سيدة عملت في مؤسسات القطاع الحكومي في سورية ما يقارب 22 عاماً، حملت بطاقتها التأمينية وذهبت إلى عيادة أحد الأطباء بدمشق، وبعد إجراء الفحوصات و التحاليل والصور الشعاعية و قياس مستوى الأكسجة تنصدم بالفاتورة وقيمتها 65 ألف ل.س، لم يعترف بها أحد، بالرغم من أنها كانت تدفع البدل التأميني الصحي على مدار الأعوام الـ22، للأسف تم تشخيصها بفيروس كورونا.
حال السيدة يشابه ما يقارب 600 ألف موظف اداري ومؤمن لدى شركات التأمين في سورية، حيث مصيرهم في مهب الخضوع للواقع السعري الذي تفرضه المخابر والاطباء والمشافي والصيادلة ومراكز الاشعة والطبقي المحوري وذلك بعد رفع الأجور والاسعار بحجة ارتفاع مستلزمات العمل، والظروف التي فرضت بسبب جائحة وباء كورونا المزيد من التعقيم والكمامات والقفازات.
وفي بداية شهر تموز الماضي عدلت وزارة المالية بوليصة التأمين وعممت على محاسبي الإدارات لدى الجهات العامة باقتطاع مبلغ 500 ليرة سورية شهرياً من أجور العاملين في الدولة بدلاً من 250 ليرة ، على أمل تعديل سقف التغطية الطبية للعاملين المؤمنين في القطاعين العام والخاص، لكن للأسف التعديل شمل القطاع الخاص ولم يشمل القطاع العام.
ويشترك في تحديد أسعار الخدمات الطبية كما درجت العادة النقابات والروابط الطبية ، ومن الغريب بالأمر انه بعد موافقة هذه الجهات المعنية على الاقساط المحددة تنسحب سوق الخدمات الطبية من التزامها وتسعر على مزاجها، والحجة دائما موجودة ارتفاع اسعار المستلزمات دون مراعاة للحاجة الماسة للخدمات الطبية والاتفاق على تسعير الخدمات قبل اسابيع قليلة حيث كان سعر الصرف مرتفع واليوم انخفض أكثر من 700 ليرة .
هيئة المخابر الصحية حددت سعر الوحدة المخبرية 175 ليرة ثم عدلته الى 300 ليرة ومن ثم الى 600 ليرة، بينما شركات التأمين تتحمل سعر نصف وحدة تأمينية للعاملين المؤمنين في القطاع العام، وسعر النصف الاخر يدفعه حامل البطاقة مع النسبة التي يتحملها في النصف الأول ما كرس الفوضى السعرية في سوق الخدمات الطبية كافة .
هذه الفوضى أوصلت أجرة اليوم الواحد في قسم العناية المشددة مع المنفسة ضمن المشافي الخاصة الى 700 الف ليرة بينما هو في تسعيرة وزارة الصحة 40 الف ليرة ،والصورة الشعاعية الى 10 الاف ليرة بينما هي 4000 ليرة، والوحدة المخبرية 1200 ليرة بينما هي مسعرة 600 ليرة .
الفوضى السعرية في سوق الخدمات الطبية تتجه الى فرض تسعيرة أمر واقع وأمام صمت الجميع دون حسيب أو رقيب، والحكومة تتنظر وتراقب وتقول ان الرعاية الطبية باهتمام الجهات العليا ولا ندري متى ستنتهي هذه الجهات من وضع التعرفة العادلة التي تشجع على التعاقد مع الشركات وتقديم الخدمات وتناسب دخل العاملين في الدولة، وعلى ما يبدو ان الجمع دخل في النفق من دون أفق للحل، كون ظروف وباء كورونا والوقوف في مسافة بين الموت والحياة فرضت على الجميع الصمت، وفقط نريد خدمات طبية باي ثمن كانت .
مديرعام المؤسسة السورية للتأمين المهندس إياد زهراء في تصريح خاص لبزنس 2بزنس اعتبر ان المشكلة في سوق الخدمات الطبية عامة، والواقع يفرض نفسه كون المصاريف التشغيلية ارتفعت من شراء الكمامات والقفازات والتعقيم وانقطاع التيار الكهربائي وشراء المولدات والأجور والسؤال كيف بدنا نستوعب هذا الأمر .
ولفت زهراء الى ان حصة المؤمن في جميع دول المنطقة 35 بالمئة ورب العمل 65 بالمئة بينما في سورية يدفع المؤمن فقط 12 بالمئة، كون الرواتب ضعيفة وتتحمل الحكومة 88 بالمئة، وقال ان المؤمن يدفع في الشهر 500 ليرة ثمن سندويشة بينما التأمين يقدم له 650 الف ليرة في المشافي، و150 الف للبدائل الصناعية، وفتح سقف حركات استخدام البطاقة، و 50 الف ليرة سنويا للأدوية المزمنة.
الارقام التي نسمعها في الشارع السوري اليوم عن تكاليف المعالجة الطبية فلكية وغير مقبولة ولا تتناسب مع الدخل السوري لا من قريب ولا بعيد ،وترك أكثر من 600 الف مؤمن اداري في مهب الفوضى السعرية ضمن ظروف كورونا أقل ما توصف بالجريمة، ولا يوجد اي مبرر لعدم ضبط الفوضى كون شركات التامين تأخذ حصتها شهريا فإلى متى سينتظر المرضى اللجان والدراسات والتعاميم والقرارات، وهل يحمل أصحاب الدخل المحدود في سورية مع بداية انفجار وباء كورونا المزيد من التأخير .