واجه القطاع المصرفي عشرة تحديات ومخاطر تمثلت بتذبذب أسعار الصرف، السيولة، الضمانات، التحديات السياسية "العقوبات"، تحديات التجارة الخارجية، تحديات الديون التجارية، مخاطر التأمين، مخاطر الاستمرار بمنح التسهيلات، المخاطر الجغرافية، مخاطر القطاعات الاقتصادية، مع الإشارة إلى أن جزء من هذه المخاطر كان مؤقتاً ومنها مازال مستمراً لكن تم التعامل معه بأساليب إدارة مصرفية مناسبة.
أما تذبذب أسعار الصرف وارتفاع سعر صرف الدولار على وجه الخصوص أمام الليرة السورية بشكل تدريجي إلى 100% كان له أثر في التسهيلات المباشرة، حيث يلاحظ أن العملاء يجدون صعوبة في تأمين القطع الأجنبي "اللازم لسداد الالتزامات" إضافة إلى تكبدهم خسائر كبيرة نتيجة الارتفاع المستمر في أسعار الصرف لأن الفرق الناجم عن تغير سعر الصرف يتجاوز هامش الربح عند الكثيرين، كان له أثر في التسهيلات غير المباشرة، وخصوصاً في مجال دخول مناقصات التوريد، فقد تكبد بعض العملاء خسائر في هذا المجال نتيجة دخولهم عطاءات مع الحكومة مع زيادة كلفة البضاعة المراد توريدها نتيجة ارتفاع أسعار الصرف خلال فترة التوريد إضافة إلى التأخر عن صرف قيم المستخلصات ما يحمل المقاولين خسائر كبيرة.
وعن مخاطر السيولة، فيمكن القول بأن الأثر المباشر لتغير أسعار الصرف كان في انخفاض السيولة بالليرة السورية كحالة مؤقتة في السوق، ما دفع بعض المودعين إلى كسر ودائعهم المربوطة بالليرة وتحويلها إلى الدولار، ما يؤدي إلى انخفاض السيولة بالليرة، وذلك في بداية الأزمة، الأمر الذي تم ضبطه لاحقاً.
وفيما يخص مخاطر الضمانات، تتنوع الضمانات في المحفظة الائتمانية بين الضمانات العقارية والشخصية والآليات مع التركيز خلال الأزمة على الحصول على نسب تغطية عالية تتجاوز 100% بالنسبة للضمانات العقارية، وتتركز المخاطر في عدم قدرة أصحاب الضمانات الشخصية على السداد بسبب الظروف، إلى جانب صعوبة تسييل الضمانة بالقيمة المطلوبة وبالوقت المطلوب بسبب الظروف الحالية وانخفاض السيولة الموجودة في السوق واللازمة للتسييل، ولكن كما هو معروف فإن قيمة العقار في سورية لا تتأثر على الرغم من الظروف وإن مرت بفترة ركود ولكن أسعارها تحافظ باعتقادنا على قيمتها وإن تأخر التحصيل.
وعن المخاطر السياسية وخاصة فرض عقوبات على العديد من الشخصيات الاقتصادية الكبيرة التي تؤثر بشكل مباشر في السوق، وبالتالي فإن هذه المخاطر تكمن في مقاطعة كبار الشخصيات التجارية والاقتصادية وتوسع دائرة المقاطعة لتشمل المزيد من الشركات والأسماء التي تتعامل مع البنوك.
أما مخاطر التجارة الخارجية فتتمثل بنقطتين رئيسيتين، الأولى مخاطر وقف تعامل الشركات الخارجية مع الشركات السورية ما يؤدي إلى توقف عمل الشركات، والثانية مخاطر وقف تعامل البنوك الخارجية "مراسلون وغيرهم" مع المصارف السورية نتيجة العقوبات التي تم فرضها مؤخراً والتي أثرت على الثقة بالبنوك السورية بما يؤدي إلى صعوبة استيراد المواد الأولية والبضائع.
أما مخاطر الديون التجارية "مخاطر الدين" فإن الدورة التجارية لكثير من الشركات تعاني في خللاً بسبب عجز العديد من زبائن الشركات عن الدفع ما أثر بشكل مباشر في قدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها سواء للموردين أو البنوك وهذا يمثل خطراً أساسياً من مخاطر عدم السداد للبنك مع العلم أن أغلب الشركات بدأت تتعامل بأسلوب البيع النقدي للحد من مخاطر الدين المذكورة.
أما عن مخاطر التأمين، فقد امتنعت أغلب شركات التأمين الخارجية عن إعادة التأمين في سورية إضافة إلى أن شركات التأمين المحلية أصبحت تؤمن لفترات ليست بالطويلة، الأمر الذي يعرض التمويلات الممنوحة لمخاطر إضافية وخاصة في الوقت الحالي حيث يمكن أن تتعرض المستودعات والمصانع للحريق أو السرقة والتي تحتوي على بضائع ممكن أن تكون ممولة من خلال البنوك إضافة إلى تعرض مصدر التدفقات النقدية إلى الحريق وبالتالي حصول تعثر مالي لدى العميل.
وبالنسبة لمخاطر منح تسهيلات جديدة، فقد أصبحت مخاطر منح التسهيلات المباشرة وغير المباشرة على درجة أعلى مما كانت عليه، وقد أدى انحسار منح أي تسهيلات مصرفية إلى انخفاض الربح التشغيلي التي تؤثر بشكل كبير في المصارف وخاصة التي لا تزال في مرحلة التأسيس.
ونذكر أن المصارف كانت في مواجهة مباشرة مع مخاطر التوزع الجغرافي للفروع المصرفية وتوزع القروض، في ظل الظروف الراهنة وارتفاع مستوى العنف في بعض المناطق، إضافة إلى مخاطر القطاعات الاقتصادية التي كانت هدفاً لمنح التسهيلات الائتمانية والأضرار التي لحقت تلك القطاعات نتيجة الأزمة، وبالتالي ارتفاع درجة الانكشاف على مخاطر عدم السداد.
وبما أن المصدر الأساسي لإيرادات أي بنك تتأتى من النشاط الائتماني، ولأن النشاط الائتماني محاط بكل المخاطر السابقة، ولأن الائتمان مرتبط بشكل أساسي بالأمان، فإن الاستمرار في العمل المصرفي بالأسلوب التقليدي والتوسع به أمر غير مجدي، لذا كان لزوماً على الإدارات المصرفية إتباع أساليب مختلفة للمحافظة على القطاع وحمايته وتحصينه ضد الفشل.
ويمكن أن نلاحظ من خلال ما سبق أن تلك المخاطر والتحديات تنعكس على المصارف بصورة مخاطر عدم السداد وانخفاض السيولة، أي عجز المقترضين عن سداد أقساطهم للمصرف، وهذا ما يعني انخفاض في كتلة الأموال المتوقع دخولها إلى المصارف "التدفقات النقدية الداخلة"، إلى جانب توجه المودعين إلى سحب إيداعاتهم بالليرة، ما يعني ارتفاع مستوى التدفقات النقدية الخارجة من المصارف، وهذا يعني أزمة سيولة، وهنا تتجه المصارف إلى مواجه تلك المخاطر عبر تعزيز درجة السيولة فيها لمواجهة أي سحوبات متوقعة، وتستخدم المصارف ما يسمى خط الدفاع الأول ضد سحب الإيداعات مجموع النقود الكاش الموجودة في خزائن المصارف وإيداعاتها وأرصدتها في المصارف، والنقود المتحصلة عن تحصيل الشيكات، والاحتياطيات الرئيسية في "المصرف المركزي".
وبشكل أكثر دقة وتفصيلاً، تقوم المصارف بتنويع مصادر التمويل إضافة إلى الودائع وإدارة الموجودات مع مراقبة السيولة بشكل يومي، وتحتفظ أغلب المصارف الخاصة بموجودات ذات قابلية عالية للتسويق والتسييل كحماية ضد أي حالة نقص في السيولة، وتحافظ المصارف على نسب سيولة تتجاوز الحدود المفروضة من "المصرف المركزي" وهي 30% على حين تتجاوز النسب 40% وتصل 50% وذلك من مصرف لآخر، وتعني السيولة هنا نسبة صافي الموجودات المتداولة للمصرف إلى مطلوبات العملاء والالتزامات خارج بيان المركز المالي المثقلة بكافة العملات، حيث تتكون الموجودات المتداولة من النقد والأرصدة لدى المصارف والمؤسسات المالية المصرفية قصيرة الأجل "دون 3 أشهر" نظراً لتمتعها بسيولة عالية لتلبي احتياجات نقص السيولة.
ومع العلم بأن الأداء العالي للمصارف يقتضي نسب سيولة عند حدودها الدنيا بغية توظيف الأموال في أهداف الربحية، ولكن هذا في الظروف العادية وليس الاستثنائية الحالية، مع الإشارة إلى أن هذه الربحية تتلقى دعماً من خلال السماح للمصارف باحتساب أرباح إعادة تقييم مراكز القطع الأجنبي على أنها أرباح تشغيلية.
من جهة أخرى احتفظت المصارف بنسب عالية من كفاية رأس المال للمساعدة على التقليل من درجة المخاطر وامتصاص أي خسائر تشغيلية لضمان الوفاء بمتطلبات رأس المال المطلوبة والحفاظ على تقييم ائتماني متميز لدعم قطاع الأعمال وتنظيم عائد المساهمين، وتحسب كفاية رأس المال بقياس نسبة رأسمال البنك إلى أصوله، وهكذا يتم رفع النسبة عبر زيادة الاحتياطيات.
ووفق صحيفة "الوطن" المحلية تحتفظ أغلب المصارف الخاصة بقاعدة رأسمال تتجاوز الحدود المطلوبة وفق قرارات "مصرف سورية المركزي" ومتطلبات اتفاقية بازل -2 وهي 8% حيث تصل نسب كفاية رأس المال 20% لدى أغلب المصارف وأحياناً تتجاوزها.
مع الإشارة إلى أن أغلب المصارف تقوم بوضع خطط طوارئ تفصيلية لضمان استمرارية العمل المصرفي ومواجهة حالات الطوارئ، مع الالتزام بتطبيق اختبارات جهد على المحفظة الائتمانية والاستفادة من نتائج الاختبارات في تقييم مدى كفاية رأس المال وحجم المخصصات اللازمة لتغطية الخسائر.