أصبحت فرصة التوظيف في المؤسسات الحكومية حلم لدى الكثير من السوريين في السنوات الأخيرة، لاسيما وأن فتح باب التوظيف بات محدوداً ومقروناً بتزكيات ومحسوبيات لا تطال أغلب السوريين.
في حين يعمل الكثيرين من السوريين في أعمال خاصة غير حكومية، لكن البعض منهم يبقى ساعيا للجوء إلى تأمين وظيفة في الحكومة السورية، وذلك في سبيل تأمين متطلبات العيش التي باتت باهظة الثمن.
اللافت أن مسابقة التوظيف المركزية التي أطلقتها وزارة التنمية الإدارية لاقت الكثير من الترويج لكونها استقطبت عدداً كبيراً من المواطنين وفقاً لتوصيفٍ وظيفي محدد، لكن الأعداد التي أعلن عنها لم تؤخذ كاملة وفقاً لما ذكرته صحيفة «الوطن» المحلية في تقريراً لها، اليوم الأحد.
فقد انخفض العدد من 110 آلاف فرصة عمل، إلى 80 ألف فرصة تقدم إليها ما يزيد على 184 ألف متسابق، إلى 33 ألف متسابق نجحوا في المسابقة، الأمر الذي أعادته وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف في تصريح تلفزيوني لها إلى وجود نحو 40413 شاغراً وظيفياً لم يتقدم إليها أحد. بحسب الصحيفة.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، استغرب من مركزية هذه المسابقة وتدخل وزارة التنمية الإدارية بكل أعمال الأجهزة الحكومية، متسائلاً: «كيف وصلت وزارة التنمية الإدارية إلى أن الجهات العامة تحتاج إلى 80 ألف موظف جديد في الوقت الذي يعاني فيه الجهاز الإداري تضخماً كبيراً»؟
واعتقد عربش في تصريح لـ «الوطن» أن هذا العدد مبالغ به وأنه عبارة عن إبرة مخدّر لهذه الفئة من الشباب، وخاصة أن ثلاثة أرباع الموظفين في أي جهة عامة نائمون والربع الباقي فقط يعمل على حد تعبيره.
مشيراً إلى أن نسبة البطالة المقنّعة في مؤسسات الدولة وصلت إلى نحو 33 بالمئة بالحد الأدنى فالموظف لا يعمل أكثر من ساعتين في اليوم، وذلك يعرف من خلال العدد الكبير للسائقين والمستخدمين وموظفي الفئة الرابعة والخامسة، ما يشكّل هدراً كبيراً للرواتب والمحروقات والانترنت وما إلى ذلك.
وطرح عربش في تصريحه للصحيفة مثالاً على الاختصاصات التي تكثر فيها البطالة المقنّعة في مؤسسات الدولة كاختصاصات الهندسة، فمنذ نحو 50 سنة التزمت الدولة بعملية فرز المهندسين في الوقت الذي كانت تعاني فيه سورية نقصاً شديداً بأعدادهم فكانت الحاجة ملحة حينذاك.
وأضاف عربش، أن هذه الآلية ما زالت متبعة حتى اليوم ما شكل مزيداً من الضغط وخاصة أن المهندس الذي يُفرز إلى جهة ما يعتبر ملاكه مُحدَثاً حكماً، لذا فإن معظم المهندسين في الوظائف من دون عمل، ومعظم الشخصيات الإدارية والمناصب هم من المهندسين لذلك تسير المؤسسات من ترهل إداري إلى ترهل أكبر.
وبيّن عربش أنه في حال كان أجر الموظف في البداية نحو 100 ألف ليرة بشكل صاف، فهذا يعني أن الدولة ستدفع شهرياً نحو 3.3 مليارات ليرة لـ33 ألف ناجح في المسابقة، وسنوياً 39.6 مليار ليرة، وفي حال كانت التأمينات الاجتماعية 14 بالمئة تزاد إلى هذه الأجور، فستكون الكتلة النهائية السنوية تقارب 45.1 مليار ليرة.
وحول المرجعيات التي اعتمدت عليها وزارة التنمية الإدارية في تحديد احتياجات سوق العمل، لفت عربش إلى أنه منذ إصدار قانون العاملين الأساسي في الدولة عام 1985 لم تجرِ أي جهة دراسة جدية عن سوق العمل في سورية من حيث مدخلاته واحتياجاته.
بدوره، يرى عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات العمال وأمين الشؤون الاقتصادية طلال عليوي في تصريح لـ«الوطن» أن الكثير من مؤسسات الدولة لم يتم تشميلها بالمسابقة المركزية ومنها المؤسسة العامة للصناعات النسيجية.
واعتبرأن هذا القصور يقع على وزارة التنمية الإدارية لكونها تحدد الاحتياجات بناء على المعطيات الواردة إليها من المؤسسات العامة، وعلى مؤسسات الدولة من جهة أخرى لأنها لم تحدّث ملاكاتها الوظيفية التي تعود إلى عام 1985، لذا لم تستطع الوصول إلى حجم العمالة الحقيقية.
ويرى عليوي أن هذه المسابقة بخست الكثير من العاملين المؤقتين حقّهم، وخاصة أنها لم تأخذ بعين الاعتبار سنوات التوظيف السابقة، أي إن الناجح منهم سيعود إلى أجر بداية التعيين، إذاً فإن هذا الأمر لم يكن مدروساً من قبل الجهات العامة.
وأشار عليوي إلى أن الوزارة لم تطلب من المرصد العمالي للدراسات والبحوث (وهو عضو في مجلس إدارته) أي دراسات أو بحوث قام بها، بل اعتمدت بالكامل على الإحصائيات الواردة من الوزارات المعنية.
وأوضح أن دراسات المرصد تقيس حجم العمالة الموجودة فقط وليس حاجة مؤسسات الدولة، لذا فهي تُعتبر مجرّد دراسات استئناسية، لافتاً إلى أنه ولو كانت دراسات المرصد لسوق العمل شاملة فلن تكون بدقة الإحصائيات الواردة من المؤسسات.
يذكر أن وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف، أكدت في تصريحات سابقة لإذاعة "المدينة إف إم" ، إن هذه المسابقة "لا يوجد فيها تدخل بشري أو محسوبيات أو فساد، وذلك لأنها مؤتمتة بشكل كامل".
وأشارت إلى أنّ هذه المسابقة "لن تكون الأخيرة وسيكون هناك مسابقات مماثلة كل عام بعد سبر الاحتياجات"، مؤكدة "عدم إجراء مسابقة للمُسرحين من الخدمة الإلزامية خلال العام الجاريـ وأن المُسرح يحصل على درجات تفضيلية في مسابقات التوظيف بمعدل درجة لكل سنة خدمة".