جسد التقرير الأخير الصادر عن جمعية رجال وسيدات الأعمال السورية أولويات الإصلاح الاقتصادي من وجهة نظر الممارسين الحقيقيين في قطاع الأعمال الذين يتأثرون بالإصلاح ويؤثرون بالاقتصاد على أرض الواقع.
بداية أوضح التقرير الذي قدم إلى الحكومة أن سورية تبنت برنامجاً للإصلاح الاقتصادي هدف إلى تغيير شكل الاقتصاد السوري من اقتصاد مخطط إلى اقتصاد يعمل وفق آليات السوق بالتوازي مع برامج عدالة اجتماعية هدفت إلى وضع الإطار العام لاقتصاد السوق الاجتماعي وتحسين إدارة الاقتصاد وفتح المجال لفرص العمل والاستثمار أمام القطاعين العام والخاص.
إلا أنه انعكست نتائج الإصلاحات على المؤشرات الإجمالية للاقتصاد بشكل إيجابي لنمو الناتج المحلي الإجمالي ولاسيما الناتج النفطي وتوفر فرص العمل.. ولكن سرعان ما بدأت النتائج الإيجابية بالتراجع حتى تراجعت نسبة النمو إلى ما يقارب 6% إلى 3.2% كما تراجعت الصادرات وارتفع العجز في الميزان التجاري.
وردّ التقرير هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل أهمها عدم مواكبته الازدهار الاقتصادي وعدم إزالة الكثير من المعوقات التي تحد من قدرة القطاع الخاص على الاستثمار وعدم استكمال العديد من برامج الإصلاح لاصطدامها بالبيروقراطية والفساد، وعدم ترافق الإصلاحات الاقتصادية المطبقة بإصلاحات مؤسساتية وإدارية.
واقترح التقرير ضرورة إلغاء التشابكات والتقاطعات بين الوزارات المختلفة، واختصار الإجراءات الروتينية والعمل جدياً على توحيد النصوص القانونية ومرجعيتها والسماح بإعادة تصدير المنتجات المستوردة التي تعتبر كماليات وليس أساسيات في حياة المواطن اليوم.
وفيما يخص سياسات الدعم الحكومي قال التقرير إن الحكومة تقوم بين الفينة والأخرى بإصدار تشريعات وقوانين تتضمن إعفاءات عن الغرامات والتأخير على الرغم من أنها تخفف الأعباء إلا أنها مجحفة بحق ملتزمي السداد الذين يشعرون بمعاملة تفضيلية للمخالفين على حسابهم كما أن هذه السياسات المخصصة لدعم حوامل الطاقة قد تتسبب في تشويه التكاليف الحقيقية وهدر الموارد العامة في ظل غياب سياسات وآليات توجيه الدعم وفق أولويات تنموية واجتماعية محددة وعدم وجود مخطط لإعادة توجيه الدعم للشرائح والقطاعات المستحقة وبناء عليه اقترح التقرير ضرورة استبدال هذه التشريعات والقرارات التي تنص على إعفاء المتخلفين والمخالفين بقرارات تقونن اهتمامات المعنيين بها وتشجعهم على الانصياع للقانون مما يضمن معاملة تفضيلية للملتزمين عوضاً عن محاباة المتخلفين والمخالفين والعمل جدياً على تقليص الدعم وكمياته تدريجياً باعتماد إستراتيجية تهدف إلى وقف الدعم مستقبلاً بحيث يتم استبدال الدعم المطلق بدعم يخدم أولويات الاقتصاد الوطني.
كما أكد التقرير ضرورة أن تترافق عمليات تحرير الاقتصاد وفتح الأسواق مع آليات تمكين للمؤسسات الوطنية تتجاوز الدعم المباشر نحو رفع الكفاءة التنافسية فالقطاع الخاص غير منظم وغير منضبط والعام غير كفؤ، هذا إضافة إلى أهمية تبسيط إجراءات تخفيض تكاليف الاشتراك بالطاقة الكهربائية وتخفيض الرسوم المضافة على فواتير الكهرباء والتي تصل أحياناً إلى 23% من قيمة الاستجرار واعتماد آليات لحل النزاعات وخاصة مع الشركات الصناعية فيما يتعلق بتأخر السداد.
وأهم من هذا هو إعادة النظر بسياسات دعم المحروقات وحوامل الطاقة المختلفة وإلغاء الدعم غير المجدي بشكل تدريجي ضمن خطة زمنية معلنة ومبرمجة واستبداله بحوافز وأشكال أخرى خاصة للقطاعات الحيوية.
وأكد التقرير ضرورة حصر دعم المحروقات وحوامل الطاقة بالقطاعات ذات الأولوية القصوى للاقتصاد وربطه بمعايير صارمة تخدم المصالح الوطنية مثل زيادة التشغيل والتصدير بحيث يكون الدعم على شكل حوافز ترتبط بالأداء.
وفيما يخص تحرير الأسعار وتدخل الدولة بالأسواق أوضح التقرير أن هناك جملة من التحديات تتجلى بعدم فعالية آليات الرقابة على التسعير والمواصفات وخاصة المنتجات الغذائية الأساسية وانتشار الفساد في تطبيق الرقابة وعدم تدخل الدولة في الأسواق والإخلال بالمنافسة.
وعن الحلول – حسب التقرير – أنه لا بد من التأكيد على تحرير الأسعار وتشديد المراقبة على الالتزام بالإعلان عن الأسعار والتقيد بها واعتماد الفوترة بآليات تحفيزية مع تحديد واضح لدور الدولة في التدخل والرقابة وتفعيله في مجالات الرقابة على الجودة والمواصفات والالتزام بمعايير الصحة والسلامة العامة ومطابقة المواصفات المعلنة للمنتجات مع المنتجات والمواصفات القياسية وعدم التلاعب بالكيل مع ضمان عدالة المنافسة بين الدولة والقطاع الخاص والمساواة في الحقوق والواجبات والالتزامات وخضوع القطاع العام للقوانين والأنظمة المعتمدة وعدم منحه أي استثناءات أو إعفاءات تخل بالمنافسة.
وعن الحواجز والقيود الجمركية أظهر التقرير أن هناك تحديات تتمثل بتقييد الإجراءات وارتفاع الرسوم وعدم التساوي مع دول الجوار وانتشار الفساد وضعف فاعلية برنامج الرقابة على المستوردات وهذا يتطلب تحقيق التوازن الجمركي مع دول الجوار للحد من التهريب مع فرض عقوبات رادعة للمخالفات في الإفصاح الجمركي مع التأكيد على مبدأ المعاملة بالمثل للدول الأخرى في الرسوم والقيود الجمركية.
وفيما يخص قطاع المال والنقد قال التقرير وبحسب " الوطن" إن الإدارة المالية والنقدية في سورية هي تحد صعب رغم أنه يعول عليه الكثير من قيادة الإصلاح الاقتصادي إذ يستوجب كل منهما إستراتيجية واضحة ورؤية بعيدة الأمد تتزامن مع مرونة وديناميكية خلال التطبيق الأمر الذي يعيق الواقع المالي والنقدي وهو عدم التوازن وضعف التنسيق بين هاتين السياستين في وقت تحول فيه الاقتصاد من اقتصاد موجه مغلق إلى آخر أكثر انفتاحاً وعلى الرغم من أن السياسة تستهدف تحسناً ملحوظاً لكنها ما زالت تعاني من تعقيد الإجراءات سواء بالمنظومة الضريبية أو الجمارك مما يفتح أبواباً للفساد والتهريب والتهرب الضريبي الأمر الذي يتطلب اعتماد سياسة مالية وضريبية واضحة ومبسطة تحقق العدالة الضريبية وتؤمن موارد للخزينة العامة للدولة مع توفير البيئة الحاضنة لاعتماد الفوترة والإجراءات اللازمة في كل مناحي ومراحل التبادل التجاري والمالي ابتداء من الحكومة حتى بائع الخضار كشرط أساسي تمهيداً لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة والسعي جدياً لتخفيض ضريبة الرواتب والأجور ورفع الحد الأدنى المعفى منها وتخفيف عدد نشراتها الضريبية.