حين أعلنت شركتان عقاريتان من الإمارات العربية المتحدة عن مشروع كبير في مصر الشهر الماضي كان هذا أكبر من مجرد دفعة للسوق العقاري المصري.. كان علامة على عودة الاستثمار عبر الحدود في هذه المنطقة.
وقالت مجموعة الفطيم وشركة إعمار العقارية إنهما توصلتا إلى اتفاق مبدئي لاستثمار نحو خمسة مليارات جنيه مصري (820 مليون دولار) في بناء مجمع "كايرو جيت" على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي.
وسيتكون المجمع الذي سيبنى على مساحة 160 فدانا من مركز للتسوق ومساحات للمكاتب الإدارية وفندق فخم ومدارس ومراكز طبية ووحدات سكنية.
وبعد عام ونصف من اندلاع انتفاضات الربيع العربي في أجزاء كبيرة من منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا عادت الدول التي تأثرت بالاضطرابات إلى اجتذاب رأس المال الاجنبي للاستثمار في الأوراق المالية والاستثمار المباشر في المصانع والعقارات.
ومازالت هذه العملية غير مكتملة وتسير بخطى مترددة إذ مازالت الأوضاع الاقتصادية قاتمة في كثير من البلدان. فمصر على سبيل المثال تواجه عجزا في ميزان المدفوعات قد يسبب انخفاضا في قيمة عملتها ودفعها لطلب قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
لكن في بعض الدول مثل البحرين ومصر وليبيا والمغرب وتونس واليمن هناك علامات على أن المستثمرين يشعرون بعودة قدر كاف من الاستقرار السياسي للبدء في البحث عن فرص استثمارية.
وقال عدنان أحمد يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية البحرينية "هناك قدر جيد من الاهتمام بالاستثمار في شمال افريقيا" مضيفا أن الاهتمام لا يقتصر فقط على القطاعات التقليدية مثل البنوك والعقارات.
وقال يوسف الذي يرأس أيضا اتحاد المصارف العربية إن من بين مواطن الاهتمام الجديدة قطاعات البنية التحتية والصناعات الاستهلاكية وحتى الترفيه.
وسيناقش أكثر من 20 من مديري الشركات والمسؤولين من أنحاء المنطقة آفاق وفرص الأعمال في قمة رويترز للاستثمار في الشرق الأوسط وهي سلسلة من المقابلات التي ستجرى في الفترة من 18 إلي 21 نوفمبر تشرين الثاني في أكثر من ست مدن عربية.
ووجهت انتفاضات الربيع العربي ضربة شديدة للاستثمار في الدول الأكثر تضررا. فقد تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية نحو 50 بالمئة العام الماضي وخرجت من البلاد استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 483 مليون دولار. ويقارن هذا مع تدفقات قدرها 6.39 مليار دولار في 2010 وفقا لبيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات.
وتظهر أحدث أرقام ميزان المدفوعات أن الصورة بدأت تتحسن. فقد أظهرت بيانات البنك المركزي تباطؤ صافي تدفقات استثمارات المحافظ المالية إلى الخارج إلى 456 مليون دولار في الربع الثاني من هذا العام من 1.58 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وسمح ذلك بقفزة بلغت 56 بالمئة لمؤشر البورصة المصرية منذ بداية العام حتى الآن مما يجعل القاهرة إحدى أفضل الأسواق أداء في العالم.
وقال شريف سالم مدير المحفظة بشركة أبوظبي للاستثمار إن صعود الأسهم المصرية توقف في الأسابيع القليلة الماضية حيث أدرك المستثمرون حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد ومن بينها الحاجة لخفض عجز الميزانية من خلال تخفيض الدعم وهو قرار صعب من الناحية السياسية.
وقال سالم "لم نصل بعد إلى الحد الذي يمكننا أن نقول إن كانت مصر قد تجاوزت المرحلة الصعبة أم لا.. هناك بالتأكيد فرص كثيرة لكن الفرص ليست واقعا بعد."
غير أن هناك بوادر قوة تظهر في قطاعات استثمارية أخرى في مصر. وقالت شركة جونز لانج لاسال للاستشارات إن انتخاب الرئيس محمد مرسي في يونيو حزيران أعطى دفعة لعدد من القطاعات.
وقال تقرير للشركة في أكتوبر تشرين الأول "مع العودة إلى مناخ أكثر استقرارا من الناحية السياسية وفي عهد حكومة ترحب بالاستثمارات نرى تزايدا لثقة المستثمرين والمستهلكين."
ويتعافى الاستثمار الأجنبي المباشر في بلدان كثيرة. وقالت وكالة النهوض بالاستثمار في تونس إن البلاد إجتذبت 1.48 مليار دينار (931 مليون دولار) في الأشهر التسعة الأولى من 2012 بزيادة قدرها 27 بالمئة عن الفترة المقابلة من العام الماضي. ويقل هذا الرقم وحدا بالمئة فقط عن الفترة المقابلة من 2010 قبل الربيع العربي.
وقال مسعود أحمد مدير ادارة الشرق الاوسط واسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي ان بعض المستثمرين يتوقعون ان يعطي الربيع العربي دفعة للاقتصادات في الاجل الطويل مع بذل الحكومات الجديدة الديمقراطية جهودا اكبر لخلق الوظائف وخفض الفقر.
واضاف قائلا "هؤلاء المستثمرون يدركون حقيقة ان الفرص في المنطقة في الاجل المتوسط تبقى مواتية جدا."
وأحد أكبر التطورات في اعقاب الربيع العربي هو بروز الدول العربية الخليجية كمستثمرين كبار في شمال افريقيا وهو ما يعوض جزئيا هبوطا في الاستثمارات الغربية ناتجا عن المشاكل الاقتصادية في اوروبا والولايات المتحدة.
وستساعد اسعار النفط المرتفعة -التي يدعمها بين عوامل اخرى التوترات السياسية في المنطقة- مصدري الخام في الشرق الاوسط على تسجيل فائض مجمع في موازين المعاملات الجارية سيبلغ حوالي 400 مليار دولار هذا العام وهو ما يقترب من مستوى قياسي وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وبعض ذلك الفائض يعاد تدويره الان الي دول الربيع العربي في شكل مساعدات واستثمارات.
والكثير من الاستثمارات الكبيرة تقوم بها شركات خليجية تدعمها الدولة. لكن يوسف -الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة- قال انه يوجد ايضا اهتمام متنام بين الشركات الخاصة التي لديها سيولة نقدية كبيرة في الخليج.
وعلى سبيل المثال فان مجموعة صافولا السعودية للاغذية إشترت شركتين مصريتين اواخر العام الماضي وقالت أموال الخليج -وهي شركة خاصة للاستثمار المباشر مقرها السعودية- انها تتطلع للاستثمار في مصر.
وقال يوسف "القطاع الخاص في الخليج اصبح كبيرا وقويا جدا. ولذلك فانه يتطلع الي الخارج."
المصدر: رويترز