان (الأستاذ في كلية الاقتصاد – جامعة دمشق)، بقاء المصرفين التجاري والعقاري على حالهما، ويظل المصرف الزراعي كذلك على وضعه مقابل دعم مالي كبير له، في حين تدمج المصارف الثلاثة الأخرى في مصرف واحد كالصناعي والتوفير والتسليف الشعبي، يسمى مصرف التنمية الصناعية ليأخذ دوراً في تمويل الأنشطة الحرفية والصناعية وذوي الدخل المحدود، وأكثر دول العالم التي سبقتنا وتطورت في هذا المجال ركزت على مصارف التنمية الصناعية، مثل كوريا وماليزيا وتركيا.
يشير فضلية إلى أن الدمج يغدو سيئاً إذا كان غير مدروس، فتنتقل سلبيات المصرفين المندمجين إلى المصرف المحدث، لذلك يفترض حل مشاكل المصارف قبل دمجها مع بعضها البعض، .أما كنعان أشار أن ما يمنع الدمج هو التجارب الفاشلة السابقة التي نفذتها الحكومة في القطاع العام مثل دمج مؤسسات التجارة الخارجية ومؤسسة الخزن والتسويق مع مؤسسة التجارة، وكانت عمليات الدمج عشوائية وسريعة من دون أخذ الأوضاع السابقة بعين الاعتبار، فأبقوا كل شركة على وضعها وأصبحت هناك إدارة مشتركة للجميع، أما الدمج الناجح فيفترض دمج القطاع الوظيفي كاملاً وإحداث هيكل هرمي جديد، فيتم تحديد مسؤولية فروع المصرف الجديد المرتبطة بهذا الهيكل، نافياً أن يلعب التضخم دوراً هنا، وإنما الأساس هو تحديد المسؤوليات والصلاحيات.
يرى علي كنعان بأن الحل الأفضل من دمج المصارف وإبقاء المصارف الحكومية هو تحويلها إلى شركات مساهمة يكون للدولة حصة كبيرة فيها (أكثر من 30)، ويكون لها دور فاعل في إدارة هذه المؤسسات المالية، على أن يدخل فيها القطاع الخاص بملكيته وإمكانياته الكبيرة، بحيث تبقى الدولة موجودة، وهنا يمكن أن ينطلق المصرف التجاري السوري ويتخلص من القيود الروتينية والإدارية، وعادة ما تكون غير مشجعة، في حين يحتاج المصرف إلى أنظمة بعيدة عن الروتين.
تأتي جميع الاقتراحات المتعلقة بعمل المصارف العامة في إطار إعادة هيكلة معظم الجهات العامة، لكن هل يمكن أن تنجح المصارف سواء بدمج أو من دون دمج؟؟ دون تطوير آلية عملها، ومحاربة الفساد الإداري والروتين القاتل وتحسين رواتب الموظفين والمدراء، الذين لا يتجاوز سقف رواتبهم بعد سنوات طويلة من الخدمة 50 ألفاً، في حين يحصل مدراء في مصارف القطاع الخاص على أكثر من 500 ألف ل.س!!