أظهرت بيانات صادرة عن الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي أن حجم الاستثمارات التراكمية في القطاع الصناعي الخليجي تجاوزت 323 مليار دولار بنهاية العام الماضي، من خلال تشغيل ما يزيد على 14 ألف منشأة صناعية مسجلة وفرت نحو مليون و261 ألف فرصة عمل.
وأوضحت البيانات حسبما نقلت "الوطن" القطرية ـ أن حجم التراكم في القطاع الصناعي استثمر في اكثر من 12 ألف منشأة صناعية ووفرت ما يزيد على مليون فرصة عمل تمثل نحو 6 بالمائة من حجم العمالة بالسوق الخليجي التي تبلغ حوالي 10 بالمائة في القطاع الصناعي. كما أظهرت أن الصناعة الخليجية تتميز بالتركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل أكثر من 86 بالمائة من جملة المنشآت الصناعية في دول المجلس، غير أن معظم الاستثمارات الصناعية تتركز في الصناعات الكبيرة ممثلة بقطاع صناعات البتروكيماويات الأساسية؛ حيث تمثل أكثر من 78 بالمائة من جملة الاستثمارات التراكمية في القطاع الصناعي الخليجي.
وتمثل أهم القطاعات الإنتاجية الصناعية في دول مجلس التعاون في قطاعات صناعات البتروكيماويات الأساسية وصناعة المعادن الأساسية التي تشمل صناعتي الحديد والألومنيوم. كما يشكل إنتاج المواد البلاستيكية الخام والأسمدة في قطاع الصناعات الكيماوية العمود الفقري للإنتاج الصناعي الخليجي، حيث تنتج زهاء 10 ملايين طن سنويا من المواد البلاستيكية الخام تصدر 90 بالمائة منها للأسواق العالمية، خاصة أسواق شرق آسيا والهند.
أما في مجال إنتاج الأسمدة النيتروجينية كالأمونيا واليوريا فإن دول مجلس التعاون تصدر 11 مليون طن من اليوريا للأسواق العالمية، وبالمثل احتل قطاع الصناعات المعدنية في دول المجلس موقعًا متقدمًا في الأسواق العالمية حتى أضحت دول المجلس من كبار المصدرين لتلك الأسواق.
وتؤكد هذه البيانات على الرغم من دلالاتها القوية على تنامي حجم الاستثمارات الصناعية في دول مجلس التعاون، إلا أنه لا تزال هناك آفاق رحبة لتوسيعها في مجالات جدية من خلال تحسين بيئة الاستثمار، حيث إن ظروف الاستثمار في القطاع الصناعي تختلف عنها في بقية القطاعات الاقتصادية، ويعتبر طول الفترة من اهم ما يميز الاستثمار الصناعي عن بقية القطاعات، حيث تتطلب فترة الإنشاء وقتًا طويلاً مقارنة ببقية القطاعات، وكذلك الحال بالنسبة لفترة الاسترداد.
وفي ظل اختلاف الظروف الاستثمارية في القطاعات المختلفة نجد أن البنوك التجارية تقدم الائتمان على أسس تجارية بحتة، بناء على أسعار الفائدة السائدة في السوق ولفترة قصيرة ومن غير فترة سماح في أغلب الأحيان، لذلك سدت بنوك التنمية الصناعية الفجوة الناتجة عن عدم ملاءمة الائتمان المصرفي لطبيعة الاستثمار الصناعي، وعلى الرغم من الشروط التي تطلبها بنوك التنمية الصناعية، إلا أنها احسن حالا بكثير من شروط البنوك التجارية، حيث تتميز بانخفاض أسعار الفائدة وقصر فترة السداد ومنح فترة سماح تتراوح ما بين سنة و3 سنوات، وتمنح هذه البنوك مقترضيها فترة سماح تمتد ما بين سنة و3 سنوات، وهي أطول فترة يمنحها من بين المصارف الخليجية.
ويمثل الاستثمار الحكومي المباشر سواء من خلال الحكومات أو مؤسسات الرسمية وشبه الرسمية احد الأشكال المهمة للتمويل الحكومي، حيث أدى هذا التوجه إلى إيجاد وتطور بعض الصناعات الكبيرة المهمة، وعلى الرغم من محدودية المشروعات الممولة مباشرة من القطاع الحكومي، إلا أنها تشكل الجزء الأعظم من حجم الاستثمارات في قطاع الصناعات التحويلية، كما أنها تنتج 80 % تقريبًا من إجمالي القيمة المضافة للصناعات المحلية. كما أن القطاع الحكومي يسهم في تنفيذ كثير من المشروعات الصناعية المهمة من خلال المؤسسات المستقلة التي يملكها بالإسهام مع القطاع الخاص، حيث شمل ذلك مؤسسات صناعية كبيرة ومتوسطة ذات أهمية للاقتصاد الوطني كصناعة الأسمنت ومواد البناء والتشييد وبعض الصناعات الغذائية والكيماوية.
وهناك شبه اتفاق على أن تحسين بيئة الاستثمار الصناعي يرتبط ارتباط وثيق بتوفير التمويل الملائم للصناعات، حيث إن التمويل يعد الحلقة الأكثر أهمية في إنشاء أي مشروع، وتزداد تلك الأهمية في المشروعات الصناعية الصغيرة على وجه الخصوص، ولا تستطيع صناديق وبنوك التنمية الصناعية بمفردها في ظل تراجع مواردها وإمكاناتها أن يقوم بدورها في عملية التمويل، على الرغم من أنها تقوم بذلك في حدود قدراتها، والمطلوب هو قيام إنشاء مؤسسات تمويلية صناعية جديدة تعمل جنبًا إلى جنب مع تلك الصناديق والبنوك، حتى لا يلجأ الراغبون في الاستثمار إلى الاقتراض من البنوك التجارية، وبالتالي تحمل أعباء مالية ضخمة قد تؤثر سلبا على مسيرة مشروعاتهم.
ومن الصعاب والمعوقات التي تعترض طريق الصناعات الوطنية في ما يتعلق بجانب التمويل، الأعباء المالية الباهظة والناجمة أساسًا عن ارتفاع كلفة الاقتراض من المصارف التجارية، وهذه المعوقات سوف تزداد حدتها خاصة بضوء انضمام دول المجلس لمنظمة التجارة العالمية أو توقيعها اتفاقيات التجارة الحرة مع بعض المجموعات الاقتصادية. ففي بعض دول المجلس تقوم مؤسسات صناديق وبنوك التنمية الصناعية بتقديم القروض والتسهيلات المالية بأسعار تشجيعية، كما تعطي الأفضلية في المشتريات الحكومية للصناعات الوطنية. وبمقتضى الانضمام للمنظمة أو توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، فإنه يتعين إعادة النظر في كافة أشكال هذا الدعم، الأمر الذي سيضطر المستثمرين الصناعيين إلى الاقتراض بسعر السوق، مما يعني زيادة كلفة الإنتاج، وزيادة حدة المنافسة مع المنتج الأجنبي، ومن شأن ذلك أن يزيد من الأعباء المالية على الصناعات الوطنية وان يحد من فرص نجاحها.
لذلك فإن الجهات المختصة مطالبة بتقديم بوضع تشريعات وآليات من شأنها تشجيع المصارف التجارية على زيادة القروض التي تمنحها للصناعات الوطنية، والتخفيف من إجراءات الرهن والضمانات التي تطلبها لإقراض المشروعات الصناعية، واستحداث إجراءات تشريعية لتشجيع البنوك التجارية على الاستثمار المباشر في المشروعات الصناعية، إضافة إلى إحداث تغيرات هيكلية بهدف دمج البنوك التجارية لتعزيز رؤوس الأموال والكفاءات التشغيلية، ما يعزز بدوره من قدرات هذه البنوك التمويلية.