يبدو أن الإعلان الذي أطلقته الحكومة مع بداية العام الحالي" سورية خالية من المهربات" لم يشمل الجميع و إنما الذي بدأ واضح من إنطلاق الحملة أن المستهدف هم صغار المهربين و التجار و الباعة و تتغافل او تتجاهل حيتان التهريب.
إذا بالرغم من التصريحات والتنديدات و الحملات إلا ان الواقع يبدو مختلفاً للمراقبين الذين يتساءلون: ما زالت الأدوية تدخل تهريباً وتحجز لنفسها مكاناً في السوق السورية، وكذلك الحال بالنسبة للمواد الغذائية وكل أنواع المشروبات الكحولية، والألبسة وغيرها الكثير... فكيف يمكن الاقتناع بجدوى الحملة، وهي ما فتئت تستهدف صغار المهربين وحلقاته النهائية من الباعة والتجار الصغار، فيما تغض الطرف عن الحيتان الذين يواصلون ممارسة هواياتهم بتهريب ما لا يخطر ببال، "وعلى عينك يا جمارك" حتى أن الإسمنت مازال يدخل إلينا تهريباً... فعن أي حملة تتحدثون؟
نشطت في الآونة الماضية حملات ضد تجار دمشق لمصادرة البضائع مجهولة المصدر من الأسواق، بعد التحذيرات العديدة من الحكومة من أن اقتناء المواد المهربة، تحت طائلة تعرض المخالفين للمحاسبة القانونية بالإغلاق والسجن والغرامة المالية، إضافة لحجز جميع المواد الغذائية وغير الغذائية مجهولة المصدر، والموجودة بطرق غير قانونية في الأسواق والمحال التجارية (سوبر ماركت، مستودعات، مولات) وتحت تهديد المخالفين بإغلاق المحال المخالفة لمدة شهر بغض النظر عن الكمية المخالفة ونوعها.
تقارير عديدة تشير بحسب ما نشرته صحيفة " الأيام" السورية، إلى أن الحملة التي أعلنتها الجمارك ما زالت انتقائية، بمعنى أن بعض المحلات والمستودعات والصيدليات وغيرها تستهدفها الحملة بلا رحمة، فيما تعج بعض المولات والمستودعات التابعة لنافذين يتم التغاضي عنها حتى الآن.
يؤكد رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع " أن ظاهرة التهريب أصبحت ملموسة في الأسواق على كافة المستويات ابتداءً من البسطة مروراً بالمحلات وصولاً إلى المولات، وفيها أصناف تنافس المنتج المحلي، لافتاً إلى أن المهرِّب لا يميز بين المنتج الوطني أو ذاك المهرب، لأن همّه الربح فقط حيث يحضر البضائع عبر أي وسيلة من الوسائل التي تخدم مصلحته دون التفكير بالاقتصاد المحلي والأضرار التي يسببها.
تحاول "الجمارك" ذرّ الرماد في العيون، وتشير إلى جهودها في مكافحة التهريب، لكنها لا تصطاد كبار المهرّبين، بل تبحث عن الفتات، وعن الذين لا يشكّلون سوى الحلقة النهائية في عمليّات البيع والشراء، أي تجّار المفرّق.
وتبيّن الأرقام الصادرة عن "الجمارك" أن إيراداتها بلغت خلال العام الماضي 150 مليار ليرة، وهي أرقام لا تعبّر إلا عن جزء يسير من حجم الاقتصاد السوري في مرحلة الحرب، كما تعبّر في الوقت ذاته، عن حالة الفوضى التي تشهدها الأسواق.
ويعلّق عضو غرفة تجارة دمشق منار الجلاد الحملة الأخيرة فيقول "نحن ضد التهريب ومع مكافحة الظاهرة، ولكن لن تنتهي هذه المشكلة إلا من خلال السماح باستيراد ما يأتي تهريبا، مشيراً إلى أن للأسواق حاجة، وفي حال عدم تأمينها بشكل نظامي ستؤمن بشكل مهرب".
تبيع الحكومة الكلام لمواطنيها، حول نيّتها مكافحة التهريب، لكن الواضح في كل ما يقال هنا، أن المسؤولين يتحدّثون عن ضرورة مشاركة الشعب بجهود مكافحة التهريب، وهو الخطاب المتناقض دائما وأبداً، فالوزراء الذين تحدّثوا عن معرفتهم وبالاسم لكبار المهرّبين، والشبكات التي يديرونها، غير قادرين على الاقتراب منها، فيرمون الكرة في ملعب الناس البسطاء الذين في أفواههم الماء، وقد أعيتهم الحرب.
وكان وزير المالية مأمون حمدان قد أكد في تصريح سابق له، أن هناك من يحمي المهرّبين، والأسماء معروفة بالنسبة لنا، مبيناً أن التهريب يستنزف 80% من موارد خزينة الدولة.