تقف سعاد الحسن بمحاذاة إحدى بسطات الخضار في سوق الشيخ محيي الدين، ملامحها متهدّلة وشاحبة، تحمل في حقيبتها القليل من المال، فيما تراجع بينها وبين نفسها قائمة طويلة من مستلزماتها الأساسية لشهر رمضان.
ارتفاع أسعار السلع الغذائية حال دون قدرتها على شراء حاجاتها، لكنها لم تكن الوحيدة العاجزة عن تلبية متطلبات أسرتها في هذا الشهر الذي اعتادت أنه تسميه "الكريم"، فاليوم يكافح نحو 12 مليون سوري للعثور على ما يكفيهم من الطعام.
وبحسب أحدث تقرير للأمم المتحدة، ارتفعت أعداد السوريين الذين يواجهون الجوع إلى أكثر من 3 ملايين شخص مقارنة بالعام الماضي، فيما أكدت منظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي أن سكان سوريا سيواجهون تدهوراً حاداً بانعدام الأمن الغذائي.
الأسواق تخلو من العروض الرمضانية!
لطالما زينت عبارات "عروض رمضان" واجهات المحال الغذائية في الأسواق السورية، إلا أن هذا العام كان مختلفاً حيث ندرت العروض التي تشجع المستهلك على الإقبال.
وتحولت معظم السلع الغذائية إلى رفاهية لا طاقة للسوريين على تحملها، وباتت كلفة المواد الأساسية تعادل ضعف راتب الموظف العادي، إذ تستمر أسعار الأرز، الخبر، السكر، الزيت، والعدس بالارتفاع الجنوني، كما أصبحت الألبان والفواكه كحال اللحوم، التي يصعب شرائها في سوريا، ناهيك عن طوابير الخبز إذ يتجمع السوريون أمام الأفران التي تقدم الخبز بالسعر المدعوم من الحكومة.
انخفاض طفيف
شهدت أسعار بعض أنواع السلع الغذائية في أسواق دمشق انخفاضاً طفيفاً، بحسب مؤشر السلع الخاص بموقع "بزنس2بزنس سورية"، ما اعتبره أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزه، تراجعاً بسيطاً قياساً بالطفرة غير المعقولة التي حدثت أثناء ارتفاع الأسعار خلال الشهر الماضي.
ولفت حبزه إلى أن الأسعار أخذت تتجه نحو الانخفاض والاستقرار وانخفاض الأسعار يختلف بين الأسواق الرئيسة والمحال في الحارات الشعبية التي لا تطولها الرقابة إلا بموجب شكوى.
وأمل حبزه أن تهدأ الأسعار وتستمر بالانخفاض أكثر بنسبة 25 بالمئة إذا نظرنا إلى التحسن في صرف الليرة السورية لافتاً إلى تأثير ارتفاع أسعار حوامل الطاقة وقلتها وارتفاع أجور النقل إلى أرقام قياسية يتم تحميلها إلى المستهلك النهائي كما تم رفع أسعار المأكولات المطبوخة نتيجة قلة مادة الغاز وارتفاع سعرها في السوق السوداء.
من جهة أخرى، "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" أسعاراً جديدة لبعض المواد والسلع الغذائية، واستقرت الأسعار ببعض المواد، بينما انخفضت في بعضها الآخر مثل الزيت والسمن والسردين مقارنة مع نشرة الأسعار الصادرة 5 نيسان 2021.
تكاليف الغذاء الضرورية للأسرة ارتفعت بنسبة 46%
سجلت تكاليف المعيشة في سوريا ارتفاعاً قياسياً خلال الربع الأول من العام الحالي 2021 بنسبة تقارب 42 بالمئة لتتجاوز المليون ليرة سورية للأسرة السورية المكومة من خمسة أشخاص في دمشق، بدعم مطلق من الارتفاع القياسي الذي سجلته أسعار الغذاء والتي تُعد أعلى ارتفاعات في سورية، سواء المنتجة محلياً أو المستوردة.
ونشرت صحيفة قاسيون المحلية، تقريراً رصدت فيه تكاليف معيشة أسرة من خمسة أشخاص في دمشق، مبني على أساس سلة استهلاكية من 8 حاجات أساسية: الغذاء، السكن، النقل، الصحة، التعليم، اللباس، الأثاث، والاتصالات. حيث قاربت تكاليف الغذاء الضروري نسبة 52% مع كل التقشف في الحاجات الأساسية الأخرى.
وارتفعت تكاليف الغذاء الضرورية للأسرة بنسبة 46%، والذي بحسب حاجة الفرد إلى 2400 حريرة يومياً، موزعة على المكونات الغذائية الأساسية. مضافاً إليها استهلاك الزيوت والمشروبات الضرورية. وفق هذه السلة، فإن تكاليف الغذاء الضروري لشخص واحد تجاوزت 89 ألف ليرة شهرياً، والأسرة تحتاج قرابة 450 ألف ليرة للمكونات الغذائية الضرورية دون الزيادات. التي ترتفع معها مجمل تكاليف الغذاء إلى 550 ألف ليرة، مقابل 376 ألف ليرة في بداية العام، ومقابل ارتفاع بنسبة 140% تقريباً خلال عام من الآن. وأسعار الغذاء هي التي تقود ارتفاع المؤشر.
الأسعار ارتفعت بأكثر من ألفين في المئة!
أعلن المكتب المركزي للإحصاء في سوريا أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك تجاوز 2000 في المئة خلال الأزمة التي تعيشها البلاد منذ نحو عشر سنوات.
وأكد مدير إحصاءات التجارة الخارجية والأسعار في المكتب، بشار القاسم، أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك وصل إلى 2107.8 في المئة، حتى شهر آب من العام 2020، وذلك مقارنة بعام الأساس 2010.
وأضاف القاسم أن التضخم السنوي عن الفترة ذاتها بلغ 139.5 في المئة، وقال إن المؤشرات بينت أن ارتفاع الأسعار كان قد بدأ بالربع الأخير من عام 2019 واستمر خلال عام 2020 وزاد عليه خلال الربع الأول جائحة كورونا، وما سببه الحجر الصحي عالميا ومحليا من ارتفاع في أسعار المواد.
حبس 7 سنوات وغرامات بالملايين!
بتاريخ 12 نيسان، صدر المرسوم التشريعي رقم (8) لعام 2021 المتضمن قانون حماية المستهلك الجديد والذي يهدف إلى حماية حقوق المستهلك وضمان سلامة الغذاء ومنع الاحتكار من خلال وضع ضوابط لممارسة التجارة والتسعير وفرض الرقابة على جودة المواد والمنتجات مع تشديد العقوبات والغرامات على الاحتكار والبيع بدون فاتورة وعدم إعلان الأسعار والتلاعب بالوزن والمكاييل والبيع بأسعار زائدة والغش.
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، طلال البرازي، أكد أن بعض العقوبات قد تصل إلى الحبس 7 سنوات والغرامة إلى 10 ملايين ليرة، موضحاً أن الغرامات "كانت تصل في بعض الأحيان إلى 100 ألف ليرة وأصبحت تصل إلى مليون أو 5 ملايين أو 10 ملايين، كما أن المسؤولية القانونية تترتب عليها عقوبات جزائية شديدة منها الحبس لمدد بينها ما يصل إلى 3 أشهر ومنها ما يصل إلى سبع سنوات".
من جانب أخر، قال معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب إن “الوزارة ستضرب بيدٍ من حديد كل من يقوم بمخالفة أو تدليس أو تلاعب بأسعار السوق!