أشارت " هيئة تنمية وترويج الصادرات السورية" في دراستها بعنوان " التجارة الخارجية في سورية من 2006-2012" والتي خلصت فيها إلى ان الميزان التجاري السوري يعاني من عجز طوال الفترة المذكورة نتيجة عدم قدرة الصادرات السلعية على تغطية المستوردات السلعية والتي ترجع إلى الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني وانخفاض مرونة المستوردات من السلع الوسيطة والاستثمارية التي تتطلبها عملية التنمية الاقتصادية.
وأظهرت المؤشرات" وفقاً للدارسة " أن تجارة سورية الخارجية تعاني من خلل واضح، إذ تميزت التجارة الخارجية بتركز سلعي في جانب الصادرات، يناظره تركز سلعي في جانب المستوردات، وبالتالي سلع أولية (زراعية أو استخراجية) في جانب الصادرات مقابل مدى واسع من المستوردات الاستهلاكية والاستثمارية، وأدى ذلك إلى ربط الاقتصاد الداخلي بالمؤثرات والمتغيرات العالمية المتعلقة بالعرض والطلب من هذه السلع.
وبينت الدراسة أن الآثار المتبادلة بين هيكل الإنتاج والصادرات تؤكد استجابة الصادرات للمتغير النفطي، وبما يؤكد أهمية القطاع الاستخراجي كقطاع ذي وزن نسبي عال في الصادرات السورية، مشيرة إلى أن القيمة المضافة التي تحققها الصادرات تنخفض مقارنة بالقيمة المضافة المستوردة، وبالتالي فإن ربحية الاقتصاد السوري كانت سلبية خلال فترة 2006- 2012 أي إن هناك خسارة من التجارة الخارجية.
وتوصلت الدراسة إلى وجود زيادة في نسبة التركز في هيكل الصادرات السورية، وبالتالي انخفاض في القدرة التنافسية والقدرة على تحويل هيكل الإنتاج استجابة للتغيرات العالمية، كما هناك العديد من الفرص الواعدة غير المستغلة في السوق العالمية وفق المعطيات المختلفة والمتنوعة.
وفي تفاصيل الدراسة، تشير البيانات إلى انخفاض أهمية الدول العربية في التجارة الخارجية السورية، إذ لم تتجاوز هذه النسبة في أعلى مدلولها 2% فقط، وذلك لأن نحو 95% من المستوردات السورية متركزة من الدول الأوروبية والآسيوية، و30% من الصادرات متركزة من الدول الأوروبية. وهناك انخفاض واضح في أهمية الدول العربية في التجارة الخارجية السورية عام 2012 وذلك بسبب الموقف السياسي لبعض الدول العربية من الأزمة في سورية، وتجاوبها مع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، على حين أن إجمالي قيمة التجارة الخارجية السورية مقارنة بإجمالي قيمة التجارة العالمية لم تتجاوز 0.3% نتيجة تراجع الأهمية النسبية للصادرات من المواد الأولية (النفط) في التجارة الدولية، وبالمقابل الزيادة المستمرة في الأهمية النسبية للصادرات من السلع الصناعية الجديدة ذات المحتوى التكنولوجي المرتفع والتي نمت نمواً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، وبالتالي هي التي تقود نمو التجارة العالمية، وسورية تفتقر لهذه الصناعة وتعد مستورداً صافياً لهذه السلع.
وارتفعت بحسب الدراسة درجة انكشاف الاقتصاد السوري على الخارج بشكل واضح في الفترة 2000 إلى 2010، وبعد أن كانت تشكل 48% عام 2006 وصلت إلى 62.12% عام 2010، ليشهد عاما 2011 و2012 تراجعا في معدل الانكشاف الاقتصادي إلى 41.2% و32.7% على التوالي، مسندة هذا التراجع إلى تراجع عام في الأهمية النسبية للتجارة الخارجية السورية من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تأثير الأزمة الحالية التي تشهدها سورية على التجارة الخارجية.
وكشفت " هيئة الصادرات " بدراستها وفقاً لصحيفة " الوطن " أن الاقتصاد السوري اعتمد بدرجة كبيرة على النشاط التصديري بنسبة تجاوزت 52% في عام 2008 مرتفعة من 45% في عام 2007، ومع أنها تراجعت إلى ما يقارب 34% في عام 2009 إلا أن مؤشر الأهمية النسبية للصادرات شهد ارتفاعا إلى ما يتجاوز 38% في عام 2010، لكن الملاحظ مدى التأثير الكبير لظروف الأزمة الراهنة على المؤشر الذي تراجع إلى 12.5% في عام 2011 ويتوقع أن يكون أفضل قليلاً العام الماضي بتسجيله 14%
ولاحظت الدراسة ارتفاع الميل المتوسط للاستيراد ليصل عام 2010 إلى 55.3% مقارنة بـ62% عام 2008، ويعدو ذلك لمجموعة أسباب تتمثل في نمو الاستيراد بمعدل يتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، أما في عام 2011 انخفضت هذه النسبة لتصل إلى 28.7% واستمر الانخفاض بشكل واضح في ظل الأزمة العام الماضي ليصل إلى 18.6% إلى إجمالي قيمة الناتج المحلي الإجمالي نتيجة انخفاض الطلب الداخلي.
أما ربحية الاقتصاد السوري فكانت سلبية خلال الفترة 2006- 2012 على التوالي 28.1 و25.7 و27.9 و26.2 و22 و11.3 و0.1 (سالبة)- وفقاً للدراسة- وكان هناك خسارة من التجارة الخارجية، إذ إن القيمة المضافة التي تحققها الصادرات السورية تنخفض مقارنة بالقيمة المضافة المستوردة، وتشير البيانات إلى التحسن الكبير في ربحية الاقتصاد الوطني من التجارة الخارجية العام الماضي بمقدار 99.1% أي الاقتراب من التحول إلى ربحية موجبة، نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة وارتفاع مؤشرات أسعار المجموعات السلعية التالية: الصناعات الغذائية والحيوانية الحية، إضافة لارتفاع أسعار النفط.
وأظهرت الدراسة تراجع الصادرات الإجمالية لسورية بصورة حادة عام 2009 إذ بلغت قيمتها 9.69 مليارات دولار مقارنة بـ14.38 مليار دولار عام 2008 بنسبة انخفاض 32.58 %، وفي عام 2010 بلغت قيمتها 11.35 مليار دولار، لتنخفض مجدداً إلى 7.21 مليارات دولار عام 2011، على حين شهدت الصادرات العام الماضي أكبر نسبة تراجع إذ بلغت قيمتها 185 مليون دولار أي بنسبة انخفاض 97.4% نتيجة الدمار الكبير الذي تعرضت له البنى التحتية والتجهيزات الصناعية وتوقف عدد كبير من الشركات عن العمل.
ورأت الدراسة أن انكماش الطلب في أسواق الشركاء التجاريين الرئيسيين لسورية والناجم عن دخول الاقتصاد العالمي في فترة ركود أدى بدوره إلى انخفاض صادرات سورية من السلع المصنعة، بالإضافة إلى تأثيرات الأزمة الحالية التي تمر بها سورية والعقوبات الاقتصادية المفروضة التي أثرت بشكل مباشر على تمويل التجارة الخارجية والمتمثلة في تشدد المصارف في تقديم التمويل للتجارة الخارجية من خلال اشتراط الضمانات المصرفية من المتعاملين لتمويل الصفقات التجارية وتقليص الفترات المتاحة لهذا التمويل وزيادة تكاليف تمويل التجارة.
وتبين الدراسة أن قيمة المستوردات عام 2011 البالغة قيمتها 16.57 مليار دولار انخفضت بنسبة 5.6% مقارنة بعام 2010، وسجل العام 2012 أكبر نسبة تراجع في المستوردات إذ بلغت قيمتها 3.58 مليارات دولار بانخفاض نسبته 78.4% مقارنة بالعام الذي سبقه.
وكشفت الدراسة أن عجز الميزان التجاري وصل إلى 16.1% عام 2012 مقارنة بـ8.1% عام 2011، معتبرة أن هذا الميزان شهد تقلبات ملموسة في السنوات الثلاث الماضية، بسبب الانكماش الملموس لحصيلة الصادرات السلعية إثر الركود في الاقتصاد العالمي الذي نجم عنه تراجع في أسعار النفط والمواد الأولية الأخرى، وتراجع المستوردات السلعية الناجم عن التباطؤ الاقتصادي وتراجع أسعارها العالمية. ويتضح الدور الكبير الذي ساهمت به العقوبات الاقتصادية في زيادة عجز الميزان التجاري وتدهور قيمة العملة، يضاف إلى ذلك صعوبات استيراد السلع والخدمات الأساسية والتي منعت من قبل العديد من الدول بسبب العقوبات، ما أثر على المستوى المعيشي للمواطنين.
ودعت الهيئة وفقا لدراستها المذكورة إلى إعادة تأهيل الاقتصاد السوري لمواجهة التحديات التي تفرضها جماعات الضغط الاقتصادية الدولية، فالاقتصاد القادر على النمو والمنافسة في الأسواق الدولية هو وحده المؤهل والقادر على مواجهة الآثار السلبية لهذه الجماعات.
واعتبرت الدراسة أن سورية انتهجت سياسة تجارية مبنية على أسس الانفتاح الاقتصادي وتحرير التجارة، حيث بذلت في السنوات القليلة الماضية جهوداً مكثفة لفتح الاقتصاد السوري أمام التجارة والاستثمار الأجنبي بهدف زيادة فرص النمو، الأمر الذي كان مقروناً بجهود أخرى لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول العربية من خلال اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واتفاقية التجارة الحرة الثنائية مع عدد من الدول العربية، إلى جانب توثيق العلاقات مع دول العالم.
كما خطت سورية خطوات ناجحة في توقيع عدد من اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار ومنع الازدواج الضريبي مع عدد من الدول العربية والأجنبية بهدف توفير بيئة جاذبة للاستثمارات، ذلك إلى جانب اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري مع الشركاء التجاريين في المناطق الجغرافية المختلفة. وأدت كل هذه الجهود إلى زيادة معدلات نمو التجارة الخارجية والذي بدوره ساهم في زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبهدف المحافظة على معدلات النمو الاقتصادي والعمل على رفعها، وفي ظل التحديات التي يضعها الانفتاح الاقتصادي والتجارة الخارجية أمام الاقتصاد الوطني خاصة في ضوء المنافسة المتزايدة للمنتجات الوطنية من سلع وخدمات مع مثيلاتها محلياً وعالمياً.
ورأت الدراسة ضرورة وضع إستراتيجية وطنية للتجارة الخارجية تتسم بالشمولية والتكامل مع السياسات الوطنية بحيث تعمل على توظيف السياسة التجارية نحو مساهمة أكبر في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وتعظيم استغلال الميزات النسبية له، وذلك من خلال مواءمة أدوات السياسة التجارية مع التحديات الاقتصادية على المستوى المحلي والعالمي، وتوسيع قاعدة الشركاء التجاريين، بما ينعكس إيجاباً على تحسين مستوى معيشة المواطن ورفاهيته.