مع الانتشار الواسع للحديث الاعلامي حول الزيادة المرتقبة على الرواتب والأجور وخاصة بعد حديث رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان، يتخوف السوريون من تكرار سيناريو الزيادة السابقة على الرواتب والاجور وتأكلها بسبب التضخم الكبير الذي حدث وخسارة الليرة ما خسرته من قيمتها .
الرواتب والاجور في سورية في حدودها الدنيا، حيث رواتب كبار الموظفين في الدولة كنواب الرئيس ورئيس الحكومة اقل من ١٠٠ دولار في الشهر، وراتب المحافظ لا يصل الى ٦٥ دولارا، وراتب الموظف فئة اولى وصل الى عتبة التقاعد لا يصل الى ٣٥ دولارا، وراتب الموظف اول تعينه بحدود ٢٢ دولارا.
واي سيناريو او توقعات عن نسب زيادة يرافقها المزيد من التضخم والمعاناة لا يرغب بها الشارع السوري الذي يعاني الامرين من الفقر والتعتير والارتفاع الجنوني في الاسعار قياسا بقيمة راتبه وخاصة اصحاب الدخل المحدود .
وبينما ارتفعت الرواتب نحو أربعة اضعاف خلال 10 سنوات مضت، بينما ارتفع المازوت أكثر من ٣٠ ضعفا، والخبز 10 اضعاف، والبيض ٣٢ ضعفا، واللحمة غادرت الموائد السورية، والزعتر اصبح ملكيا ، والزيت حلما ،وتنفيخ الهموم بحاجة الى الوقوف في الطابور، وتنظيف الملابس يكلف ٢٠ بالمئة من راتب رب الاسرة .
الحكومة السابقة كانت تعمل حسب تصريحاتها الى تخفيض الاسعار بدلا من الزيادة في المعاشات وكبح التضخم، الا انها فشلت في هذا السيناريو، ومن هنا انطلق اقتصاديون الى الطلب منها التخفيف عن كاهل المواطن بصرف قيم مادية بدلا من الزيادة المرتقبة، مثل تقديم اسطوانة غاز لكل اسرة في الشهر مجانية ومنح معونات السكر والرز مجانا والتخفيض في الفواتير .
وحذر اقتصاديون من زيادة في الرواتب يعقبها تضخم وانخفاض في قيمة للعملة ما يزيد من معاناة المواطنين وانخفاض القدرة الشرائية لديهم وانعكاسها على الاسواق بالمزيد من الكساد و الركود .
الدكتور ابراهيم ميده اعتبر ان الحاجة تدعو الى إجراء إصلاح للرواتب والأجور وذلك بربطها بمعدلات التضخم المرتفعة السائدة وبحيث تتناغم معدلات الأجور وتستجيب لمعدلات التضخم المرتفعة، وذلك من خلال التعبير عن نسب التضخم بدرجات محددة، ورفع الأجور والرواتب بمبلغ محدد يقابل كل درجة من درجات التضخم، لأن زيادة الرواتب والأجور دون إجراء آلية لإصلاحها من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الارتفاع في أسعار السلع والخدمات، وبخاصة اذا لم يترافق ذلك مع زيادة العرض من الإنتاج والخدمات، إذ ان الزيادة الحاصلة في كتلة الرواتب والاجور سوف تتحول إلى طلب إضافي على هذه السلع والخدمات فيؤدي ذلك إلى زيادة في معدلات التضخم اذا لم يترافق ذلك مع زيادة الإنتاج.
ودعا ميده الى التركيز على العملية الإنتاجية من خلال زيادتها وتحسين جودتها أيضا فعندئذ سيتحقق التوازن بين العرض من السلع والخدمات والطلب الكلي (بعد الزيادة في الأجور)،
ولفت ميده الى التجارب السابقة التي تمت عبر الزيادات المتتالية في معدلات الرواتب والاجور دون إصلاحها أثبتت أن الارتفاع الحاصل في الأسعار ابتلع هذه الزيادات في الرواتب والاجور وعدنا إلى نقطة الصفر وبالتالي لم تؤد هذه الزيادات في الأجور الى زيادة حقيقية فيها ولم تحسن بالتالي من مستوى معيشة المواطن.
بدوره الدكتور دريد درغام كتب حول الرواتب والعمل والدوام وتآكل رأس المال الحكومي وقال يفترض بالأجور أن تغطي كفاف يوم الإنسان (عاملاً كان بإنتاج فعلي، أو كان مداوماً تتم إعانته بشكل مشوه) فإذا لم تكن الأجور بمستويات تغطي الاحتياجات الأساسية للإنسان ستكون النتيجة الاستمرار اضمحلال الاقتصاد وهزال في الإنتاج لغياب مقومات تحريك الاستهلاك الذي يشكل الحصة الكبرى في الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة سواء كانت في السلم أو الحرب.
واعتبر درغام ان اي دولة متى دخلت في هذا النفق المظلم فإنها ستستمر في الحلقة المعيبة وسيستمر الركود التضخمي لانعدام الإنتاج من جهة وتجمع الأجور الهزيلة في أي حفنة قليلة من المتنفعين في مختلف المجالات وهم الذين يستمرون في رفع الطلب على كمية السلع القليلة ويتسببون برفع أسعارها عن غير وجه حق.
ودعا درغام الى إيجاد بنية تسمح إذا رفعت الرواتب والإعانات لمستويات مقبولة أن يتم تحقيق الدورة الاقتصادية المعروفة بشكل يمنع التسربات وما أكثرها وما أكثر الطرق الملائمة لضبطها.
وهنا يأتي تخوف المواطن السوري في مكانه كونه أكل الكم أكثر من مرة وعلى الحكومة التفكير الجدي في تخفيف الاعباء عنه بدلا من زيادتها.