برز نقاش في الأوساط المختلفة حول الزمن اللازم لإعادة الإعمار لارتباطه بالمكوّن الأسمى (الإنسان) وظروف معيشته الحالية والمستقبلية وما يرتبط بها من عوامل ومحددات اقتصادية واجتماعية وثقافية وصحّية وتعليمية وغيرها، هذا ما حاولت «الوطن» تبيّنه انطلاقاً من الخبرات المحليّة المتابعة للشأن العقاري.
قال الدكتور عمار يوسف الباحث في الاقتصاد العقاري لـ«الوطن»: «يرتبط زمن عملية إعادة بناء الوحدات السكنية المتضررة بأشكالها الثلاثة (المتضررة بشكل كامل والمتضررة جزئياً والتي تضررت بنيتها التحتية) بفلسفة البناء التي سيتم اعتمادها في هذه العملية التي قد تتطلب ووفق الذهنية والفلسفة العقارية السائدة حالياً عشرين سنة».
وتساءل يوسف: إذا كان الزمن اللازم لإنشاء مدينة سكنية من مؤسسة الإسكان يتطلّب وسطياً 15 سنة في الظروف الطبيعية فلابدّ أن هذا الزمن سيرتفع في الظروف الاستثنائية ولاسيما في حالة إعادة البناء واسعة النطاق.
وأوضح يوسف أننا نواجه اليوم حاجة ملحّة لإعادة الإعمار بسبب العدد الكبير جداً من المتضررين، ويكمن الحل الوحيد برأيه لاختصار الزمن اللازم لإعادة الإعمار في اعتماد ما يسمى مشروع الإسكان القومي الذي سبق الحديث عنه وطرحه في أكثر من مناسبة منذ حوالي 4 سنوات والذي يقدّم حلاً كاملاً لموضوع الإسكان في البلد.
وبيّن يوسف أن المشروع يتطلب وجود هيئة مستقلة تتبع لرئاسة الجمهورية مباشرةً وتتمتع باستقلال إداري يجنّبها الروتين الحالي المرتبط بعدّة جهات منها وزارة الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان والجمعيات السكنية ويمكّنها ذلك بالمحصّلة من تفادي الفشل الذي واجهته العملية الإسكانية سابقاً «على حدّ وصفه».
ويرى يوسف أن حلّ مشكلة السكن والإسكان يتم بمنتهى البساطة من خلال تنظيم الأراضي الذي سيحل بدوره مشكلة السكن العشوائي متسائلاً عن المبررات التي أعاقت هذا الموضوع.
وأشار إلى أن الهيئة المقترحة ستتمكن ومن خلال الاستقلالية التي ستتمتع بها من العمل بخطوات سريعة في المجال العقاري ولاسيما فيما يتعلّق بالقوانين والاستملاكات والحالات الاضطرارية ستتخطى كل المحددات التي تعيق العمل بما فيها على سبيل المثال موضوع استيراد مواد البناء دون الحاجة للمرور بعملية إدارية روتينية قد تكلّف 3-4 شهور وخاصّةً أننا نحتاج اليوم لتوفير ساعة من الوقت.
وبيّن أن زمن إعادة الإعمار يعتمد أيضاً على مدى توافر عوامل الإنتاج من أرض معدّة للبناء وتحديد من سيقوم بعملية البناء وأخيراً تمويل هذه العمليّة.
وفي سياق متّصل قال الدكتور حيان برازي رئيس مجلس إدارة مجموعة البرازي للتطوير العقاري لـ«الوطن»: «تحتاج عملية إعادة البناء إلى عشر سنوات مع شركات عقارية واستخدام وسائل الإنتاج بشكل مجد».
وأوضح أن بناء ألف وحدة سكنية في منطقة واحدة وفق طريقة العمل المتّبعة في القطاع الخاص والواقع الحالي تحتاج لمدة لا تقلّ عن 3-4 سنوات لإنهاء عملية البناء والتخديم الأساسي، ويمكن العمل على أكثر من مشروع في آن واحد وتزداد المدة السابقة في القطاع العام والجمعيات السكنية لعدّة أسباب من ضمنها الاعتماد على تمويل المواطن وليس التمويل البنكي أو أي شكل آخر للتمويل ومعلوم أن التمويل الذاتي يحتاج لفترات طويلة لمراكمة الدفعات قبل البدء بالتنفيذ الفعلي.
وأشار برازي إلى إمكانية اختصار زمن البناء إلى الربع لإنجاز بعض المشاريع التي سيتم بدء العمل فيها أولاً وذلك إذا دخلت شركات كبيرة إلى سوق التطوير العقاري بما تجلبه معها من وسائل بناء متطوّرة وطرق بناء حديثة وعمالة مؤهلة ومدربة على القيام بالعمل المطلوب.
وأوضح باحث اقتصادي إمكانية تحويل التحدي في زمن إعادة البناء إلى فرصة تخلق فرص عمل لتشغيل اليد العاملة من جهة وتكسبها الخبرات والمهارات من جهة ثانية وتوفّر المسكن المناسب من جهة ثالثة وتشكّل قيمة اقتصادية مضافة على الناتج المحلي الإجمالي وتسرّع وتائر التنمية وتحرّك العديد من القطاعات الاقتصادية ذات الترابطات الأمامية والخلفية مع قطاع الإسكان وخاصةّ إذا تم تبني إستراتيجية واضحة تتضافر فيها كل الجهود المحلية والاستثمارية لإنجاحها.